سد النهضة..هل تنجح أمريكا في فك عقدة التفاوض؟

تستضيف الولايات المتحدة في السادس من نوفمبر الجاري محادثات بين السودان ومصر وإثيوبيا لتقريب وجهات النظر بشأن سدّ النهضة، بعد إعلان مصر وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، وطلبها اللجوء لطرفٍ دولي رابع للوساطة.
في الأثناء تتوجه وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله ووزير الري والموارد المائية ياسر عباس الثلاثاء المقبل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في الاجتماع الثلاثي.
وأعلنت وزارة الري موافقتها على الدعوة الأمريكية للاجتماع الثلاثي الذي يضم إلى جانب وزارة الخزانة الأمريكية، وزراء خارجية ومياه كل من السودان إثيوبيا، مصر، في حضور رئيس البنك الدولي.

عقدة المفاوضات
واختتمت بالخرطوم مطلع أكتوبر اجتماعات وزراء الري والموارد المائية لدول السودان ومصر وإثيوبيا دون التوصل لتفاهمات كبيرة في ترتيبات ملء وتخزين المياه في بحيرة سد النهضة، وبحسب مصادر مطلعة على سير المفاوضات تحدثت لـ(السوداني) –واشترطت عدم الكشف عن هويتها- فإن الدول الثلاث توافقت على عدم وجود ضرر ذي شأن عند ملء السد في السنوات ذات الإيراد العالي، واختلفت بشأن الملء أثناء السنوات الجافة وفترات الجفاف.
وأضافت المصادر أن الخبراء الفنيين المصريين ذكروا خلال الاجتماعات أن الخطة الإثيوبية المعلنة التي تحدد المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد تستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيُملأ خزان السد في إثيوبيا إلى 595 متراً، وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السدّ جاهزة للعمل، ما سيؤدي إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر جنوبيّ السدّ العالي بنحو كبير، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقلّ عن مستوى 170 متراً، ما يعني خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والريّ المصرية خروجها نتيجة المدة الإجمالية للملء.
وأوضحت مصادر صحفية أن الفريق المصري اقترح على الإثيوبيين أن يتم إيقاف عملية الملء إذا انخفض منسوب بحيرة ناصر عن 165 متراً، باعتبار أن هذا المنسوب هو الذي يضمن عدم خروج الأراضي الزراعية المصرية من الخدمة، وأن يكون هذا الرقم هو المؤشر الذي يُحدَّد من خلاله استئناف الملء من عدمه، الأمر الذي أثار استهجان الإثيوبيين الذين تمسكوا بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر قد يؤدي إلى حرمان بلادهم من إمكانية الملء لأشهر عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي فإنهم يعتقدون أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.
وأضافت المصادر أن الفريق السوداني سعى لتقديم بعض الحلول التوافقية من أرضية فنية بحتة، التي ستعرض على اجتماع الوزراء، لكن الجانب الإثيوبي ما زال متمسكاً بأن يكون قرار الملء والإيقاف والاستئناف محليّاً صرفاً، “حفاظاً على السيادة الوطنية دون تدخل طرف رابع”.
من الواضح أن السودان وإثيوبيا يرفضان دخول وسيط رابع في المباحثات الثلاثية بشأن سد النهضة الإثيوبي، استناداً على تجارب سابقة في الملف، فيما طالبت الدولتان بمنح اللجان الفنية البحثية زمناً إضافياً للوصول إلى اتفاق حول النقاط مثار الخلاف وذلك بناءً على النجاح الذي أحرزته هذه اللجان.
وزير الري والموارد المائية الإثيوبي سليشي بيكلي قال في مؤتمر صحفي، إن المصريين تقدموا بمقترح يستحيل تنفيذه مؤكداً أنهم طالبوا بـ 40 مليار متر مكعب في السنة في حين أن مخزون إثيوبيا حوالي 20 مليار متر مكعب مما يعني أن إثيوبيا تعطي مصر من مخزونها من المياه إلى جانب ضمانات.
وأضاف بيكلي: “لا أحد يمكنه تقديم ضمانات في هذا الشأن إلا الله فالأمر مرتبط بمنسوب الخريف كل عام”.
الخبير في قضايا المياه د. سلمان محمد سلمان يقول إن عقدة المفاوضات باتت تتمحور حول سنوات ملء البحيرة التي تسع لنحو 74 مليار متر مكعب والتي خططت إثيوبيا لتحقيقه في فترة 3-5 سنوات بمعدل سنوي يتراوح بين 20-25 مليار متر مكعب وهو ما أثار مخاوف السودان ومصر.
