عقد حزب الأمة بزعامة مبارك الفاضل مؤتمره العام بقاعة الصداقة مساء أمس الأول، وسط حضور كبير من عضوية الحزب والدبلوماسيين ورؤساء الأحزاب السياسية والإعلاميين، تحت شعار: (معاً لبناء السلام وتحقيق التحول الديمقراطي). وتناول مبارك خلال المؤتمر المشاكل الاقتصادية التي تسبب فيها نظام المخلوع وبعث برسائل في بريد الحكومة الجديدة.
تحفظات
مبارك دعا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى العمل على علاج الانقسام السياسي الذي حدث نتيجة للمنهج الثنائي الذي اتبع في الاتفاق على وثائق وتشكيل أجهزة السلطة الانتقالية، مشيراً إلى أن التحديات التي ستواجهه في الإصلاح الاقتصادي وتصفية تركة الإنقاذ المثقلة لا يمكن تحقيقها دون وحدة وتكاتف الصف الوطني، لافتاً إلى أن حزبه طرح مبادرة ميثاق يوحد كل القوى التي شاركت في الثورة حول برنامج الفترة الانتقالية وتكوين المجلس التشريعي الانتقالي.
وأكد أن حزبه تواصل مع إعلان قوى الحرية والتغيير يناير الماضي بعد أن خرجوا بإعلانهم وطرح عليهم تطوير الإعلان إلى ميثاق يتضمن إعلاناً سياسياً ودستورياً وبرنامجاً للانتقال تتوحد حوله كل القوى المشاركة في الثورة، وقال: سلمناهم مقترحنا مكتوباً في يناير مع بداية الحراك، فأعلنوا موافقتهم في مؤتمر صحفي بدار الأمة لكنهم لم يتبعوا قولهم بالعمل. ونتيجة لغياب دليل سياسي ودستوري للانتقال متفق عليه بين قوى الثورة، تأخر الانتقال ودبّ الخلاف، وسالت دماء عزيزة وتدهورت الأوضاع المعيشية، إذ ظلت البلاد بدون حكومة خمسة أشهر. والآن الساحة السياسية منقسمة، إذ وقع الخلاف بين الحلفاء في الحرية والتغيير حول ملف السلام وتشكيل السلطة، الجبهة الثورية حاملة السلاح من جهة، والقوى السياسية المدنية من جهة أخرى، وتصاعد التوتر بين الذين شاركوا في الثورة من غير الموقعين على إعلان الحرية والتغيير وقوى الحرية والتغيير حول المنهج الثنائي لتشكيل السلطة الانتقالية.
مبارك قال إن حزبه لديه تحفظات على الوثيقة الدستورية وعلى المنهج الثنائي الذي تدار به السلطة الانتقالية. في ذات الأثناء قرر التعامل الإيجابي مع السلطة الانتقالية من أجل الحفاظ على مكاسب الثورة، وتأمين الانتقال إلى سودان يسوده السلام والحرية والعدالة، وأضاف: سنعمل ونبذل قصارى جهدنا لجمع الصف الوطني خلف برنامج الانتقال والإصلاح المؤسسي والاقتصادي والقانوني، وقد قرر مؤتمرنا طرح مبادرة على جميع الأطراف في الساحة السياسية لنجعل من برنامج الانتقال والإصلاح والمجلس التشريعي الانتقالي مدخلا لتوحيد الصف الوطني، مشيراً إلى أن الوثيقة الدستورية ناقصة لا مرجعية لها، فضلاً عن إغفالها جوانب كثيرة مما يجعل مواجهة قضايا أساسية ستطرأ في مسيرة الحكم، لافتاً إلى أن الوثيقة الدستورية دون مرجع دستوري تلجأ إليه أطرافها في حالة الخلاف على تفسير بنودها، وإغفالها في تحديد العلاقة بين المركز والولايات في تحديد السلطات وتوزيع الدخل القومي، بالإضافة إلى عدم ذكر لغة الدولة الرسمية ومصادر التشريع وهذا يمكن أن يجدد الصراع والجدل حول علاقة الدين بالدولة وحول الهوية، منوهاً إلى أن الوثيقة أغفلت المنهج المطلوب اتباعه في إصلاح أجهزة الدولة العدليّة من قضاء ونيابة، وأوضحت أن السودان جمهورية برلمانية بينما واقع نصوصها جاء متسقاً مع النظام المختلط، كما نصّ عليه دستور ٢٠٠٥، متسائلاً : بأي نظام ستجرى الانتخابات القادمة؟ وبأي دستور انتقالي ستحكم البلاد إلى حين صياغة وإجازة الدستور الدائم من البرلمان المنتخب القادم؟
