لطالما شكا تلاميذ السودان وأهلهم من كثرة المواد الدراسية في المرحلتَين الأساسية والثانوية وعدم جدوى عدد منها، غير أنّهم لم يتمكّنوا من إحداث أيّ تبديل في ذلك الواقع. فهل يمكن أن يتغير الوضع في العهد الحالي؟
بعد نجاح الثورة في البلاد، يأمل السودانيون في تغيير واسع النطاق في المقرّرات الدراسية الخاصة بالمرحلتَين الأساسية والثانوية التي كانت طوال سنوات مصدر شكوى التلاميذ وأهاليهم.
سناء محجوب، أمّ لتلميذ في المرحلة الثانوية وتلميذة في المرحلة الأساسية، اعتادت على مساعدتهما يومياً في كتابة واجباتهما المدرسية ومراجعة الدروس حتى يحققا “نتيجة مشرّفة” في نهاية العام الدراسي. وتشتكي محجوب لـ”العربي الجديد” من صعوبة مهمّتها تلك، مشيرة إلى “كثرة المقرّرات الدراسية المفروضة عليهما من جهة ومن جهة أخرى عدم فائدة عدد كبير منها، من قبيل مواد ملبسنا وسلامتنا ومسكننا وهي أمور يدركها التلاميذ/ الأطفال في يومياتهم”. تضيف أنّ “المواد تتخطى 12 مادة في بعض الفصول، الأمر الذي ينهك التلاميذ ذهنياً وجسدياً”، لافتة إلى أنّ “ثمّة أطفال في مرحلة التعليم الأساسي لا يقوون على حمل الحقيبة المدرسية نظراً إلى ثقلها”. وتتابع محجوب أنّ “ثمّة 14 مادة مفروضة على ابني في المرحلة الثانوية، وهو لا يستطيع في يوم واحد إتمام كل واجباتها”، مشددة على أنّه “من شأن ذلك أن يؤثّر على مستوى التلاميذ سواء لجهة تحصيلهم العلمي أو نجاحهم”. وتكمل محجوب أنّه “في حين يُرهَق التلميذ بمقررات دراسية لا جدوى منها، لا يركّز المعنيون على مواد أساسية مثل اللغة الإنكليزية والرياضيات واللغة العربية والعلوم، الأمر الذي يضطر الأسر إلى الاستعانة بمدرّسين خصوصيين ويشكّل بالتالي عبئاً مالياً جديداً عليها”.
أمّا صباح أحمد وهي أمّ لثلاثة تلاميذ، فتقول لـ”العربي الجديد” من دون تردد إنّ “المقررات الدراسية عبارة عن حشو وأكبر من طاقة الأطفال وقدرتهم على الاستيعاب والفهم. وثمّة مواد لا أرى أيّ داعٍ لها”. وتطالب بـ”عودة المنهج القديم الذي يشمل اللغة العربية والرياضيات والتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا والعلوم، على أن يُرمى كلّ ما تبقّى من مواد”.
وكانت معاناة السودانيين مع المناهج التعليمية الحالية قد بدأت بعد تولّي الرئيس المعزول عمر البشير الحكم في عام 1989. فنظامه اتّخذ جملة من القرارات لتغيير المناهج على مستوى المراحل كافة، بحجّة تأصيلها إلى جانب حجج أخرى، بالإضافة إلى التغيير المستمر فيها من دون أسباب مقنعة.
وفاء عروة، مدرّسة لغة عربية، تقول لـ”العربي الجديد” إنّ “كلّ المناهج التي وُضعت في السنوات الماضية تقوم على التلقين والحفظ ولا تعطي التلميذ أيّ فرصة لتنمية مهارته الذاتية”، مؤكدة أنّها “لم تواكب التطوّر العلمي وتطوّر وسائل البحث التي أنتجها التطوّر التكنولوجي”. تضيف عروة أنّ “المناهج الحالية لا تعطي المدرّس أيّ فرصة لاختيار الطريقة التي يقدّم بها حصصه اليومية، بما يضمن وصول المعلومة إلى التلميذ عبر وسائل حديثة، مع الأخذ في الاعتبار التجارب والاختبارات العملية”، مشيرة إلى أنّ “همّ المدرّس صار ينحصر فقط في إكمال مقرّره قبل نهاية العام الدراسي”. وتتابع عروة أنّ “الخطوط المستخدمة في الكتب لا تتضمّن أيّ قدر من الجاذبية، فيما التصميم مخصص لأشخاص ليسوا في سنّ الطفولة”. وتشدّد على “ضرورة إعداد مراجعة شاملة لكلّ المناهج بواسطة اختصاصيين في مجال التعليم والتربية، على أن يكون الهدف النهائي تخريج تلاميذ يدركون العلوم التي درسوها من دون أن يحفظوا فقط ما درسوه”، لافتة إلى أنّ “الواقع في السودان هو نفسه في البلدان العربية بمعظمها”.
