حدثنا بروف غندور ذات يوم قائلا .. منذ إلتزامي بالحركة الإسلامية وكلما إستشكل علينا شئ ظللنا نسمع أن (هذا الأمر جاي من فوق) فلا نملك إلا السمع والطاعة في المنشط والمكره .. وهكذا كلما تدرجنا في مدارجها كانت الإجابة هي ذاتها (هذا الأمر جاي من فوق) حتي إذا وصلت فوق (ما لقيت فوق) .. عليه أرجو إستصحاب هذه العبارة (جاي من فوق) وأنتم تقرأون هذا المقال ..
ثلاثون عاما من الصبر والمصابرة والإبتلاءات الدينية منها والدنيوية .. السياسية والإقتصادية .. العسكرية والأمنية .. التنموية والخدمية .. الإجتماعية والثقافية .. وغيرها كثير بانتصاراتها وانكساراتها وحلوها ومرها .. وهو لها فى علوها بلا فخر ولا بطر وفى إستفالها بلا قنوط ولا وجل ..
ثلاثون عاما من المعارك وفى كل الواجهات وبكل الأسلحة المحرمة دينيا والمنبوذة أخلاقيا وهو كما هو .. لم تنكسر قناته ولم يساوم علي مبادئه .. زاده فيها إيمانه بربه وثقته بإخوانه وشعبه ..
مطالب فيها بتوفير الأمن لأهل الهامش والمدن والتصدى للعملاء هنالك والغوغاء هنا .. وقد نجح بامتياز رغم قلة النصير وتطاول رعاة البعاعير ..
مطالب فيها بتشييد المدارس والجامعات والمراكز الصحية والمستشفيات وعامة الخدمات لأهل المدن والأرياف .. وقد نجح بامتياز ..
مطالب فيها برصف الطرق وتوليد وتمديد الكهرباء مع توفير المياه الصحية لأبناء المصارين البيضاء والسوداء على حد سواء .. وقد نجح بامتياز ..
مطالب فيها بتوفير الوقود والغاز والدقيق والدواء بأقل من عشر قيمتها عند منتجيها .. وقد نجح نجاحا دونه الحصول علي لبن الطير والغول والعنقاء والخل الوفي ..
مطالب فيها برفع مقام البلاد لمستوى بلاد البترو دولار والنمور الآسيوية والأسود الأوروبية لشعب يعمل ربعه فى المصانع والمزارع وثلثيه فى السمسرة فى كل شئ وكلهم سياسيون .. ومع ذلك أشاد تنمية رغم الحرب والتخذيل والحصار لم يستطيعها أحدا من السابقين ..
مطالب فيها بالصبر والإستماع ل(جعجعتنا السياسية وتقاطعاتنا الدينية وتنظيراتنا الإجتماعية و إخفاقاتنا العسكرية وتجاوزاتنا الأمنية وكوارثنا الصحية وادعاءاتنا التعليمية وتهاويمنا الرياضية وأكاذيبنا الثقافية وانتكاساتنا الإعلامية) بالسمع والطاعة والإستجابة الفورية ..
نجاحاتنا وأفراحنا لنا وحدنا .. وخيباتنا وانكساراتنا عليه وحده (ألسنا خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح) ..
مطالب فيها حتي بسجود السهو عنا والحيلولة بيننا ورقيب وعتيد ومنكر ونكير .. ويوم القيامة يحمل أوزارنا ..
هذا قدره وقدر كل رؤساء العالم الثالث .. عالم العجائب والغرائب .. عالم المتنطعين بكل شأن المتبطحين بكل باب والمتطلعين لرفاهية دول الغرب دون أن يبذلوا الأسباب ..
ظننت أن الله قد أراحه من كل ذلك بعد خيانة الحادى عشر من أبريل رغم قسوتها ومرارتها حين تكون من اؤلئك الذين رفع لهم إسما وجعلهم أعلاما يشار إليهم بالبنان (علي الطلاق وحرمانة أم أحمد قدر ما تحل) لو أن هذا الانقلاب تم بتخطيط وتنفيذ المعارضة لباركت لهم نجاحهم لكن عار الأبد (خيانة بعض إخواننا الأمنيين والعسكريين) لن تزول ولو تعلقوا باستار الكعبة ..
أما تكفيهم خيباتهم العسكرية وانكساراتهم المذلة وهو يقابل كل ذلك بالصبر الجميل والإيمان المطلق بنصر الله ولو بعد حين .. عزاؤنا أن وجوه الإنكسار لن تعرف الإنتصار والذين مردوا علي الإشارة لن يعرفوا البشارة ..
الإشارة التي جعلتهم يزجون بقائدهم والعشرات من إخواننا فى السجون بلا إتهام ولا دليل ..
