لينا يعقوب: جداد حمدوك

بعد فترة قليلة من إنقلاب البشير والحركة الإسلامية على حكومة الصادق المهدي، وإحكام القبضة على مفاصل الدولة، ظهرت مجموعة من “المطبلاتية” ترى في إدارتهم وحكمهم “قوة” وفي نهجهم “قدوة”، ازداد عددهم إلى أن وصل إلى المناطق المحظورة في “الصحافة” فزينوا أعمالهم السوداء إلى بيضاء، وصوروا المشاهد الشيطانية بأنها ملائكية..!
وأيام قبضة البشير على الشعب، بعد ثورة سبتمبر 2013، تفرع المطبلاية إلى “جداد” و”ذباب”..
والكلمتان عاميتان، تُستخدمان لوصف من يقوم بـ”التطبيل” والمدح والثناء بما ليس في الشخص، أو الإساءة والشتم والقذف على شخص أو حزب أو جهة والافتراء عليها بالباطل..

أما الكلمة الثانية “الذباب”، فكانت تُسخدم في “السوشيال” ميديا، تحديداً في (فيسبوك)، على أصحاب الحسابات الحقيقية والوهمية، الذين ينتشرون مدحاً وذماً في غير موضعه..

كانت هذه المجموعة صامدة إلى ما قبل بدء الاحتجاجات بأيام، ورغم السوء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إلا أن مجموعة “المطبلاتية” أفرزت مبادرة “شباب حول الرئيس” والتي تبنت إعادة ترشيح البشير الذي يتطلب تعديل الدستور، وأنتجت تبني ودعم أحزاب معروفة، لمبدأ إعادة ترشيحه واستمراره على كرسي الحكم الأبدي.

تلك المجموعة أوهمت المعزول، أن لا بديل له، فصدق ذلك بحسب مقربين منه، وبات يعمل على إبعاد من بإمكانه أن يكون مرشحاً ثانياً داخل حزبه..

أولئك جميعاً، الذين ظهروا منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى ما قبل أشهر، كانوا سبباً في تغييب الوعي وتزييف الحقائق.
الصحافة وإن كانت أقل بكثير من المطلوب، لكنها بعثت برسائل واضحة وأخرى بالغمز واللمز، عبر الأخبار والتقارير والتحقيقات حيناً، أو عبر مقالات الرأي حيناً آخر، وتعرضت الصحف إلى المصادرة والإيقاف، والصحافيين إلى المضايقات والاستدعاء والاعتقال.

ورغم أن الجميع فرح بانتهاء تلك الحقبة من التاريخ، وإتاحة الحريات وضمان عملها، لكنّ بعضاً من هذه الثورة يريد أن ينحو بذات النهج السابق.. “جداد حمدوك”.. الذي يجعل مجرد النقد والنصح ولفت النظر من الكبائر والسبع الموبقات، ويجعل من مجرد حمل وزير “لشنطة على ظهره” فعلاً يستحق التباهي والافتخار!
إن صحافة التطبيل والتبرير انتفت من العالم المتقدم، وما زال بقاياها معنا هنا في العالم الثالث.
إن الصحافيين الصادقين، الذي يعلمون مهنة الصحافة، لم “يُطبلوا” يوماً للحكومات السابقة، ولن يفعلوا للحكومات المقبلة.

لينا يعقوب

Exit mobile version