لماذا دخلت واشنطن على خط أزمة سد النهضة؟

جاء إعلان القاهرة قبولها دعوة وجهتها وزارة الخارجية الأميركية لوزراء خارجية إثيوبيا والسودان ومصر للاجتماع بواشنطن للبحث في سبل حل الخلافات بشأن سد النهضة ليشير لتزايد الدور الأميركي في قضية سد النهضة.

وتاريخيا لم يتم التعبير عن الموقف الأميركي من قضية بناء سد النهضة إلا من خلال عبارات دبلوماسية فضفاضة، مثل “نحن نعبر عن قلقنا المتزايد من التوتر حول مياه نهر النيل، ونناشد كل الأطراف العمل معا لحل الخلافات حول سد النهضة عن طريق التعاون فيما بينهم”، كما أشارت بيانات وزارة الخارجية عن القضية على مدار السنوات الماضية.

لم ترد وزارة الخارجية الأميركية على أسئلة الجزيرة نت بخصوص دعوة وزراء مصر وإثيوبيا والسودان للاجتماع في واشنطن، إلا أن دبلوماسيا أميركيا سابقا تحدث للجزيرة نت قائلا إن “الخوف من أن تلعب روسيا أو الصين دورا كبيرا في حل النزاع حول سد النهضة هو العامل الرئيسي الذي دفع واشنطن للتدخل، خاصة مع استضافة موسكو القمة الروسية الأفريقية”.

وكانت موسكو قد عرضت القيام بدور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما سبب إزعاجا كبيرا لواشنطن حيث إنها أكبر جهة داعمة للدولتين من حيث كم المساعدات العسكرية والاقتصادية الذي يتخطى ملياري دولار سنويا.

تقريب
ويتصور الكثير من الخبراء بواشنطن أن علاقة الولايات المتحدة القوية بالدولتين قد تسمح لها بلعب دور بنّاء يقلل من حجم الخلافات بين الطرفين.

وتجمع الولايات المتحدة علاقات قوية مع القاهرة وأديس أبابا، فمصر تلقت مساعدات أميركية بلغ مجموعها 80 مليار دولار خلال العقود الأربعة الأخيرة.

وتعد إثيوبيا كذلك من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الاقتصادية والتنموية الأميركية بين دول القارة الأفريقية، وبلغ ما تلقته عام 2018 مليار دولار.

ويتيح ما تقدمه واشنطن من مساعدات كبيرة للطرفين، إضافة لمكانتها المؤثرة داخل المؤسسات المالية الدولية الرئيسية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثقلا لا تستطيع القاهرة ولا أديس أبابا تجاهله.

وطالبت دراسة صدرت أخيرا عن مجموعة الأزمات الدولية الدول الثلاث المعنية بقضية سد النهضة بضرورة “طلب الدعم من طرف ثالث، شريك متفق عليه للخروج من المأزق”.

واقترحت الدراسة كلا من الولايات المتحدة والصين اللتين تتمتعان بعلاقات وثيقة مع بعض حكومات حوض النيل، وحثتهما على تشجيع الأطراف على تسوية نزاعاتهما قبل اكتمال بناء سد النهضة.

وعقب فشل الاجتماع الوزاري الأخير في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دعت مصر رسميا الولايات المتحدة للتدخل والمساعدة على حل خلافات الدول الثلاث.

ولم تختر القاهرة اللجوء إلى التحكيم الدولي بسبب ضعف موقفها القانوني، وأشار هاري فيرهوفن خبير الدراسات المائية بجامعة جورج تاون إلى أنه من المؤكد إذا لجأت الأطراف للتحكيم الدولي أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي فـ”سيتم الحكم لصالح إثيوبيا”. وأوضح فيرهوفن أن “إثيوبيا لها الحق في تطوير مواردها المائية داخل أراضيها”.

اهتمام واشنطن
ولم توقّع إثيوبيا على أي من اتفاقيات توزيع حصص مياه نهر النيل، وترى أديس أبابا أنها غير ملتزمة بنصوص اتفاقيات وقعتها مصر مع السودان أو بريطانيا ولم تكن إثيوبيا طرفا فيها.

ولم يمثل البيان الأميركي الصادر من البيت الأبيض يوم الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الجاري مفاجأة للمتابعين لقضية سد النهضة، بل عكس اهتماما حقيقيا من جانب واشنطن.

وصدر البيان من البيت الأبيض ولم يصدر من وزارة الخارجية كما جرت العادة.

وتحدث بيان البيت الأبيض عن ضرورة الوصول لاتفاق على “ملء خزانات السد وطريقة تشغيله”، كما أشار البيان إلى “حق دول وادي النيل في التنمية الاقتصادية والرخاء، وعلى ضرورة التوصل لاتفاق يحفظ حقوقا عادلة لكل الدول”.

وذكرت مصادر دبلوماسية بواشنطن للجزيرة نت أن واشنطن كانت دائما مهتمة بقضية سد النهضة، وأنها كانت تتصور أن حليفتيها، القاهرة وأديس أبابا، يمكنهما حل القضايا الفنية المتعلقة بملء وتشغيل السد عن طريق التفاوض فيما بينهما.

وكانت الولايات المتحدة قد دعت وزراء الري من دول عدة منها مصر وإثيوبيا لزيارة “سد هوفر” أكبر السدود في الولايات المتحدة، والمشاركة في ورشة عقدت في ولاية نيفادا عام 2015 بشأن تعاون الدول التي تتشارك في الأنهار، وذلك بهدف بناء الثقة بين الطرفيين وإظهار الاهتمام الأميركي بالقضية.

وتمثل الجالية الإثيوبية في الولايات المتحدة -والتي تأتي في المرتبة الثانية ضمن الجاليات الأفريقية بعد الجالية النيجيرية بما يزيد عن 400 ألف شخص- عنصرا هاما في حسابات واشنطن.

حليف قوي
وقام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد العام الماضي بزيارة الولايات المتحدة. ولم تقتصر زيارته على واشنطن، بل شملت ولايتي مينيسوتا وكاليفورنيا حيت يقيم مئات الآلاف من الإثيوبيين.

ويصف تواضروس تيرف رئيس التجمع الأمهري الأميركي، إحدى منظمات الإثيوبيين الأميركيين، قوة علاقة بلاده بواشنطن بالقول “لا توجد دولة أخرى تجمعها العلاقات القوية التي تجمعها بأميركا في أفريقيا”.

كما تعد إثيوبيا حليفا قويا لواشنطن في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وأشارت دراسة لخدمة أبحاث الكونغرس إلى أن “إثيوبيا تلعب دورا هاما في مواجهة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له في منطقة القرن الأفريقي”.

وتعتمد إثيوبيا في الترويج لموقفها في واشنطن على البعد الإنساني الذي تدعمه تقارير رسمية صادرة عن البنك الدولي، والتي تشير إلى حاجة إثيوبيا الماسة للطاقة الكهربائية.

ويقول أحد هذه التقارير إن “66% من سكان إثيوبيا يعيشون من دون كهرباء وهي من أعلى النسب في العالم”، ويتوقع أن يوفر سد النهضة 6.45 غيغاوات من الكهرباء، وهو ما سيوفر الكهرباء لملايين المواطنين الإثيوبيين.

الجزيرة

Exit mobile version