ويشير سلمان إلى أن السودان تقدم بمقترح بعد دراسات علمية بضرورة أن تسمح إثيوبيا بمرور 35 مليار متر مكعب سنوياً لدولتي السودان ومصر من جملة 50 مليار متر مكعب هي حصيلة النيل الأزرق ووجد المقترح مباركة من الدولتين قبل أن تتراجع مصر عنه وتدفع بمقترح مرور 40 مليار متر مكعب سنوياً إلى جانب ضمانات بألا يقل منسوب بحيرة ناصر عن 162 مليار متر مكعب فيما رفضت إثيوبيا المقترح ودفعت بمقترح مضاد عبارة عن 31 مليار متر مكعب مشيرة إلى أنها ليست طرفاً في اتفاق السد العالي وأن الضمانات بيد الله سبحانه وتعالى.
سلمان يرى أن نجاح المشاورات رهين بالموقف المصري ومدى مرونته.
وفي ظل حالة الشد بين القاهرة وأديس أبابا ضاع المقترح السوداني، لتتجه الأنظار نحو واشنطن.
تاريخياً لم يتم التعبير عن الموقف الأمريكي من قضية بناء سد النهضة إلا من خلال عبارات دبلوماسية، وفي الثالث من أكتوبر الماضي صدر بيان من البيت الأبيض ولم يصدر من الخارجية كما جرت العادة.
وتحدث بيان البيت الأبيض عن ضرورة الوصول لاتفاق على “ملء خزانات السد وطريقة تشغيله”، كما أشار البيان إلى “حق دول وادي النيل في التنمية الاقتصادية والرخاء، وعلى ضرورة التوصل لاتفاق يحفظ حقوقاً عادلة لكل الدول”.
ويبدو أن “الخوف من أن تلعب روسيا أو الصين دوراً كبيراً في حل النزاع حول سد النهضة هو العامل الرئيسي الذي دفع واشنطن للتدخل، خاصة مع استضافة موسكو للقمة الروسية الإفريقية”.
وكانت موسكو قد عرضت القيام بدور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما سبب إزعاجاً كبيراً لواشنطن حيث إنها أكبر جهة داعمة للدولتين من حيث كم المساعدات العسكرية والاقتصادية الذي يتخطى ملياري دولار سنوياً.
ويتيح ما تقدمه واشنطن من مساعدات كبيرة للطرفين، إضافة لمكانتها المؤثرة داخل المؤسسات المالية الدولية الرئيسية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثقلاً لا تستطيع القاهرة ولا أديس أبابا تجاهله.
الخبير في قضايا المياه د. سلمان محمد سلمان يشير إلى أن أمريكا ظلت غائبة عن المشهد لصالح البنك الدولي في بداية الأزمة وأنها تسعى للعودة إلى الملف لاعتبارات تتعلق بالأهمية الاستراتيجية للمنطقة مضيفاً أن هذا الدور سيكون بمثابة ميسر للنقاش للتوصل لحلول مرضية لجميع الأطراف.
أما الصحفي والمهتم بالقرن الإفريقي محمد مصطفى جامع يقول إن الدعوة الأمريكية جاءت عقب إعلان روسيا عن استعدادها لاستضافة اجتماع وساطة بين إثيوبيا ومصر.
ويضيف جامع” استشعرت الولايات المتحدة منافسة قوية من روسيا على المنطقة، خاصة أن الأخيرة استضافت الأسبوع الماضي قمة إفريقية حضرها عدد كبير من الزعماء الأفارقة”.
رئيس تحرير صحيفة (صوت الأمة) المصرية يوسف أيوب يرى أن الاجتماع سيكون له فائدة كبيرة على المستوى السياسي والفني أيضاً.
ويقول أيوب إن فكرة وجود وسيط أو طرف رابع كانت مطلوبة منذ فترة لتسهيل عملية التفاوض وأيضاً ليكون لدى هذا الطرف القدرة على طرح أفكار أخرى للحل خارج النطاق الثلاثي “مصر والسودان وإثيوبيا”، خاصة بعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، وهو الأمر الذي يستدعي إيجاد أفكار أخرى.
كما أن دخول واشنطن كطرف وسيط سيشجع الأطراف الثلاثة على السير في العملية التفاوضية والالتزام أيضاً بما سيتم الاتفاق عليه، هذا الأمر ليس ببدعة سياسية وإنما أمر معمول به في كل الملفات الخلافية بين الدول.
ويلفت أيوب إلى أن الولايات المتحدة تحديداً تملك القدرة على الدخول كطرف وسيط، لأنها تتمتع بعلاقات قوية مع الدول الثلاث، وتستطيع أن تستثمر هذه العلاقات للعمل على إيجاد آلية تحفظ حقوق كل طرف، خاصة الحقوق المائية لدولتي المصب مصر والسودان، كما أن الولايات المتحدة لديها مراكز بحثية وخبراء وشركات تستطيع أن تحدد بشكل واضح الأضرار التي ستقع على دولتي المصب من سد النهضة، كما أنهم يملكون القدرة الفنية على إيجاد آليات واضحة ومحددة لعملية ملء وتشغيل السد بما لا يضر بحقوق أحد.
غير أن الصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم يقول إن التفاوض بين الدول الثلاث يحتاج لحسن نوايا خاصة من مصر مقللاً من التدخل الأمريكي أو أي طرف آخر.
ويضيف إبراهيم:” أي ضغوط قد تخرج الملف عن مساره، أعتقد أن اجتماعات واشنطن ستكون مجرد اجتماعات لا أكثر”.

