امين حسن عمر: آن أوان التغيير

كتبت قبل آونة فى العام ٢٠١٧ مذكرا بضرورة أن ينهض حزبنا آنذاك إلى تغيير ما بنفسه فإن من لا يغير ما بنفسه سوف تجيئه المتغيرات (التى يصنعها آخرون) إلى حيث لا يريد الذهاب . ويومئذ كتبت (إن الأمة التى لا تدرك ان التغيير سنة ماضية وأنه لن يملك احد من الناس لها تحويلا ولا تبديلا ، لأنها سنة ربانية فى الخلق وفى الاجتماع ، بل هى سبيل تجديد الحياة وإكسابها الحيوية والقدرة على الاستمرار. ونحن لو كنّا نتعلم من الحياة من حولنا كيف تتغير دوراتها من حال الى حال ، ومن وضع الى وضع ، لعلمنا ان معنى الحياة الحقيقى هو حراكها لا سكونها، فالسكون موات والحياة حراك ،وتجديد وتغيير. لو كنّا نتعلم من حركة الحياة فى أبداننا واجسامنا لعلمنا انه لولا تجدد خلاياها وانتقالها من حال الى حال ومن وضع الى وضع لكنا فى حال موت سريري . واحوال الامم كذلك فأنها ما لم تمتلك هى بنفسها زمام تغيير احوالها وتبديل أوضاعها دخلت فى حال الركود والموات . ومن لا يدرك من أهل الحماسة هؤلاء ان زماننا هو زمان التغيرات المتلاحقة والمتغيرات المتسارعة فأنه لا محالة متروك فى الخالفين ، فأن أنساق حركة الحياة لن تتباطأ لأحد ليركب ولو ظنها تفعل. ولا يزال حراك التاريخ من حولنا يجهد فى أملاء الدروس ، درسا من بعد درس لمن يظن أنه الاستثناء فى قاعدة التغيير هذه التى لا تتأخر ولا تتخلف . فكم من نظام حكم أو حاكم ظن انه يخلد بنفسه أو بحزبه أو بنسله فخيبت الحادثات أمانيه وظنونه ، وبددت أوهامه وحيرت فهومه، فإنما يخلد الزعماء عبر الحقب وتبقى ذكرى الأحزاب عبر الأزمنة ، بمنجزاتها وكسوبها لا برموزها وشخوصها.) ولكن أصحابنا يومذاك استغشوا الثياب وظنوا أن ما كنا نقول نعيب غراب . لكن التغيير اليوم يصنعه شخوص آخرون.ثلة مباركة من رجال ونساء آلو على أنفسهم أن يكونوا هم صناع التغيير الحقيقى الذى يهدى إلى الإصلاح الشامل وإلى التنمية المستدامة ، والى المستقبل الواعد بالخير العميم. لا يقعد بهم تخذيل من يخذلون ولا تقاعس من يتقاعسون ، ولا تصايح من يتصايحون ، بل يمضون بنظر سديد وعزم أكيد إلى مقاصد تتبدى لهم فى الأفق بادية غير خافية . إن مقصد التغيير الحقيقى لا يتوقف مفهومه عند تغيير رئيس حاكم أو حزب حاكم أو نظام حاكم وإنما هو تغيير شامل لنظام السياسة المعطوب كله من الرأس إلى أخمص القدمين . وعطبه بلغ به إلى مبلغ لا يجدى فيه تغيير الأجزاء . وإنما سبيله إلى إستبداله إلى نظام بديل لا يكون مثله وليس هو له بشبيه. إن المطلوب فى الواقع الراهن ليس إنشاء حزب ، ولكن إبتدارحركة تغيير تقود البلاد إلى مستقبل لا يشابه ماكان عليه معتاد الأمور. فالأمور السياسية سارت فى بلادنا كما يسير حال أمرأة عميت على مشاهد محدودة من الماضى الدابر، فهى لا تذكر إلا تلكم المشاهد الفقيرة الحقيرة ، وكل ماتريده فى حاضرها ومستقبلها هو قياس مطابقة على تلكم المشاهد البئيسة . فالسياسة فى بلادنا وقفت على أبواب الأربعينيات وأصغرها عمرا جلس القرفصاء على أبواب الستينيات. وهى تعيش حالة إفلاس مدقع من رأسمال الأفكار وفاقة كئيبة محزنة من رصيد القيادات. ونظامها صار مثل الثوب القديم المهترىء المرقع الذى ما بات يحتمل أن تُشد أطرافه ليُعاد حياكتها ، فلم يبق إلا البحث عن ثوب متين جديد. وأسن أحزاب السياسة السودانية هوحزب الأمة وهو أكبرها عمرا ، وقد لايعلم الجيل الجديد أنه حزب نشأ على فكرة تحمس له أحد طرفى الحكم الثنائى وهم البريطانيون، وهى فكرة أن يكون السودان للسودانيين ثم يصبح السودان من بعد ذلك عضوا فى الكومونولث وتجىء الفكرة خلافا لدعوة التيار الإتحادى الذى ضم مجموعات متعددة كانت تدعو إلى وحدة وادى النيل تحت التاج المصرى . وحزب الأمة هو تقليد ومحاكاة سودانية لحزب الأمة المصرى الذى أنشأه لطفى السيد الذى يسمى فى مصر أستاذ الجيل .