مُواصلات العاصمة .. فساد حتى الثمالة!!

الاعتداء على الأموال المُخصّصة لصيانة البصات بمعاونة المدير العام!!

مدير عام شركة المُواصلات وقّع عقد أنظمة التتبع دُون صلاحيات بعد إعفائه بأسبوعٍ!!

شركة كرونيس صاحبة العطاء ليس لديها توكيل من شركة دايو الكورية

يُشكِّل عقد صيانة بصات ولاية الخرطوم، أقبح أوجه الفساد التي تظهر في أعلى قمة الهرم الإداري لشركة المواصلات العامة بولاية الخرطوم، التي تَسَبّبت في شل حركة بصات الشركة وخروجها من الخدمة نتيجة الاعتداء على الأموال البالغة (366.835) دولاراً أمريكياً مُخصّصة للصيانة واستيراد قطع الغيار بالتزوير في العقد المُوقّع مع شركة كرونيس، وتم نهب هذه الأموال بواسطة المدير العام لشركة المواصلات عبد الوهاب أحمد عثمان بمُشاركة آخرين، ما أدى لخُرُوج (175) بصاً من دائرة الخدمة بسبب عدم تَوافر قطع الغيار، ما أدى للأزمة الطاحنة التي تعيشها العاصمة في المُواصلات التي تسبّبت في مظاهر تكدُّس الأعداد الكبيرة من المواطنين على جنبات الطرقات في الأحياء ووسط العاصمة لساعات طويلة في انتظار المركبات يستجدون أصحاب العربات الخاصة لحملهم إلى مواقع عملهم جيئةً وذهاباً، في ظل ارتفاع تكلفة الترحيل لأضعاف بلغت في بعض الخطوط لأكثر من (300%)!!

*تُهمة التزوير

وبناءً على هذا العقد المُعيب، أوصت المراجعة الجنائية بديوان المراجعة القومي في تقريرها الصادر بتاريخ (16 يوليو 2019) الذي حصّلت عليه (الصيحة)، أوصت بتوجيه تُهمة جنائية بالتزوير والاعتداء على مبلغ (366835) دولاراً أمريكياً تم تخصيصها لاستيراد وصيانة (175) بصاً، في مُواجهة كل من مدير عام شركة المواصلات العامة بولاية الخرطوم عبد الوهاب أحمد عثمان سنادة ورئيس مجلس إدارة شركة كرونيس للأنشطة المتعددة وعادل محمد عثمان علي وزير المالية بولاية الخرطوم، بجانب رئيس وأعضاء لجنة دراسة وفحص العرض المُقدّم من شركة كرونيس.

توزيع أدوار للاعتداء

ويُبيِّن من التقرير ديوان المُراجعة أنّ عملية الاعتداء والاِستيلاء على الأموال المخصصة لصيانة هذه البصات تمّت بتخطيطٍ مُتدرِّجٍ، بدأ بمُخاطبة والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين بواسطة رئيس مجلس إدارة شركة كرونيس مدني الحارث، بطلبٍ أبدى فيه رغبة شركته بإجراء صيانة للبصات الكورية العاملة بالولاية، وادعى مدني الحارث في خطابه للوالي بأن شركة كرونيس لديها وكالة حصرية من شركة دايو الكورية فرع الصين ومُفوّضة منها لتوقيع عقودات الصيانة واستيراد قطع الغيار وتكشف فيما بعد أن شركة كرونيس لا علاقة لها بشركة دايو، فقط حيلة من الحارث للتمويه للوالي والجهات ذات الصلة، وبعد مُوافقة الوالي جاء دور مدير عام شركة مواصلات الخرطوم عبد الوهاب أحمد عثمان الذي سارع بصياغة العقد مع شركة كرونيس وقام بمُخاطبة وزارة المالية بالولاية ووزير البنية التحتية والمُواصلات بشأن العرض المُقدّم من شركة كرونيس لصيانة البصات، غير أنّ وزير البنية التحتية اعترض على العقد وكان رأيه أنه يحوي كثيراً من العيوب من ناحية الدفع والسداد.. تدخل مدير شركة كرونيس مدني الحارث مجدداً بمُخاطبة وزير المالية بولاية الخرطوم عادل محمد عثمان بخصوص العرض الذي قدمته شركته واقتنع وزير المالية بالعرض.