طرف رابع
أعرب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، عن تطلع بلاده لتوقيع اتفاق قانوني ثلاثي بينها وبين إثيوبيا والسودان من خلال المفاوضات الجديدة التي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية الشهر المقبل، بحضور البنك الدولي ليضمن هذا الاتفاق حقوق مصر المائية في مياه نهر النيل، مشدداً على أن مصر لديها إرادة سياسية لتحقيق ذلك.
وقال شكري إن مصر رحبت بالدعوة الأمريكية لتسهيل التفاوض وحسْم الخلافات بين الدول الثلاث بشأن موضوع ملء وتخزين المياه خلف سد النهضة.
وأضاف أن مصر والسودان وإثيوبيا أبرمت إعلان مبادئ في شهر مارس 2015 ونعتبره إنجازاً ضرورياً لإدارة الموارد المائية لنهر النيل، مشدداً على ضرورة وجود إرادة سياسية لدى إثيوبيا لتطبيق هذا الاتفاق الذي نص على وجود وسيط في حالة عدم الاتفاق وهو ما حدث في الدعوة الأمريكية الأخيرة.
وأكد شكري أن حصة المواطن المصري السنوية من المياه تبلغ 570 متراً مكعباً ستنخفض إلى 500 متر مكعب عام 2020، وهو ما يجعل مصر في مصافّ الدول التي تعاني من فقر مائي شديد.
وينص البند العاشر في اتفاق المبادئ الموقع 2015 بين زعماء الدول الثلاث في الخرطوم، على أن “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا”. ويضيف أنه “إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لرؤساء الدول/رئيس الحكومة”.
وعقب فشل الاجتماع الوزاري الأخير في الخامس من أكتوبر الجاري، دعت مصر رسمياً الولايات المتحدة للتدخل والمساعدة على حل خلافات الدول الثلاث.
ولم تختر القاهرة اللجوء إلى التحكيم الدولي بسبب ضعف موقفها القانوني، وأشار خبير الدراسات المائية بجامعة جورج تاون
هاري فيرهوفن في تصريحات صحفية إلى أنه من المؤكد إذا لجأت الأطراف للتحكيم الدولي أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي فـ”سيتم الحكم لصالح إثيوبيا”. وأوضح فيرهوفن أن “إثيوبيا لها الحق في تطوير مواردها المائية داخل أراضيها”.
وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55 مليار متر مكعب، فيما يحصل السودان على 18.5 مليار، فيما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء في الأساس.
ويرى مراقبون أن مشروع سد النهضة -الذي تبلغ تكلفته 4.8 مليارات دولار- سيكون عند إنهائه في 2022 أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وسيولد أكثر من ستة آلاف ميغاواط من الكهرباء.

مجرد مشاورات
في الأثناء رهنت إثيوبيا الموافقة على دعوة المباحثات الجديدة، باعتبارها جلسةً تشاورية على مستوى وزراء الخارجية فقط، على أن تكون غير ملزِمة بأي نتائج لأطراف النقاش، رافضة تناول الأمور الفنية خلال المباحثات المقرر إجراؤها، بدعوى أن الجانب الفني هو من اختصاص الدول الثلاث المعنية فقط، خصوصاً أنه لم يتم الاتفاق على اللجوء إلى طرفٍ دولي للتحكيم بين أطراف النزاع.
وأشارت أديس أبابا إلى أنه تم الاتفاق بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اللقاء الذي جمعهما في روسيا الأسبوع الماضي على استكمال آلية المفاوضات الفنية خلال الفترة القريبة المقبلة.
وتعتمد إثيوبيا في الترويج لموقفها في واشنطن على البعد الإنساني الذي تدعمه تقارير رسمية صادرة عن البنك الدولي، والتي تشير إلى حاجة إثيوبيا الماسة للطاقة الكهربائية.
ويقول أحد هذه التقارير إن “66% من سكان إثيوبيا يعيشون من دون كهرباء وهي من أعلى النسب في العالم”.

تقرير: محمد عبدالعزيز
الخرطوم (صحيفة السوداني)

Exit mobile version