هل ستتحول محاكمة الشيخ عبد الحي يوسف الى محاكمة للفكر الجمهوري؟!

هذه مقاربة قانونية تدعي التجرد والحياد وتستنبأ مهنيا ما قد تسفر عنه محاكمة الشيخ عبد الحي يوسف في البلاغ الذي ورد ان الوزيرة آلاء البوشي قد قامت بفتحه في مواجهته ، وقد ارفق مع بيان السيدة الوزيرة نسخة مما قيل انه عريضة البلاغ.

طالما نشرت العريضة في الوسائط فهي بالتالي ودونما أية حرج عرضة للمؤاخذة و النقد ، وهي في تقديرنا عريضة معيبة ولا يصدق عليها من اساسه وصف العريضة لان العريضة في جوهرها عبارة عن سرد لوقائع ينسب وقوعها من المشكو ضده وتشكل مخالفة لقانون عقابي.

فبدون سرد الوقائع المنسوبة للمتهم لن يتمكن وكيل النيابة من تحديد مادة المخالفة وبالتالي لن يستطيع فتح البلاغ.
شرط سرد وبيان الوقائع هذا كان معلوما لكتبة العرائض – في عهدهم- ولذلك كانوا يجيدونه ويبرعون فيه حتي قيل ان احد المتقاضين حين قرأ عليه أحد كتاب العرائض هؤلاء ما دونه له في العريضة بكى المتقاضي وقال للكاتب ( بالله انا كنت مظلوم قدر ده وما عارف؟)

ولتقريب أكثر لفهم ضرورة والزامية بيان وتوضيح الوقائع في العريضة اذا افترضنا انك سلمت زيد من الناس مبلغ الف جنيه لتوصيلها لابنك الطالب في الجامعة ، ولكنه لم يقم بتسليم المبلغ وبعد شهر قابلته فانكر انه استلم منك اي مبلغ.

فاذا قررت ان تفتح بلاغ لتسترد مبلغ الالف جنيه خاصتك فانك وبطبيعة لن تبتدر كلامك لوكيل النيابة بذكر ان زيد قد خالف نصوص من القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تنهي عن خيانة الامانة ، كما انك لن تستشهد بمخالفة فعل المذكور للدستور والمعاهدات الدولية وتغفل تماما الوقائع كما فعلت العريضة موضع هذا النظر.

وكل الذي ستفعله انك ستروي ما حدث من زيد هذا في انه بتاريخ…. بمدينة نيالا سلمت زيد مبلغ الف جنيه بمستند وامام شهود وطلبت منه تسليم المبلغ لابنك الطالب في الخرطوم فلم يسلمه المبلغ وانك قابلت زيد بعد شهر وطلبت منه رد المبلغ فجحده.

هذا هو مفهوم الوقائع التي يجب أن تتضمنها العريضة والتي تمكن وكيل النيابة من القيام بالتكييف القانوني لتحديد ما اذا كان ثمة مخالفة وقعت من المشكو ضده وفي أي قانون تندرج هذه المخالفة و تحت اي مادة ؟.

اذا تفحصنا العريضة التي قيل بتقديمها في مواجهة الشيخ عبد الحي نجدها تخلو تماما من اي وقائع بالمعنى الذي اوضحناه
وبالتالي لا يمكن على الإطلاق نسبة اي مخالفة له ولاستحالة معرفة القانون وتحديد المادة التي يمكن زعم مخالفة الشيخ المذكور لها.

هذا اذا تجاهلنا تقريع وكيل النيابة المنتظر لمقدم العريضة بان النيابة غير معنية قانونا بتلقى شكاوى انتهاك الدستور ومخالفة العهد الخاص بالحقوق المدنية. وان ادعاءات مخالفة الدستور وانتهاكه محلها المحكمة الدستورية لا النيابة العامة، مع تنبيه مقدم الطلب الى أن المخالفات التي تتصل بالدستور تقع من الدولة وأجهزتها ولا يتصور اطلاقا ان تقع من الاشخاص الطبيعة و الاعتبارية الخاصة كالمواطنين والشركات.

تتمثل مجمل الوقائع مظآن البلاغ والمحاكمة- اذا حدثت ولا اظنها ستحدث- حسب ما ورد في الفديو الذي نشر، ان الشيخ عبد الحي قد قال:

هذه(يقصد الوزيرة) لا تؤمن بالذي نؤمن به.وانما هي تابعة لرجل مقبور مرتد مغرور زعم انه صاحب الرسالة الثانية انكر الصلاة ذات الحركات المعروفة والزكاة ذات المقادير المعلومة ، زعم انه قد وصل إلى ما لم يصل اليه أحد حتى حكم علماء الإسلام في الداخل والخارج بأن هذا الرجل زنديق مرتد وقد اعدم جزاء ردته قبل نحو من 35 سنة سنة 1985 اعدم ذلك الرجل هذه المرأة التي تتولى وزارة الشباب والرياضة *امراة جمهورية تتبع ذلك المرتد المقبور لذلك لا تؤمن بالذي نؤمن به.) هذا هو غاية ما يمكن ان يدعي به على الشيخ عبد الحي.