قضية السلام
رئيس حزب الأمة قال إن تحقيق السلام يتطلب إبرام اتفاق سلام عادل وشامل يقوم على وحدة الوطن مع الحركات الحاملة للسلاح على أسس تتضمن مشاركتهم في منظومة الفترة الانتقالية بتكوين مجلس أعلى للسلام من القوى السياسية والحركات المسلحة والقوات المسلحة، موضحاً أن الأمر يتطلب إيقافاً شاملاً للحرب والعدائيات، وكفالة الإغاثات الإنسانية لمستحقيها وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين سياسياً واعتماد الحوار والتفاوض لحل النزاعات القائمة، كفالة عودة النازحين واللاجئين إلى مواطنهم والالتزام ببرامج اقتصادية واجتماعية نحو المناطق الأقل نمواً والمتأثرة بالحروب لتحقيق المساواة الجهوية والاجتماعية ومحاكمة كل منتهكي حقوق الإنسان والفاسدين ومبددي المال العام، وتعويض الضحايا مادياً ومعنوياً.
الأزمة الاقتصادية
مبارك قال إن الإنقاذ انتهجت سياسات حزبية ضيقة تتعارض مع المصالح القومية للسودان، فقامت بدعم وإيواء الحركات العقائدية المتطرفة وجعلت من السودان منصةً لتصدير نموذجها في الحكم بتصدير الإرهاب والتطرف إلى دول جوارنا العربي والإفريقي ومعاداة الدول الكبرى، مشيراً إلى أن الحل يكمن في اعتماد برنامج متوسط المدى مع الإسراع فيه هو السبيل لتقليص المعاناة ويكون محدداً وعملياً، ومرتبطاً بخطة تنفيذية وليس مجرد حشد لشعارات وأرقام غير واقعية.
وفيما يتعلق بالسياسات المالية قال مبارك: يجب خفض عجز الموازنة وترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات العامة لتقليص مؤشر عجز الموازنة، مؤكداً أهمية الدعم السلعي.
وتناول مبارك في خطابه السياسات النقدية الفاعلة، وقال إن الأمر مرهون بالإصلاحات ومعالجة التحديات المتمثلة في احترام استقلالية سياسات البنك المركزي وفق إطار الاقتصاد الكلي والتقيد بالسقف المحدد للاستدانة الحكومية المؤقتة وفق الموازنة العامة، فضلاً عن إصلاح سعر الصرف وهيكلة القطاع المصرفي، مشيراً إلى المشاكل التي تواجه الزراعة وضرورة علاجها، لافتاً إلى توصل حزبه لدراسة مع القطاع الخاص في قطاع التنمية الاقتصادية لخطة عمل مشتركة لزيادة الإنتاج والارتقاء بالصادرات من خلال الاستثمار في التقانة الحديثة بتكلفة حوالي 3 مليارات دولار على مدار ثلاث سنوات تستهدف رفع قيمة الصادرات من مليارَي دولار في السنة إلى حوالي 10 مليارات دولار سنوياً بنهاية البرنامج، داعياً الحكومة الانتقالية لوضع هذا المشروع في أولوياتها لأنه سيعالج مشكلة الفقر في المجتمع ويساهم في سد الفجوة التي بلغت في المتوسط 8 مليارات دولار في ميزان المدفوعات مما يؤدي إلى إعادة التوازن للاقتصاد السوداني.
