-١- من المفارقات الطريفة، في إحدى المقابلات التلفازية المباشرة على الهواء، كان المتحدث صاحب الصيت الواسع والعمامة الناصعة، يميل بجسمه الضخم نحو المذيع، ويقول له بصوت هامس بيني وبينك نحن حنعمل كده وكده)!
الجمهور على امتداد بث القناة يستمع لذلك الهمس الجاهر ويطلع على الأسرار المعلنة!
في الشهور الأولى لحكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، عقد اجتماعاً سرياً بمقر إقامته مع قيادات القوى السياسية المصرية.
الاجتماع عن سد النهضة وكيفية مواجهة إثيوبيا العازمة على إكمال المشروع، دون اعتبار وتقدير للمخاوف المصرية.
اقترح البعض للرئاسة المصرية، مقترحات عدوانية وكيدية ضد أديس أبابا، لا تبدأ بإشعال الفتن القبلية ولا تنتهي بالضربات الجوية.
أحد المتحدثين طالب بحماس الحضور بقسم جماعي على عدم كشف ما دار في ذلك الاجتماع!
المفاجأة الصافعة، أن كل ما دار وقتذاك في الاجتماع السري، كان يقدم (طازجاً)بالتلفزيون المصري على الهواء وعلى قناة في اليوتيوب، دون علم مرسي وضيوفه …!
-٢-
السفير المخضرم إبراهيم طه أيوب كان يتحدث قبل أيام على سجيته الثمانينية اللاذعة، في اجتماع مع بعض مناصري قوى الحرية والتغيير في بريطانيا ويكشف معلومات ذات حساسية عالية!
التسجيل المسرب من ذلك اللقاء وجد انتشاراً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، لما حوى من معلومات وتقديرات سياسية داخلية!
بعض الحريصين على الوقيعة بين المكون المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية وجدوا في أقوال أيوب وإفاداته مادة خام لإشعال الصراع داخل كابينة القيادة الانتقالية.
-٣-
تحدث السفير أيوب عن اتصالات لقوى الحرية والتغيير مع ضباط في الجيش، ما دون القيادة!
وعن علاقتهم بالمكون العسكري (برهان وحميدتي)، وعن رئيس الوزراء دكتورعبد الله حمدوك ومخاوف اقترابه من العسكر!
بدا واضحاً من خلال الحديث أن السفير طه أيوب لم يكن يدرك أن ما يقوله لخاصته سيخرج للعلن، أو ربما كان لا يبالي من حدوث ذلك!
أكثر ما لفت نظري في الحديث المطول والسفير أيوب يتحدث عن كل المواضيع ويجيب على كافة الاسئلة، باعتباره من كبار قادة التغيير، عدم وجود مساحة في خارطة اهتمام الرجل لمعاش الناس وتجاوز أزماتهم الخانقة!
-٤-
الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الجميع وفي مقدمتهم السفير أيوب : نجاح الفترة الانتقالية وسلامة السودان كدولة من التمزق والانهيار رهين بالتعاون والتفاهم بين المكون المدني والعسكري والعمل بروح الشراكة الذكية، وانعكاس ذلك إيجاباً، على معاش الناس.
إدارة فترة الانتقال بروح العداء والتربص وخناجر الظلام، وتبادل الابتسامات الكاذبة ونصب الشراك في الخفاء، سيؤدي إلى كارثة وطنية لا تبقي ولا تذر، حين يسقط السقف على الجميع.
-٥-
ربما يمضي وقتٌ طويلٌ وتترتَّب خسائر فادحة حتى يُدرك العسكريون والمدنيون، أن العلاقة بينهما في الفترة الانتقالية، هي الباب الوحيد لنجاة الوطن من مُنزلق الفوضى والانهيار.
العلاقة بينهما شبه سيامية، وتحتاج إلى تدابير خاصة وسعة أكبر في التفكير ورحابة الصدر ونقاء السريرة السياسية.
هذا لا يعني أن يحْتَكِرا ساحة الوطن، ويُقصِيَا بقية القوى السياسية والمُجتمعية، ويُغلِقَا الباب عليهما، في خلوة ثنائية، ثالثهما شيطان الأنانية!
المُراد أن يُمثّلا أعمدة ارتكاز في التوافق الوطني العام على مطلوبات الانتقال.
-٦-
ثلاث حقائق يجب التأسيس عليها في التعامل مع الفترة الانتقالية:
الحقيقة الأولى/ لن يستطيع العسكريون تجاوز قوى التغيير، فهي ماتزال مدعومةً من قوى شباب الثورة، ولها حاضنةٌ اجتماعيةٌ واسعةٌ في المدن ودعمٌ دوليٌّ كبير.
الحقيقة الثانية/ قوى التغيير لا تستطيع أن تُحكِم إدارتها على الفترة الانتقالية دون بناء علاقة إيجابية مع الأجهزة العسكرية والأمنية.
الحقيقة الثالثة/ على قوى التغيير المدنية والعسكرية تجاوز منطق الدّجاجة الصغيرة الحمراء، لتفتح أبوابها واسعة، وتدعو الجميع للمُشاركة في ترتيبات الفترة الانتقالية، حتى لا تتكوَّن معارضة واسعة، على أجندة الخوف والانتقام، تُعيق برنامج الانتقال، بدلق المياه الساخنة تحت الأقدام الحافية!
علينا استدعاء الأرشيف السياسي للعبرة والعظة:
إقصاء الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان في العام 1966م ترتب عليه انقلاب مايو 1969م.
إقصاء الجبهة الإسلامية في الديمقراطية الثالثة، عبر مُذكِّرة الجيش، ترتَّب عليه انقلاب يونيو 1989
-أخيراً-
المختصر المفيد: لا نجاح وعبور آمن لفترة الانتقال دون تعاون حقيقي بين العسكريين والمدنيين، بلا تربص ومكائد، مع استيعاب الآخرين، إلا من أفسد وبغى وظلم.
المهم، فتح صفحة جديدة عنوانها الأبرز (مستقبل بلا أحقاد ولا إقصاء).
ضياء الدين بلال