مصر دولة عظيمة بكل المقاييس ، والشعب المصري عظيم بكل المعايير ، والتاريخ المصري مليئ بالرجال العظام ، ولكن هناك حفنة من الرجال ، ومن وراءهم قوى سياسية داخلية وإقليمية ودولية يحاولون دوما تحجيم الدور المصري ، والسبب هو أن مصر ليست دولة عادية موجودة فى الخريطة السياسية بشكل عادي .
ليست مصر دولة وظيفية تم صناعتها من خلال التاريخ الحديث ، فالدولة المصرية موجودة فى العمق ، ولها تاريخ طويل ، وهي كتركيا ، أو إيران ، وليست دولة عائلية تكونت من خلال الحقبة الإستعمارية ، كما أنها ليست دولة خارجة من الصحراء بسبب النفظ ، أو الغاز ، هي دولة ذكرت فى كتاب الله ، وذكرت كذلك فى الكتب السماوية ، والدولة تراث ثقافي بهذا المعنى ، وليست هبة من الإستعمار فى الذهنية المصرية .
إن مشكلة مصر تكمن فى الجغرافيا السياسية ، لأنها تجاور فلسطين ، وبهذا المنطق ، يتم التفكير غربيا بأن مصر يجب أن تكون مخطوفة ، أو محروقة ، والخطف يتم دوما عسكريا ، والحرق يكون دوما دينيا ، ولهذا فإن لم يقبل الشعب المصري الإستبداد العسكري ، فإن البديل يكون فوضى وصراعات دينية لها أول ، ولكن لا آخر لها .
لقد عانى الشعب المصري فى العصر الحديث الإستبداد السياسي ، ولكن هذا الإستبداد كان ، وما زال عسكريا ، فالشعب المصري بفطرته يحب الجيش ، ويرغب آن يرى إنتصارات الجيش فى الميادين العسكرية ، ولكن بعض رحال الجيش المسيسين يستغلون هذا الحب الفطري ، فيصنعون لأنفسهم هالة سياسية غير حقيقية ، فيضخمون أنفسهم ، ويهونون الدور المدني للشعب المصري ( الناصر سابقا ، والسيسي لاحقا ) ، ومن هنا رأينا الحكم العسكري فى أكثر من نصف قرن ، ولَم يتنعم الشعب المصري حكما مدنيا إلا عاما واحدا حين فاز الرئيس المصري السابق الدكتور مرسي رحمه الله ، ولَم يبق فى الكرسي إلا قليلا ، وعاد الجيش ، ولكن هذه المرة من خلال ممثل لا يحلم سوى البقاء فى الكرسي ، ويحاول إهانة
الشعب المصري ، وإذلاله ، بل واستطاع أن يجعل مصر العظيمة أضحوكة العالم .
جثة سليمان فى مهب الريح .
……………………………………
لقد ظهر فى الإعلام رجل واحد اسمه محمد على ، وهو ممثل وفنان ، وكذلك مقاول عمل مع الجيش المصري ، ولديه أسرار خطيرة ، وكبيرة ، ومهمة ، وعنده معلومات دقيقة عن الفساد السياسي والمالي ، وعنده أيضا أخبار موثقة من السيسي وماله الفاسد ، ومن استغلاله اللامعقول للجيش ماليا ، فخرج من مصر فى لحظة غفلة من النظام ، وقرر أن يواجه الفساد السياسي بلغة الأرقام ، ولكن الرجل فيما يبدو ليس وحيدا فى صراعه مع النظام ، بل وراءه ضباط من رجال الجيش والشرطة ، ولهذا فهو حين يواجه النظام العنيد يبدو أنه واثق من نفسه بأن لحظة الإنهيار للنظام قربت ، أو تكاد تكون قريبا كلمح البصر ، والغربب أن السيسي ذاته يصدق بأن أيامه معدودة ، ولهذا توثق الأخبار بأنه هرب إلى مكان ما مع قيادات الجيش والشرطة ، وتؤكد بعض المواقع الصحفية الأمريكية بأن السيسي يواجه حالة غير مسبوقة أمنيا ، وبدأ الشارع يسخن من جديد ، ولهذا فهو يواجه المقاول محمد على بجيش من الإعلاميين المرتزقة ، والفنانين الذين فقدوا البوصلة ، بل وحاول السيسي أن يجيب عن بعض استفساراته فى بناء قصور رئاسية جديدة ، وصادق كلام المقاول محمد على ، ولهذا وجدت أن السيسي الذى استطاع أن يقهر الجيش المصري مؤقتا ، والشعب المصري ، والنخب المصرية كجثة سليمان ، واليوم بدأ الجميع يعرف ذلك بسهولة ، فالرجل ليس أسطورة ، بل هو جثة هامدة ، يحترف التمثيلية بشكل مذهل ، يستطيم أن يبكي ، أو أن يتباكى أمام الجمهور ، فقد صنع لنفسه دورا تمثيليا كمتدين ، وأظهر زبيبة سوداء فى وجهه حتى يقتنع الشعب المصري ، والرئيس المصري السابق الدكتور مرسي بأنه متدين ، واليوم نجح فى إزالتها حتى يقتنع المجتمع الدولي بأنه غير متدين ، من يستطيع أن يلعب الدورين معا سوى الممثلين ؟
إن الفنان المقاول محمد على يمثل مسمارا خطيرا فى جسد النظام المتهالك ( الجثة المنهارة ) ، ولكن متى سيسقط هذا النظام ؟ هذا يحتاج إلى عوامل عدة ، ولكن كما ذكر الدكتور حسن نافعة بأن الزمن المتبقى للسيسي ليست كثيرة ، فهو يلعب فى الزمن المتبقى من اللعبة ، وليس فى الزمن المحدد للعبة ، لقد انتهت اللعبة مع الشعب المصري العظيم ، ومع الدولة المصرية العملاقة ، فقريبا سوف يستعيد الشعب المصري سيادته من جديد ، فالثورات تخفت ، ولكنها لا تختفى قبل أن تصل إلى الأهداف المنشود منها .
سوف نعيش فى الأيام القادمة فى زلازل ساخنة فى منطقة الشرق الأوسط ، وسوف نرى استعادة الشعوب حيويتها ، وسنسمع قريبا النشيد الجميل ( الشعب يريد ) ، وبدأ النشيد يعود من جديد من تونس ، منبع الثورات ، فكان الشعار المفضل للفائز الأول ، والمترشح للدور الثاني ( الشعب يريد ) ، وكعادة تونس فهي ملهمة فى صناعة التاريخ ، ولهذا فنحن على موعد مع التاريخ مرة أخرى كموجة ثانية للثورة ، وهذا هو منطق التاريخ ، فالثورة لا تفوز بموجة واحدة ، ومن أراد أن يعي التاريخ فليقرأ تاريخ الثورات الناجحة فى الشرق والغرب ، ومن أهم معايير النجاح فى الموجة الثانية تراجع الثورات المضادة ، وفشل الخريف العربي الذى تم صناعته من محور الشر ، فالزلزال المصري قادم .
عبد الرحمن بشير
*كاتب جيبوتي