توصية اللجنة المُفخّخة

وبعدها، وجّه وزير المالية بتكوين لجنة فنية لدارسة العرض المُقدّم من شركة كرونيس لاستيراد قطع الغيار وصيانة البصات، ورفعت اللجنة توصيتها بأنّها تأكدت من أنّ شركة كرونيس وكيل حصري لشركة دايو وهي شركة مُؤهّلة مالياً وفنياً وتمثل شركة حكومية وسعرها هو الأقل وعرضها ممتاز، وأوصت اللجنة بمنحها عطاء الصيانة، وبناءً على توصية اللجنة، أصدر وزير المالية عادل خطاباً وجه فيه مدير عام شركة المواصلات عبد الوهاب بقبول العرض المُقدّم من شركة كرونيس، وتم إبرام العقد بتاريخ أغسطس 2017، بين شركة المُواصلات العامة التي يمثلها مديرها عبد الوهاب أحمد عثمان، وشركة كرونيس التي يمثلها رئيس مجلس إدارتها مدني الحارث، ونص العقد على صيانة (175) بصاً ماركة دايو وتوريد اسبيرات ومُعدّات ورش بتكلفة قدرها (2483617) دولاراً أمريكياً.

مخالفة العقد

غير أنه تكشف أن شركة كرونيس ليس لديها أي توكيل ولا عقد مُوقّع بينها وبين شركة دايو، بجانب أن العقد المُوقع بين شركة المواصلات وكرونيس لتقوم بعملية الصيانة غير مُعتمدٍ من المستشار القانوني لوزارة المالية أو حكومة ولاية الخرطوم.

تزويرٌ واحتيالٌ

وتبيّن أيضاً أن بوليصة الشحن التي قدّمها مدير عام شركة المواصلات عبد الوهاب لوزير المالية بالولاية عادل محمد عثمان مدعومة بخطابٍ من رئيس مجلس إدارة شركة كرونيس لسداد مبلغ (366835) دولاراً أمريكياً، الذي نص العقد على سداده كمقدم استلام بوليصة شحن، اتّضح أنّ هذه البوليصة مُزوّرة حسب تقرير لجنة تقييم العقد، وللتأكُّد قام تيم المراجعة التابع لديوان المُراجعة القومي بالدخول للخط الملاحي عبر شبكة الإنترنت وإدخال أرقام الفواتير وبوليصة الشحن التي ادّعت الشركة أنها استوردت بها الاسبيرات، وتكشف لتيم المراجعة بأن هذه الفواتير والبوليصة اُستخدمت في العام (2015) لجهات أخرى لا علاقة لها بشركة كرونيس!! ولمزيد من التأكد تمت مخاطبة شركة استرن صاحبة الخط الملاحي الصادرة باسمها البوليصة المُزوّرة، وكذلك إدارة الجمارك، حيث أفادت شركة استرن بأنها لم تعثر على أيِّ بيانات عن تاريخ وصول هذه المُعدّات على خطّها الملاحي لميناء بورتسودان، وكذلك أفاد رد إدارة الجمارك بأنها لم تعثر على بوليصة الشحن مُدرجة في سجلاتها.

سداد بغير وجه حق

ويُؤكِّد تقرير المراجعة القومية أنّه على الرغم من ثبوت التزوير في هذه البوليصة، تسلّمت شركة كرونيس مبلغ 2814800 دولار أمريكي كمقدم عقد بتاريخ (27/6/2019)، وتسلمت شركة كرونيس بعده مبلغ (11465259) دولاراً أمريكياً كمتبقي عقد بمُخالفة صريحةٍ للعقد الذي نص على سدادها بالعُملة المحلية بالسعر التشجيعي لبنك السودان، لكن بتوجيهٍ صادرٍ من وزير المالية بالولاية عادل محمد عثمان تم دفعها أو سدادها بالعملة الحُرة.

