شخصيات عديدة أوجدت لنفسها حيزاً كبيراً في الظهور إبان الثورة التي انطلقت مؤخراً في ديسمبر الماضي وأصبحت تلك الشخصيات ملهمة للشباب والثوار، إما بأقوالها أو أفعالها التي أصبحت شعارات وأقوالاً يرددها الجميع، ولكن سرعان ما اختفت تلك الشخصيات ولم تعد كما السابق بينما واجهت ذات الشخصيات انتقادات كبيرة وصلت إلى حد الاعتداء اللفظي والجسدي، إما لسلوك متناقض عما كان سابقاً في عهد الثورة والحماس أو محاولة التنصل والالتفاف على أهداف الثورة, محمد ناجي الأصم الذي أصبح ملهم الشباب والكنداكات، فضلاً عن أنه وصل قمة الظهور عند إلقائه خطاب قوى الحرية والتغيير خلال التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية ولكن سرعان ما توارى عن الأنظار، بل تعالت بعض الأصوات مؤخراً بمحاسبته، أما شاعر الثورة الميداني (دسيس مان) والذي كانت هتافاته وأقواله المؤلفة مباشرة أكثر ما يبعث الحماس والطرفة في نفوس الثوار، بل مقولاته التي أصبحت الآن يرددها كل الشباب وجدت انتقادات حادة أثناء مشاركته في قافلة الدعم السريع الطبية لدعم المتأثرين فضلًا عن الاعتداء عليه من قبل مجهولين أمس الأول، كل ذلك والثورة لا زالت نارها مشتعلة، حيث لم تصل إلى نهاياتها وتحقق غاياتها وأهدافها بعد، فضلاً عن اختفاء السياسي عمر الدقير ومريم الصادق وخالد سلك وغيرهم، فهل لهذا الاختفاء مبرر أم هي الثورة دائماً تبتلع أبناءها؟
صناعة القائد
أستاذ علم النفس السياسي بجامعة أفريقيا العالمية نصر الدين الدومة، قال لـ(الصيحة): لابد للناس التوقف عند طبيعة الأحداث التي صاحبت الثورة في الأيام الأولى لقيامها والتي كانت تعتمد في طبيعتها على المعلومة وحداثتها والتفاعل العالي مع وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفاً: كانت هناك حاجة كبيرة لإشعال واتقاد نار الثورة خاصة وأن الشباب كان يتميز بالحماس العالي، حيث كان لتلك الفترة من الثورة ظهور طاغٍ سيما وأن الأحداث هي التي تصنع المشهد والمواقف، وأشار الدومة أن تلك الفترة شهدت تركيزاً إعلامياً كبيراً لما يشهده السودان من متغيرات، موضحاً أن التركيز الإعلامي توجه الآن صوب لبنان، وبالتالي هي طبيعة الإعلام يتعامل مع الأحداث، وهو ما يعرف في علم النفس (بنظرية القائد)، وهو الموقف الذي يوظف أشخاصاً محددين في وقت محدد، ومن ثم تختفي تلك الشخصيات في وقت لاحق وهي السمة الغالبة التي صاحبت الثورة.
وأكد الدومة أن أسباب الاختفاء الذي حدث لتلك الشخصيات منها التشكيل الحكومي للوزراء الذي تم تكليفهم بالملفات مما جعل الأنظار تتجه إلى هؤلاء وأصبحوا هم من يتصدرون المشهد.
وأقر الدومة بوجود حالة سيولة إبان الثورة لم تحدد معها من المسؤول، لذلك كانت المنابر مفتوحة، ولكن الآن أصبحت هناك حكومة، هي التي تتحدث عن الأشياء والأحداث، وبالتالي توارت مسألة الصوت العام، وأصبحت بعض القيادات والشخصيات في الواجبات الحزبية، فيما أصابت البعض حالة عدم الظهور، مبيناً أنها حالة دائماً ما تتأثر بالجوانب النفسية، فضلاً عن بعض الالتزامات التي تمنع من الظهور، وكشف الدومة أنه لازال الوقت مبكراً للاختفاء، لان المواقف التي كانت سبباً في الظهور لا زالت قائمة، إذ لا زال الوضع لم يتغير، ولا زالت وعود الحكومة كما هي، ولا زالت الضبابية هي المسيطرة على المشهد العام .
التفاف حول الثورة
فيما أوضح أحد الناشطين أن كل الشخصيات التي ظهرت خلال الثورة ولم تستطع مواصلة نشاطها بذات الحماس والمبدأ إنما هي شخصيات مرتبكة ليس لها موقف محدد، مضيفاً أن الذين كانوا سابقاً يناكفون النظام ويهتفون بأعلى أصواتهم، ولكن مؤخراً تبدل الحال في مواقفهم، هؤلاء ليسوا بثوار، وإنما بهرتهم الشهرة وانقادوا وراء الأضواء وبالتالي فقدوا البوصلة التي كانت تقودهم نحو أهداف الثورة الحقيقية التي لا زالت حتى اللحظة قائمة، ولم تكتمل بعد، مشيراً أن الثوار الحقيقيين لا يتبدلون بالإغراءات والإملاءات، وأنما تظل مواقفهم الثورية كما هي حتى تتحقق، وإلا فأنه التفاف حول الثورة وأهدافها.
تقرير: النذير دفع الله
الخرطوم: (صحيفة الصيحة)