الإشارة التي جعلتهم يرفضون قرار النيابة بإطلاق سراح إخوانهم لعدم ثبوت الأدلة لبعضهم ولعدم توجيه أي إتهامات للبعض الآخر ..
الإشارة التي تجعل زيارة إخواننا فى محبسهم مرة كل أسبوعين بعد أن كانت أسبوعية ولإثنين فقط من أفراد الأسرة بعد أن كانت لخمسة منهم ..
الإشارة التي جعلتهم يحولون بين كبيرهم وقائدهم وصاحب الفضل عليهم .. يحولون بينه وزيارة أمه وهي مريضة بالبيت .. وهي مريضة بالمستشفى .. وهي فى لحظاتها الأخيرة بالعناية المكثفة .. وهي تموت .. ليكون آخر من يعلم بموتها وهو الذي لم ينقطع عن زيارتها صباح كل يوم ومساءه ..
الإشارة التي تحول بينه وبين تشييعها لمثواها الأخير عند السحر بمثل ما حالت دون تلقيه العزاء فيها من إخوانه وأحبابه وعارفي فضله وقدره إلا فى آخر ساعتين من رفع الفراش (رحم الله النميري الذي سمح للزعيم الأزهري بالخروج من سجنه ليومين متتاليين لتلقي العزاء في شقيقه) .. نميري المحسوب علي اليسار يومها أقرب لقيم الدين وأخلاق الرجال من هؤلاء الذين يحسبون كل صيحة عليهم ..
الإشارة التي تجعلهم يحبسونه فى سجن كوبر دون اكتراث لتاريخه الحافل بالمروءات ومكارم الأخلاق ورمزيته التى هي فخر السواد الأعظم من أهل السودان .. حقا من يحترمون أنفسهم يحترمون رموزهم وقادتهم ..
الإشارة التي تجعلهم يصنعون قفصا حديديا لوضعه فيه خلال جلسات المحاكمة (ومحاكم السودان لا تعرف الأقفاص أصلا حتى لعتاة المجرمين من القتلة ومنتهكي الأعراض) إمعانا فى في التشفى منه بلا سبب ..
أي دين هذا وأي أخلاق هذه وأي رجال هؤلاء .. لماذا هذا اللؤم والغل والحقد والخساسة لرجل كان فينا سمحا إذا باع سمحا إذا أشتري .. سمحا إذا قضي سمحا إذا اقتضي .. سماحة لا ينكرها إلا جاحد وحقود ومنبوذ ..
أما تكفيه سفاهات معمر القذافى وبذاءات حسني مبارك وتفاهات أسياس أفورقى و وقاحة ملس زيناوي وتطاول أجلاف البعاعير وابتزاز مخالب المخابرات العالمية وأنياب المنظمات الدولية عبر وكلائها في الجنوب والغرب والشرق والنيل الأزرق وجبال النوبة ..
أما يكفيه تقدمه الصفوف عند كل هيعة وتقديمه لشقيقه شهيدا وكل إخوانه مجاهدين فى سبيل الله .. ما رأيت بيتا غيرهم يخرج كله في سبيل الله .. لم يتركوا عذرا لمعتذر أو حجة لمتخلف ..
ثم ما هي القضية التي تستباح بسببها كرامة رجل نهض بوطنه من (رجل إفريقيا المريض إلي ماردها الذي تهتز له عروش الطواغيت في الجوار وعبر البحار) ولأجله توضع الخطط وتشتري الذمم وتحرك حاملات الطائرات والصواريخ العابرة للقارات بمباركة مجلس الرعب الدولى ورعاية الأمم المتحدة ومنظماتها ومخابراتها ودويلاتها تحت لواء أمريكا عدوة الأحرار والأطهار ..
يتهمون رجلا بغسيل الأموال والثراء الحرام وهو الذى مكنه الله من السودان كله فما ملك منه إلا بيت واحد ومزرعة بسبعة فدان بمشروع السليت وحسابين بالبنك أحدهما لراتبه الشهري والآخر للمزرعة التى استفاد منها المزارع المصري أكثر من صاحبها .. وما أدراك ما صاحبها و(لن يحدث هذا إلا في السودان) ..
أولا … هو من بادر بذكر الأموال كلها (وليس الستة مليون يورو والخمسة مليون جنيه والخمسين ألف دولار التي وجدت بمكتبه الملحق ببيت الضيافة) ومصدرها وأوجه إنفاقها لثقته فى نفسه (عفة في اليد وسلامة في القرار) ..