البترول والذهب
مبارك أشار إلى انخفاض إنتاج البترول بالبلاد إلى النصف من 160 ألف برميل إلى 70 ألف برميل في اليوم – وذلك لغياب الاستثمار في تطوير الآبار وفي التنقيب وغياب التقانة المتطورة، وقال إن استخراج النفط والغاز والاستفادة منهما يحتاج إلى تقانة عالية لا تتوفر إلا في أمريكا ودول الغرب، مؤكداً ضرورة التطبيع مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب ودعوة شركاتها للاستثمار في السودان، مشيراً إلى أن نحو 80% من الذهب المنتج في السودان منتج بمبادرات ذاتية في قطاع التعدين الأهلي، وقال إن إجمالي الذهب المنتج في الفترة من عام 2011 إلى منتصف عام 2018 حوالي 555 طنا بما يساوي حوالي 22 مليار دولار وفقاً لبيانات وزارة المعادن، استطاعت الحكومة شراء وتصدير 202 طن فقط من جملة الـ555 طنا بما قيمته حوالي 8 مليارات دولار بفاقد حوالي 350 طنا بما قيمته 14 مليار دولار، ذهبت كلها في مصارف الفساد والتهريب.
وأشار الفاضل إلى المشاكل المتعلقة بالتعليم والصحة بسبب سياسات النظام البائد، وقال إن التعليم لم يواكب متطلبات الاقتصاد وسوق العمل فتفاقمت بذلك البطالة في أوساط الشباب نتيجة لذلك ونتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي، وقال إن تكلفة العلاج أصبحت باهظة، وراجت السياحة العلاجية التي قدرت تكلفتها بحوالى 500 مليون دولار يصرفها السودانيون الباحثون عن العلاج بالخارج.
السياسة الخارجية
مبارك دعا لانتهاج سياسة خارجية متوازنة ومستقلة تخدم المصالح العليا الاقتصادية والسياسية وتحقق الأمن القومي للبلاد، والعمل على إنهاء المواجهة بين السودان والمجتمع الدولي القائمة لتحقيق، وضرورة إبرام اتفاقية بين السودان ودولة جنوب السودان على أساس الاحترام الأخوي كمدخل لحل المشاكل العالقة، مؤكدا أهمية التمسك بآلية التفاوض السلمي لحل قضية أبيي، وكل المناطق الحدودية مع الجنوب، على أن يشمل ذلك التفاوض زعماء قبائل المنطقة، من أجل إنجاز استحقاقات سياسية وأمنية تتم تسويتها عبر التفاوض السلمي يضع حداً للاقتتال، وبما يرضي سكان هذه المناطق.
رئيس حزب الأمة قال إن علاقات السودان الحميمية مع بعض الدول تبدلت في عهد الإنقاذ إلى توجس ومواجهة وقطيعة بسبب الأجندة الحزبية التي سار عليها بتدريب وتمويل الجماعات المتطرفة، ودفعها لزعزعة استقرار مصر والسعودية والخليج، إلى جانب التحالف مع إيران والجماعات المتطرفة وتهريب السلاح، وتجسد ذلك في احتضان بن لادن وكارلوس وإدارة وتمويل محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا، إلى جانب الحملات الإعلامية الموجهة ضد الأسر الحاكمة في السعودية والخليج التي قادها الرائد يونس محمود من أجهزة الإعلام الرسمية، وقال إن التأييد والحماس الدافق الذي عبرت عنه مصر والسعودية ودولة الإمارات في تأييد الثورة السودانية شعور طبيعي يعبر عن حميمية العلاقة التاريخية مع الشعب السوداني، إلى جانب شعور الارتياح بزوال نظام عدائي زئبقي هدد أمنهم القومي، وشكل مدخلا لالتفاف أعدائهم من الخلف، وأضاف: العلاقة مع مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وسائر دول الخليج كانت وستظل علاقة استراتيجية تشكل ركنا مهما من أمننا القومي السوداني يجب أن نبتعد بها من الأجندة والصراعات الحزبية الضيقة، وزاد: نحن في حزب الأمة نشكر لهم ما قدموه من مساعدات مادية وعينية منذ انتصار الثورة ونتطلع لمساهماتهم في تمويل خطة الإصلاح الاقتصادي وندعوهم إلى الدخول معنا في استثمارات استراتيجية تحقق الأمن الغذائي العربي.
تقرير : وجدان طلحة
الخرطوم (صحيفة السوداني)