المُخالفة الكُبرى

وخلص تقرير المراجع أنّ المُخالفة الكُبرى على الرغم من سداد مبلغ العقد، إلا أن شركة كرونيس التي تسلّمت كل التكلفة لم تستورد اسبيرات ولم تقم بأيِّ أعمال صيانة، بل زادت في نهبها للمال العام بأن قامت (أي شركة كرونيس) باستلام (50) بصاً بغرض الصيانة والتشغيل وتحصّلت على (80%) من إيرادات تشغيلها اليومية لسداد بقية قيمة العقد الذي لم تُنفّذ منه أيِّ بند من بنوده سوى استيراد قطع الغيار أو القيام بأعمال الصيانة، وبذلك تكون شركة كورنيس مُمثلةً في رئيس مجلس إدارتها قد قامت بالاستيلاء على أموال شركة المواصلات العامة وبصاتها لتشغيلها لصالحها بمُساعدة مديرها عبد الوهاب أحمد.

وفي مشهد آخرٍ تواصل مسلسل الاعتداء على أموال شركة المواصلات العامة لولاية الخرطوم بواسطة مديرها عبد الوهاب أحمد عثمان في العقد الخاص بمنظومة التتبع والتحصيل الذي أُبرم بتاريخ (15/10/2018) بين شركة المواصلات العامة وشركة داتا بليس للحصول على منظومة التتبع والتحصيل الإلكتروني.

مُخالفة قانونية

وعلى طريقة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، تبرز المخالفة القانونية في هذا العقد مُمثلةً في أنّ مدير عام شركة المُواصلات العامة عبد الوهاب أحمد عثمان قام بتوقيعه بعد إعفائه من منصبه بتاريخ (6/10/2018)، وأصبح دون صلاحيات أو صفة لتوقيع هذا العقد، وفي مُخالفة قانونية أخرى أكد تقرير المراجعة القومي بأنّ هذا العقد لم يتم الالتزام فيه بتنفيذ لائحة الشراء والتعاقُد والتخلُّص من الفائض لسنة (2010).
وفي مُخالفةٍ أخرى حسب تقرير المراجعة القومي، لم يتم الالتزام برأي اللجنة الفنية المُختصة في اختيار الشركات المُطابقة للمُواصلات المطلوبة، حيث أن شركة داتا بليس التي تم توقيع العقد معها لم تُوصِ بها اللجنة، بل استبعدتها لعدم تَمكُّنها من تقديم مُستندات التأهيل ولم تقدم مُواصفات جيدة لأجهزة منظومة التتبع مع ارتفاع تكلفتها البالغة (3639700) دولار لعدد(500) بص، مُقارنةً بالعرض الذي قدّمته شركة أسوار صاحبة المنتج الأجود لمُتطلبات أنظمة التتبع الإلكتروني لإدارة أسطول البصات، وهناك أيضاً عرض من شركة كاردلان المُنتجة لأجهزة التحصيل الإلكتروني تم اختيار هاتين الشركتين بواسطة اللجنة الفنية لتنفيذ المشروع بمبلغ (547425) دولاراً أمريكياً لعدد (550) بصاً ويبدو الفارق بين المالي وعدد البصات التي يغطيها المشروع في عرض الشركات المتقدمة، إلا أن مدير عام شركة المواصلات قام بإرساء العطاء لشركة داتا بلاس متجاهلاً رأي اللجنة الفنية ورغم أنه أصبح لا يملك أي تفويض لتوقيع العقد بعد إعفائه.

تقرير: روضة الحلاوي
الخرطوم: (صحيفة الصيحة)

Exit mobile version