ثانيا … هذه الأموال لم تكن خاصة بالدولة ولم يطلبها هو من مانحها الذي منحها له وفق ما تعارف عليه الحكام من دعمهم لبعضهم ومع ذلك تعامل معها ك(مال عام) لم يدخل منه قرشا واحدا عليه بل دفع بها فى الخدمات العامة والحالات الخاصة والسلع الإستراتيجية وفق تقديراته الخاصة وله في ذلك مطلق التصرف ..
ثالثا … الذين أرادوا محاكمته وكسر هيبته هو من حاكمهم وأذلهم وكسر هيبتهم وفضح جهلهم وتحاملهم وفق الآتي ..
1/ الشاكي جهاز الإستخبارات الخاصة والذي عبر وكيل نيابة جرائم أمن الدولة أصدر مذكرة بتفتيش منزل الرئيس وتحريز الأموال المضبوطة وفق المادة 34 والمادة 47 ..
2/ تفتيش المنزل تم بدون حضور الرئيس أو إعلامه أو حضور أيا من أهل بيته ..
3/ قدم الإدعاء ثلاثة شهود واستغني عن الرابع وقال بأن الخامس في دورة خارج السودان ولن يعود منها قبل فبراير 2020 وطالب بقفل القضية بعد سماع شهوده الثلاثة الذين شهدوا عليه بالآتي :
الشاهد الأول عميد بشرطة (إدارة المباحث الجنائية) وقد أفاد بأنه لم يتحري مع الرئيس ولم يكن حاضرا التحري معه كما أنه لم يحضر التفتيش ولم يشارك فيه .. بل لم يكن حاضرا لأي إجراء يخص هذه القضية ..
الشاهد الثاني رائد بالقوات المسلحة (إدارة الإستخبارات العسكرية) أفاد بأنه ضمن لجنة الإستخبارات التي باشرت تفتيش منزل الرئيس صباح 17/أبريل وأنه لم يحضر لحظة العثور علي المبالغ موضع الإتهام منكرا رؤيته للشنطة (معروضات) التي قال المتحري أن الفلوس كانت بها ..
الشاهد الثالث موظف ببنك أم درمان الوطني فرع القيادة .. أفاد بأن مديره المباشر طلب منه عد وتصنيف الفلوس موضع القضية فوجدها ستة مليون يورو .. خمسة مليون جنيه .. و واحد وخمسين ألف وسبعمائة دولار وضعت أمانات بالبنك والتي كانت في أدراج مفتوحة وأنكر رؤيته للشنطة (معروضات) التي ذكر المتحري أنهم وجدوا الأموال بها ..
ملحوظة (كانت حسب حصر اللجنة الأولى التي تلاها القاضي 6.900.000 يورو .. 351.770 دولار .. 5.700.000 جنيه) !؟!؟!؟ ..
أفاد الرئيس المحكمة الموقرة بالآتي :
أخبرني مدير مكتبي حاتم حسن بخيت بأن مدير مكتب ولى العهد السعودي أخبره بأن طائرة خاصة في طريقها للخرطوم تحمل رسالة خاصة من الأمير للرئيس ..
الرسالة عبارة عن شنطة بها يورو يعادل نحو 25 مليون دولار دعما من الأمير للرئيس لانفاقها حسب تقديراته مع رجاء بعدم إعلان ذلك ..
كان أمامي خياران .. أما إرجاع المبلغ لصاحبه مما يؤثر سلبا علي علاقاتنا الممتازة والإستراتيجية مع السعودية والتي شهدت تطورا قويا خلال عهد الملك سلمان .. أو نقبله لإنفاقه وفق تقديراتي السياسية والأمنية التي يخولني لها الدستور .. وهو ما عملت به ..
لم يتم توريد المبلغ لبنك السودان الذي لن يقبله حسب الإجراءات المالية إلا بعد التعرف علي مصدره (مصدره الذي رفض الكشف عنه وسبق لي أن تمنيت أن تكون هذه المحكمة سرية حتي لا يضار منها أمننا القومي أو علاقاتنا السياسية والإجتماعية) ..
تم التصرف فى هذه الأموال لدعم بعض السلع الإستراتيجية التي تهدد الإستقرار السياسي (الوقود .. الغاز .. الدقيق .. الدواء) وبعض المستشفيات والحالات الخاصة إضافة لجامعة إفريقيا التي خرجت أجيالا من طلابها هم الآن حكاما و وزراء وقيادات عليا فى بلادهم يدعمون قضايا السودان ويعملون علي تطوير العلاقات بين دولهم والسودان ..
دعم قناة طيبة الفضائية (وليس الشيخ عبد الحي يوسف) لما تقوم به من دور عظيم في خدمة الإسلام فى الداخل والخارج ..
وجهت جهاز الأمن بدعم بعض الشركات التي تعمل في إستيراد السلع الأساسية خدمة للمواطنين وحفاظا علي الإستقرار السياسي ..
