ظهر محمد علي في 2 سبتمبر (2019). كانت خطته، المعلنة، فضح ممارسات عبدالفتاح السيسي، قبل أن يمر على ظهوره عشرة أيام، كان كثيرون في العالم يتحدثون عنه. عقد السيسي مؤتمرا طارئا للرد عليه، لم ينكر ما ورد في فيديوهاته، بل اعترف وبرّر على طريقته، ولم يقنع أحدا. دعا محمد علي المصريين إلى النزول. نزل ناس أول جمعة، بحذر وترقب، هتفوا ضد السيسي، وطالبوا برحيله، من استاد القاهرة إلى ميدان التحرير. كانت صفعةً، صدمةً، مفاجأة للجميع. نجح محمد علي. في الجمعة التي تليها، كان النظام، وحده، يعلم أن الناس سينزلون بالملايين، أغلق البلد بأكملها، في مشهدٍ لم يره أحد من المصريين من قبل، نقلت “غوغل ماب” صورة لوسط القاهرة وكأنها تحصيناتٍ لحرب، فهل هذا نجاح لمحمد علي، وللحالة التي صنعها، أم فشل؟
هل تذكر بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية مقابل ملياري دولار؟ تظاهر المصريون وقتها اعتراضا. مشاعرهم متأججة، دوافعهم وطنية. الحق واضح، والباطل واضح. مشهد طهراني بامتياز، كما نحب ونرضى. نجحت المظاهرة، وامتلأ الميدان، جاءت الشرطة لتتفاوض، في هدوء وثقة، مع المحامي والناشط الحقوقي، خالد علي، في انصراف الناس، وانصرفوا. كان خالد “السياسي” واعيا بأن امتلاء الميدان ليس معناه النجاح. كذلك عدم امتلائه في جمعة محمد علي الماضية لم يكن فشلا.
يرى بعضهم أن محمد علي ليس معه أحد، فالتفكير التآمري مرفوض، من حيث المبدأ، ويتعارض مع التحليل النخبوي “الشيك”. لا أميل إلى إطلاق المؤامرة، واستمرائها، لكنني لا أنكر وجودها، خصوصا إذا توفرت أماراتها. طريقة محمد علي في الشغل ليست عفوية، ولا ارتجالية، كما يبدو، لعينٍ غير مدرّبة. كل كلمة تعرف طريقها، كل سكنة، التركيز على بيع الأرض، تيران وصنافير، المقارنة مع أوروبا، وكرامة مواطنيها، الكلام بالمعلومة، لا بالصراخ والهجايص، اللغة الشعبية، الشعبوية، السهلة، القريبة، فتحة القميص، وعلبة السجائر، نموذج البطل الشعبي، ابن البلد، تعمّد تقزيم السيسي، الإشارة إلى قِصر قامته، ومياصته التي لا تتناسب مع ضابط جيش، التركيز على فساد العائلة التي تحيل إلى حسني مبارك وعائلته، محمود السيسي، والسيدة انتصار، البذخ والترف، والقصور، والاستراحات، وغيرها من أطنان الفساد.. لا يمكن لمحمد علي، المقاول، ذي التعليم المتوسط، أن يفعل ذلك وحده، كما لا يمكن لطرفٍ خارجي أن يمتلك كل هذه المعلومات عن الداخل المصري.
إذن أين هم؟ لماذا لم يظهروا؟ لماذا لم يدعموا في جمعة الخلاص، لماذا فشلوا؟ أسئلة سهلة تحاول استجواب مشهدٍ معقد، وحكم متسرّع بالفشل على حراكٍ نجح في تغيير الصورة، وتحفيز الشارع. رسائل محمد علي التي تتمثل في فيديوهاته، ورسائل النظام التي تتمثل في تحصيناته ومؤتمراته، وإعلامه الذي يتوسّل إلى الناس ألا ينزلوا، كلها تشير إلى الآتي: ثمّة صراع يدور، لا شك. ولا يزال السيسي الطرف الأقوى. المسافة بينه وبين خصومه ليست بعيدة. هؤلاء يحاولون الاستقواء بالناس، ليحسموا. تجربة النزول الأولى لم تحقق أغراضها، السيسي نجح في تعطيل النزول الثاني، المعركة لم تزل قائمة، فما دورنا؟
الإجابة شديدة التعقيد. ولكن تعالوا نتفق على الآتي: لم تنجح ثورة يناير في إزاحة مبارك بالناس وحدهم، توفرت المصالح المشتركة التي جعلت من قيادات الجيش طرفا مع الناس، وضد مبارك. نرفض الاعتراف بذلك، خشية تلويث ثوب الثورة الأبيض، المتخيّل، والخصم من طهرانيتها، ولكن هذا ما حدث، وهذا ما سيحدث إذا أردنا إزاحة هذا الكابوس. لن يذهب السيسي ليأتي الرئيس الحلم، أو الدولة الحلم، لا كما نتمنّى، ولا حتى كما يبشرنا محمد علي. سيذهب الأكثر قبحا ليأتي الأقل. سيذهب الأكثر هوسا وجنونا، ليأتي، بالضرورة، الأكثر تسييسا. نحن نحاول من أجل آلاف المعتقلين، ومثلهم معهم في المنافي، وفوق ذلك ترفٌ، لا تحتمله اللحظة. إذا اتفقنا على ما سبق، يصبح اختيار موقعنا وتحديد دورنا أسهل، وما زال “الجيم” مفتوحا، كما يقول “الممثل”.
محمد طلبة رضوان ـ العربي الجديد