امين حسن عمر: إنقاذ الفيل أم إصطياده وترويضه؟

يتعجب البعض هذه الأيام من سرعة تصديق جمهور ليس بالقليل لشائعات ودعايات تبدو سذاجتها إلى درجة البلاهة أحيانا ولكنها لا تعدم من يصدق. وأما دراسو سنن الإجتماع البشرى وبخاصة فى أوقات الأزمات الإجتماعية والغضب والذعر العام فيجدون تفسيرا علميا لهذه الظاهرة المحيرة .ولعل أهم من قدم تفسيرا لهذه الظاهرة هو عالم الإجتماع الفرنسى غوستاف لوبون فى كتابه الموسوم ( سيكولوجية الجماهير) والجمهور المذكور هنا لا يعنى به الشعب وإنما التجمعات الأهلية أو الفئوية التى تلتئم بداعى الخوف أو الغضب .وبخاصة فى أوقات الثورات أو الكوارث العامة. ولوبون يذكر الخصائص العامة للجمهور والتى تجعله قابلا للتوهيم وتحمله على مسايرة القيادات وأبرز هذه الخصائص سرعة الإنفعال والتأثر والتعصب واللاوعى فى الإستجابة لدعوات التحرك. وهذا الضرب من الجمهور وفقا لغوستاف لوبون بطىء فى التفكير المتعقل فاقد للعقل النقدى مما يؤدى إلى إنجذابه للتفسيرات السحرية أو المبسطة أو الأقاويل الساذجة غير المنطقية وبذلك يقع ضحية للتوهيم والخديعة على نمط الطريقة التى يجرى به إصطياد الفيل وترويضه وذلك أن الصيادين لايتمكنون من صيد الفيل الضخم الشرس إلا بحفر حفرة ثم تغطيتها ليقع فيها الفيل ولكن يبقى أمام الصيادين سؤال كيفية إخراج الفيل الضخم من الحفرة وكيفية إسلاس قياده وترويضه حتى لا يبطش بهم و كى ما يتمكنون من إخراجه وفرض إرادتهم عليه لتسخيره فى الأعمال التى جرى إصطياده لإنجازها .وطريقة الترويض تقوم على الخديعة والتوهيم بإيهام الفيل أن فريقا من الأشرار هم من أوقعوا به وهم من يستغلونه ويعذبونه ويهددون حياته. وحيلتهم لتحقيق هذا التوهيم أنهم ينقسمون إلى قسمين
قسمٌ بلباسٍ أحمر
وآخرُ بلونٍ أزرق
وذلك لتمكين الفيل من تمييز الفريقين ذوى اللون الأحمر والآخرين ذوى اللون الأزرق
ثم يأتى الصيادون الزرق فيضربون الفيل بالعصي ضربا مبرحا ويُعذّبونه وهو غاضبٌ هائج ولكنه لا يستطيع حراكا فى حفرته ثم يأتي الصيادون الحمر، فيطردون الزرق ويربتون ويمسحون على الفيل ويطعمونهُ ويسقونهُ ولكنهم لا يُخرجونهُ من الحفرة ثم يذهبون ليأتى الزرق فيواصلون التعذيب وتتكرّر تلكم العملية وفي كلّ مرّةٍ يزيدُ الصياد االشرّيرالأزرق من مُدّة الضرب والعذاب ويأتي الصياد الأحمر (الطيّب) ليطرد الشرّير ويُطعم الفيل ويمضي وفى هذا الإبان تعترى الفيل مشاعر قوية من الغضب والكراهية للزرق ومشاعر من تمنى مجىء الحمر لإنقاذه حتى يبدأ الفيل يشعر بمودّةٍ كبيرةٍ نحو الصياد (الطيّب) الأحمر، وينتظرهُ في كلّ يوم ليُخلّصهُ من الصيّاد الشريك (الشرّير) الأزرق. وعندما يسلس الفيل قياده للصياد الطيب يختفى الصياد الشرير ثم يجىء الصياد الأحمر ( الطيّب) لمساعدة الفيل الضخم، ويُخرجهُ من حفرته فيخرج الفيل من الحفرة، وهو كامل الخضوع والإذعان للصياد الماكر الأحمر (الطيّب) فيمضي معهُ حيث يشاء فيسخره فيما يشاء. وبالطبع فإن الفيل ليس له عقل منطقى فلا يخطر في ذهنه أنّ هذا الصياد ( الطيّب) بما أنّهُ كان يسعه أن يخرجه فلماذا تركهُ كلّ تلكم المدة يتعرّضُ لذلك العذاب والنكال …ولماذا لم يُنقذهُ من أوّل يومٍ فيُخرجهُ؟ ولماذا كان يكتفي بطرد الأشرار وحسب؟ ولكن ليس الفيل وحده من يفتقر للتفكير المنطقى فالجمهرة التى تصدق أن الفريق الأزرق هم الأشرار هى الأخرى فى غيبوبة الغضب أوالخوف أو الرغبة فى خلاص لا يحققه إلا العقل الواعى والفكر القاصد الرشيد.

أمين حسن عمر

Exit mobile version