أفادني طارق سرالختم مدير مطاحن سين للدقيق التي تنتج 44% من جملة الإستهلاك القومي أن جهاز الأمن دعمهم فقط بمبلغ سبعة مليون دولار لاستيراد القمح بينما دعم مطاحن سيقا بمبلغ خمسة عشر مليون دولار رغم أنها تغطي الإستهلاك القومي بنسبة 20% .. وعدته بمعالجة الأمر في حدود خمسة مليون ج (هي التي وجدت بالمكتب) لكن تطور الأحداث حال دون إتمام ذلك ..
التأكيد المطلق بعدم تعاملي بالعملات الأجنبية بيعا أو شراء ..
كل ما تم تم بمستندات رسمية طرفنا منها علي سبيل المثال لا الحصر باليورو أو ما يعادله بالدولار (خمسة مليون للدعم السريع .. أربعة مليون جامعة أفريقيا .. مليونين ومئتين وخمسين ألف السلاح الطبي) .. إضافة لدعومات أخري بالجنيه ..
أخيرا أمن القاضي الصادق عبدالرحمن الفكي علي حق المتهم في إطلاق سراحه بكفالة مالية حسب طلب الدفاع خاصة وأن المبالغ موضع الإتهام وضعت أمانات ببنك السودان لكنه عاد وقال أن سلطة إطلاق سراح المتهم سلطة تقديرية للمحكمة وفق بعض مواد العقوبات .. عليه رفض إطلاق سراح المتهم حسب تقديره علي أن تواصل المحكمة جلساتها الإسبوع القادم لسماع شهود الدفاع (حاتم حسن بخيت .. طارق سر الختم وآخرين) ..
تمنيت لو أن السيد قاضي المحكمة أطلق سراح السيد الرئيس وفق سلطته التقديرية التي كفلها له القانون بمثل ما كفل القانون والدستور سلطة تقديرية للسيد رئيس الجمهورية والتي بموجبها يحاكم الآن .. ولأن الحكمة تقول (فطنة القاضي خير من شاهدي عدل) والله يقول حتي في حق الرسل (تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض) خاصة وأن الدفاع سيثبت غدا إن شاء الله أن الرئيس ليس هو بالموظف العام ولم يتجاوز صلاحياته الدستورية والقانونية وأن القضية ما هي إلا قضية سياسية وإعلامية ليس إلا ..
شكرا إخواننا المحامين (أكثر من عشرة الف من أبناء الحركة الإسلامية) تدافع منهم 127 للدفاع عن رمز عزتنا وباني نهضتنا وقائد مسيرتنا ورئيس دولتنا بقيادة الأساتذة المخضرمين (أحمد إبراهيم الطاهر .. عبد الرحمن إبراهيم الخليفة .. هاشم أبو بكر الجعلي محمد الحسن الأمين .. محمد محمد الحسن بوشام .. زين العابدين محمد حمد .. عبدالله حامد .. الشيخ النذير .. عواطف الجعلي .. مريم جسور) ..
شكرا إخواني المجاهدين من النشامى والماجدات والذين ظلوا يشكلون حضورا قويا ونوعيا سندا وعضدا و وفاء لمن بذل روحه وإخوانه وأهل بيته فداء للدين والوطن والمستضعفين وهم يصدحون بالأناشيد والجلالات وحسبنا الله ونعم الوكيل والتهليل والتكبير داخل قاعة المحكمة وخارجها ..
شكرا لؤلئك الذين ظلوا يكيدوننا ثلاثين عاما ويتربصون بنا الدوائر رغم العطايا والهدايا والصفح الجميل والعفو عند المقدرة .. ليأتي بعضهم الآن مطالبا بقفل القضية والعفو عن الرئيس .. الآن يا هؤلاء .. الآن تخشون علي الرئيس أم علي أنفسكم خشية إستدعائكم للمحكمة للإقرار باستلامكم الملايين يا معشر المؤلفة قلوبهم من أدعياء الوطنية الكذوبة والإستقامة المضروبة ..
دعوا المكارم لا تخرجوا لبغيتها .. لن نقبل منكم ولا من غيركم ونرفض طلبكم بالعفو عن الأخ الرئيس .. بمثل رفضنا للإدانة الإعلامية والسياسية التى ظللتم تسعرون نارها وتعزفون قيثارها ..
فقط نقبل البراءة أو الإدانة عبر قضائنا مع تجديد وتأكيد ثقتنا في رئيسنا وإخواننا التي هي أكبر من ثقتنا فى أنفسنا .. وما قيل فيهم قول إلا ذكرنا قول الله تعالي (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) ..
غدا (سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ..
ويومها لن تنفعهم عبارة (جاي من فوق) ..
جعفر بانقا