وكان يدعو أن تكون مصر للمصريين وأن ترتبط ببريطانيا ، وألا ترتبط بالمشرق الذى تقوده الإستانة . وهو لايريد الوحدة العربية الإسلامية التى كان يدعو لها زعيم آخرهو مصطفى كامل الذى أنشأ حزب الإتحاد والترقى ، والذى هوالآخر القدوة االمتبعة للحزب السودانى الآخر الذى تشكل من المجموعات الإتحادية والتى دعت إلى وحدة وادى النيل ، لتكون بداية لوحدة أكبر وأعظم . فهذه أكبر أحزابنا نشأت على خلاف حول مصير البلاد بعد الإستقلال فماذا بقى من تلكم الأفكار. ماذا بقى لحزب الأمة من فكرة السودان للسودانيين ؟ و بعدما صار لهم ماذا به فعلوا؟ وماذا بقى للإتحاديين من فكرة الوحدة مع مصر؟ وهل تبقى من تلكم الأشواق من شىء ؟ بل هل نجح حزب الأمة فى جمع الأنصارفى حزب واحد بله من جمع كل السودانيين ؟ وهل حقق الحزب الإتحادى وحدة أجزائه بله من توحيد السودان مع مصر؟ وهل رُوجعت هذه الأفكار أو جُدد فيها النظر والتنظير . ولا نتحدث عن الإنقسامات الأمبيية لتلكم الأحزاب فالشاهد المشاهد لا يُحدث بما رأى . وأما الحزب الشيوعى فقد أنشاه رجل ثورى صهيونى من أصل يهودى هو الفرنسى هنرى كورييل وهو الذى أنشأفى مصرالحزب الشيوعى المصرى ، وهو المؤسس لحزبى حدتو الشيوعى المصرى وحسدتو الشيوعى السودانى .وهى إختصارات لحركتى التحرير الوطنى فى مصر والسودان.وماذا بقى من الشيوعية أو الماركسية فى السودان ؟ ولئن شهد ت كل الأحزاب الشيوعية فى العالم شاملا الصين وأخيرا روسيا مراجعات جوهرية لتعيد مواءمة أطروحاتها مع تحولات العصر فهل فعل الحزب الشيوعى العجوز الهرم قيادة وفكرا فى السودان شيئا من ذلك. وأما الحزب الناصرى الذى لا ينتسب إلى فكرة سوى أفكار طوباوية عن الإشتراكية وإنما ينتسب إلى حاكم عسكرى شمولى كانت له حسنات قومية ، لكن لا يمكن أن يعد أحد من الناس حسنة واحدة له فى مجال الحكم المدنى أو الديموقراطى . وأين أنتهت إشتراكية عبد الناصر غير إلى الرأسمالية العسكرية والرأسمالية الطفيلية التى هى واقع الحال هنالك. وأما أحزاب البعث فحدث عن أحزاب البعث ولا تتحرج، فلا أحد ينسبها إلى مدنية ولا إلى ديموقراطية ولا إلى وحدة بل ولا إلى إنسانية ، وهى فشلت فى تحقيق الوحدة بين بعث العراق وبعث سوريا وأنتهت إلى تقسيم البلدين كليهما طائفيا ومناطقيا. وأما الحزيب الجمهورى فهل نحتاج أن نذكره و إنما هو مجموعة غربية الهوى تطوف حول متنبىء السودان صاحب الرسالة الثانية الملاءمة لإسلام تريده أمريكا وإسرائيل ، ولا يريده أهل السودان. وأما المؤتمر الوطنى الذى نشأ على فكرة أرادات أن تتجاوز كل ذلك التاريخ الحزين، وألتف حوله وحولها شباب صادق بذلوا التضحيات ، وقدموا الشهداء بالألوف ثم أنتهت الفكرة إلى صراع حول السلطة ، ومشروع للسلطة يُستبقى ويُستدام بتحالفات قبلية وعشائرية ومناطقية ثم من بعد محاور أجنبية ( يراد منها الرز ولا رز ) ومهما نفخ نافخ صافرة التنبيه فلا منتبه ومهما نادى منادى الإصلاح فلا مجيب. إن شباب السودان هو أغلى ما يملكه السودان وهو أقوى طاقة يدخرها السودان ، وهوقادر أن تموضع موضع القيادة أن يغير كل هذا الحال المائل الآيل إلى سقوط وشيك ، وهو راغب وقادر على إصلاح الشأن كله وإنهاض البلاد كلها وتنميتها وقيادتها إلى عصر جديد ومستقبل واعد زاهر ، وأهل السودان قمينون بذلك فهم أهل خير وفضل و يستحقون أكثر مما نالهم من خير وأقل مما نالهم من شر .والله هو القادر على تغييرذلك كله ، لكنما شرط الله معلوم، شرط الله معلوم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).

أمين حسن عمر

Exit mobile version