من جهته، يستعيد الخبير التربوي حسين الخليفة طريقة إعداد المناهج ما قبل نظام البشير، من خلال الاعتماد على معهد التربية في جامعة بخت الرضا، علماً أنّه أنشئ في عام 1934 ويُعنى كذلك بإعداد المدرّسين وتدريبهم وتأهيلهم. ويوضح الخليفة لـ”العربي الجديد” أنّ “المعهد كان يشكّل لجان متخصصة لإعداد أيّ منهج للمدارس، على أن يرتكز كل واحد من المناهج على شرط رئيسي وهو أن يتلاءم مع كل البيئات السودانية بتعدّدها الجغرافي والعرقي والثقافي، مع تجريب كلّ مقرر دراسي لمدّة لا تقلّ عن عامَين اثنَين قبل إلزام المدراس بالعمل به”. يضيف الخليفة أنّ “نظام البشير عمد إلى إعداد مناهج تخدم توجّهه الأيديولوجي مع استبعاد كلّ مادة من شأنها أن تهدّد عرشه، حتى ولو كانت من باب التثقيف والتوعية حول الحقوق بما في ذلك المناهج الخاصة بالتربية الوطنية. كذلك، أدخل مواد كالتربية العسكرية أثبتت عدم جدواها”. ويشير إلى أنّ “النظام السابق ألغى إعداد المناهج في جامعة بخت الرضا وكلّف أشخاصاً غير ذي كفاءة لإعداد مواد من خارج نطاق تخصصاتهم، فيما خلت المناهج في أيّ مواد ذات طبيعية تثقيفية”. ويتابع الخليفة أنّ “مادة التاريخ راح تتناول شخصيات غريبة عن السودان، متجاهلة أخرى وطنية”، مشدداً على أنّ أيّ “تغيير في المناهج بعد نجاح الثورة يفرض في الوقت ذاته إجراء تغيير على السلم التعليمي الذي استحدثه نظام البشير”.
في السياق، تقول قمرية عمر القيادية في لجنة المعلّمين الموالية لتجمّع المهنيين السودانيين، دينامو الثورة السودانية، لـ”العربي الجديد”، إنّ “سلبيات المنهج الدراسي في نظام البشير تمتدّ إلى رياض الأطفال، ففيها يُلقَّن الصغار أنّ الذين حملوا السلاح في وجه الحكومة هم كفّار وهالكين، بالإضافة إلى امتلاء المنهج بمعطيات عنصرية وتدفع إلى تهميش فئات مجتمعية إلى جانب التمييز في حقّ المرأة. فالمناهج تصوّرها كخادمة في المنزل عليها تجهيز الأكل والشرب مع الحرص على نظافة المنزل”. وتشير عمر إلى أنّه “في وقت غير بعيد، كادت عملية إعادة طباعة كتاب خاص بمادة التاريخ أن تتسبب في معركة دموية بين قبيلتَين في شرق البلاد، إذ إنّه يتضمّن درساً حول وجود مملكة لقبيلة بعينها في مناطق تكثر فيها القبائل”. وتتابع أنّ “الحادثة أكّدت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الذين تسلّموا أمر التعليم غير مؤهّلين لذلك وغير مبدعين ويفتقرون إلى الفكر والوعي والثقافة”، لافتة إلى أنّ “ذلك لم يحدث في المجال الأكاديمي فقط بل في التعليم الحرفي الذي واجه مشكلات جعلت وزارة التعليم العالي تحرم التلاميذ من الالتحاق بالجامعات نظراً إلى ضعف المنهج”.
وتوضح عمر أنّ “لجنة المعلّمين تعمل مع قوى إعلان الحرية والتغيير ومع الحكومة الجديدة لإعداد مناهج دراسية بواسطة خبراء ومتخصصين في المجال تضمن تلبية الحاجة الأساسية للتلاميذ في المعرفة والإدراك، تماماً كما كانت الحال قبل مجيء استلام حزب المؤتمر الوطني الحكم قبل ثلاثين عاماً”.
العربي الجديد