اذا تمعنا فى الاقوال اعلاه نجد ان الشيخ عبد الحي قد اطلق أوصاف على الوزيرة في موضعين فقط:
1.أنها لاتؤمن بما نؤمن به.
2.أنها جمهورية.
ثم فسر عدم إيمانها بما نؤمن به انها تتبع رجل مقبور مرتد…الخ موردا جملة من الاوصاف وصف بها الرجل الذي ذكر ان الوزيرة تتبع له. *فهو لم ينسب الاوصاف مباشرة للوزيرة وانما نسبها للرجل الذي تتبع له(محمود محمد طه) وهذا امر جوهري

هذه الوقائع وبكيفيتها هذه اذا قدر تقديم الشيخ عبد الحي للمحاكمة بموجبها ،فإن بمقدور محاموه وضع الوزيرة آلاء البوشي وشهودها جميعا في جحر ضب اضيق من ذلك الذي وضع فيه الخبير الوطني الإعلامي ، وتحويل محاكمة الشيخ عبد الحي الى محاكمة للفكر الجمهوري. وندلل على جانب ضئيل من ذلك فيما يلي:

تبدأ اقوال الشيخ عبد الحي بقوله هذه(يقصد الوزيرة) لا تؤمن بالذي نؤمن له حول هذه العبارة يتوقع عند سماع قضية الإتهام وعند مناقشة الوزيرة وشهود اتهامها(cross-exam) ان يستدرج محامو الدفاع الوزيرة وشهودها الى نقد فكرهم الجمهوري بتوجيه أسئلة من قبيل:
س. السيدة الوزيرة هل توافقينني ان إجراءات المحاكمة هذه تقوم في جانب منها على ما قاله المتهم انك لا تؤمنين بما يؤمن به.

ج. بطبيعة الحال لن تملك الوزيرة الا ان تقول اوافقك. لانها اذا اجابت بلا اوافقك فذاك بمثابة اقرار منها بأن هذه العبارات لا تشكل جزء من وقائع الاتهام.

س.اذا كان الامر كذلك هل تؤمنين بما يؤمن به المتهم؟
اذا اجابت بلا يتفرع سؤال طيب ما انت باجابتك دي وافقت المتهم في كلامه انك لاتؤمنين بما يؤمن به فلم اقمت هذه الاجراءات؟
واذا كانت الإجابة بنعم اي تؤمن بما يؤمن به المتهم تكون السيدة الوزيرة قد ولجت العتبة الأولى من جحر الضب اذ ستتفرع جملة من اسئلة التي تقابل بين منهج اهل السنة والفكر الجمهوري من قبيل :

س.السيدة الوزيرة في إطار ما ذكرتيه انك تؤمنين بما يؤمن به المتهم هل تؤمنين بان رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسالة شاملة للأصول والفروع ولا توجد بعده رسالة ثانية؟

س. السيدة الوزيرة في إطار ما ذكرتيه بانك تؤمنين بما يؤمن به المتهم فان مما ورد من اقوال للمتهم يبين ان المتهم يؤمن بان محمود محمد طه مرتد لانه يزعم انه صاحب الرسالة الثانية هل تؤمنين بذلك؟

س. السيدة الوزيرة في إطار ما ذكرتيه بانك تؤمنين بما يؤمن به المتهم فإن المتهم يؤمن بأن الشريعة الإسلامية بكافة تفاصيلها الواردة في القرن السابع تصلح لكل زمان ومكان الى ان تقوم الساعة هل تؤمنين بذلك؟

س. السيدة الوزيرة في إطار ما ذكرتيه بانك تؤمنين بما يؤمن به المتهم فإن المتهم يؤمن بأن الحجاب واجب على المرأة المسلمة وان السفور مدعاة للفساد فهل تؤمنين بذلك؟.

وهكذا تترى الاسئلة لتشمل كل ما يخالف به الفكر الجمهوري منهج أهل السنة والجماعة.

اما ما قاله الشيخ عبد الحي عن محمود محمد طه ففيما عدا قوله انه مغرور فان بمقدوره وبمقدور محاموه استدراج السيدة الوزيرة وشهودها لموافقته على كل ما وصف به محمود محمد طه من قبيل طرح اسئلة من شاكلة:

س. السيدة الوزيرة هل توافقينني بان المتهم لم يصفك مباشرة بالكفر او الردة ولكنه ذكر انك تتبعين رجل مرتد؟

س. السيدة الوزيرة هل توافقينني ان محمود محمد طه قد اعدم بموجب حكم قضائي قضى بردته؟

س. السيدة الوزيرة هل لديك علم انه في عام 1968صدر حكم من المحكمة الشرعية امدرمان باعتبار محمود محمد طه مرتد؟

س. السيدة الوزيرة هل لديك علم انه في عام 1972 اعتبر مجمع البحوث بالأزهر ان ما يدعو إليه محمود محمد طه هو كفر بواح؟
س. السيدة الوزيرة هل لديك علم بان الرجل الذي تتبعين فكره قد أصدرت رابطة العالم الإسلامي في العام 1395هجرية قرارا بالاجماع باعتبار مرتد وطلبت معاملته بالمقتضيات الشرعية للمرتد وطلبت مصادرة كتبه؟
وهكذا دواليك تترى الأسئلة

هذا فقط في مناقشة الشاكية وشهودها واما في قضية الدفاع مما لا شك فيه أن الدفاع سيعمد الى حشد المستندات والشهود النوعيين من الداخل والخارج لمختلف المدارس الفقهية والمشارب المذهبية وربما امتد ذلك ليشمل الشيعة انفسهم تدليلا على اتصاف الفكر الجمهوري بكل ما يخطر على البال من أوصاف الزيغ والضلال.

عادل عبد الحميد ادم – المحامي –
المدعي العام العسكري الأسبق

Exit mobile version