في أول يوم عمل لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي الدكتور إبراهيم أحمد البدوي أعلن فيه عن «برنامج إسعافي» لتحقيق نقلة نوعية في إدارة اقتصاد البلاد مدته 200 يوم، لا يتضمن البرنامج الإسعافي رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية، القمح والوقود، والإبقاء عليه لأهميته في الوقت الراهن، مع السعي ليكون دعماً فعالاً وذكياً لتقليل الآثار المترتبة على توازنات الاقتصاد الكلي، أعادت الطمأنينة للمواطنين الذين تخوفوا من قرار رفع الدعم في ظل غلاء المعيشة، بيد أن وكيل الوزارة ميرغني حسن اتجه إلى خلاف ذلك ليغرد خارج سرب الوزارة الذي انتهجته في أولى مهامها، ففي اجتماع وزارة الصناعة الأخير الذي ضم جميع الجهات صرح بعدم مقدرة وزارة المالية على الاستمرار في دعم السلع، مستثنياً سلعة الخبز الذي توعد بمراجعتها لاحقاً لإيجاد البديل وتقويم الدعم وتفعيله عبر دراسة متأنية حتى لا يتأثر المواطن، واعتبر استمرار الدعم تشويها اقتصادياً وفساداً وسوء إدارة، حديث الوكيل ترك الباب موارباً أمام رفع الدعم الذي يبدو أنه وشيك.
ويرى الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين والمحلل الاقتصادي د.محمد الناير في حديثه لـ(الصيحة) في حديث وكيل المالية تضارباً في تصريحاته مع تصريح الوزير في حين أن المرحلة تتطلب توحيد الخطاب الإعلامي الاقتصادي حتى يستطيع المواطن أن يعرف اتجاهات الدولة من خلال الخطط والبرامج في الفترة القادمة، وقال إن وزير المالية أكد أن قضية رفع الدعم سيتم النظر فيها في يوليو للعام 2020م بعد أن تتم ترتيبات محددة للاستقرار الاقتصادي وتحسين مستوى الدخل للعاملين، وأضاف أن تصريح الوكيل جاء مغايراً تماماً لتصريحات الوزير، مبيناً أن الدولة لا تدعم شيئاً سوى الخبز والمحروقات وقليل من دولار الدواء الذي تفوق أسعاره حالياً طاقة المواطن العاجز عن العلاج، فالدولة لا تدعم الدواء بالشكل المطلوب، ولافتاً إلى أن الدعم جاء نتيجة لانهيار قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وعزا ذلك الى أخطاء فادحة في السياسات الاقتصادية للنظام السابق فالمواطن لم يكن سبباً فيها، وانتقد سياسة أن يحمل المواطن فاتورة أخطاء تراكمية سياسة الاقتصاد السابق.
ويقترح الناير عدة ترتيبات على الحكومة تطبيقها قبل رفع الدعم متمثلة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي أولاً المتمثل في استقرار سعر الصرف للقيمة الحقيقة للجنيه وخفض معدلات التضخم وتحسين شروط الخدمة للعاملين في القطاع العام ثم عقب ذلك تتم دراسة حجم الدعم الفعلي يعد تحديد القيمة الحقيقية للجنيه، وشدد على ضرورة النظر في حديث وكيل الوزارة.
فيما يخالفه الرأي الخبير الاقتصادي د.عادل عبد المنعم يتفق مع وزارة لمالية بضرورة رفع الدعم عن سلعتي الوقود والخبز،وقال لـ(الصيحة) أن الإيقاع الإقتصادي لحكومة حمدوك ضيق للغاية ولا يتناسب مع الوضع الإقتصادي للبلاد، وأضاف إن لم تسارع الحكومة الانتقالية في رفع الدعم عن الوقود والخبز سوف يترتب على ذلك المزيد من الانهيار للجنيه السوداني وارتفاع معدلات التضخم وعودة مشكلات السيولة من جديد، مشيراً إلى وجود علاقة طردية بين التضخم والسيولة فعندما تنخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار يلجأ المواطنون إلى سحب أرصدتهم من البنوك وتحويلها إلى أصول ثابتة، لافتًا إلى أن سعر الجالون من الوقود عالمياً بواقع٤ دولارات أي ما يعادل ٢١٠جنيه بالعملة المحلية، وحالياً يباع بـ ٢٨ جنيهاً، معتبراً ذلك بالخلل الاقتصادي الكبير، وطالب بتخفيض قيمة الدعم إلى 50% على أقل تقدير.
وفيما يتعلق بالخبز أبان أنه يباع بسعر ضئيل للغاية مستنكرًا أن تكون قطعة الخبز بجنيه ورطل اللبن يباع بـ 25جنيها، مؤكداً أن انخفاض قيمة الخبز والوقود ليس له قيمة اقتصادية وأدت هذه السياسة التي ظلت سائدة منذ عهد النظام السابق الى اختلال ارتفعت فيه معدلات التضخم الذي وصل إلى٢٠٠ في المائة في عام ونصف مما أدى الى تلآكل وانخفاض القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة تفوق ثمانين في المائة، مشدداً على وضع سياسات سريعة للغاية تعمل على رفع الدعم من الخبز والوقود وترشيد الاستيراد بقفل باب استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية لتقليل استخدامات الدولار والمحافظة على القوة الشرائية للجنيه السوداني أمام الدولار.
الصيحة