ليس لديّ أدنى شك بصفتي أحد المراقبين للشأن السياسي العام ببلادنا، في أن مصير التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال سينتهي إلى الفشل، وذلك لأن الحكومة لا تحاور «مفاوضاً حقيقياً» يمثل أياً من المنطقتين، وطالما أن هناك حقائق معروفة فإن الأكاذيب ستكون أيضاً معروفة، فالذي يعرف الحقيقة سيكون الإسرع في اكتشاف الزيف والكذب.
و.. مع كامل احترامنا للجهود المبذولة من قبل الوسيط الأفريقي، إلا أننا نراه وسيطاً «طيباً» لا يعرف الخبايا، ولا الخفايا، ولا ما يضمر المفاوضون، فوفد الحكومة شدد على الوصول إلى اتفاق خلال فترة التفاوض المحددة بعشرة أيام فقط، ووفد الحركة الشعبية قطاع الشمال، لا زال عند موقفه يتمسك بأن يكون ناطقاً رسمياً باسم كل السودان، وذلك على الرغم من أن الحركة الشعبية «الأم» انفردت بحكم دولة جنوب السودان، عقب انفصال الجنوب، وقد كان ذلك منطقها الذي ظلت تروج وتسوق له، وعندما حانت ساعة الهروب من القضايا الكبيرة، انفصلت بالجنوب كاملاً، تاركة مؤيديها ومناصريها في حالة ذهول وصدمة، لكن حقن التخدير السياسي كانت جاهزة في أيدي المبعوثين الدوليين الثلاثة، الذين يمثلون الولايات المتحدة والنرويج والاتحاد الأوربي، إضافة إلى ممثلي المنظمات الدولية، وذلك بتقديم الدعم المادي المطلوب واللوجستي الداعم لمطالب «النصف الشمالي» للحركة الشعبية، ونفخ روح التمثيل القومي في نصف جسد الحركة الشعبية المقتطع، لتقدم نفسها بذات اللسان القديم كأنما هي معبرة عن كل السودان.. وهي ليست كذلك.
وجود المبعوثين الدوليين، وارتباطهم بوفد الحركة المفاوض، وتحديداً برئيسه السيد ياسر عرمان، يؤكد على أن الأخير ليس أكثر من أنه «صوت سيده» أو «His Master,s Voice» وأنه لا يعبر من قريب أو بعيد، عن قضايا وآلام وآمال وطموحات أبناء أي من المنطقتين، ولا يهمه نتائج الحرب والموت «المجاني» الذي تجابهه النساء والأطفال، وأهل المنطقتين كل يوم، والتخلف الذي يعانون منه بينما كل الدنيا تتقدم للأمام.
الغرب، وممثلوه الثلاثة، وبقية المنظمات يعلمون تماماً أن منطقهم في تقوية قطاع الشمال وإسقاط الدولة السودانية، لم يعد له تأثير في سوق السياسة، وتجربة انفصال الجنوب، هي خير دليل وبرهان إذ تماسك السودان أكثر في مواجهة التحديات، بينما أوشكت الدولة الوليدة «المنفصلة» على الانهيار.
والغرب الآن يعلم أكثر من أي وقت مضى عدم قدرته على السيطرة والتحكم في مجريات الأمور سواء على مستوى الداخل في الدول أو على مستوى العلاقات الدولية، فهناك طرح جريء في دنيا العلاقات الدولية، ظهر من خلال نظرية نهاية القوة «The End
oF Power » التي وضعها عالم وباحث في الشؤون الدولية، هو «مويزيس آر نعيم» وطرحها في العام 2013م من خلال كتاب حمل ذات الاسم، يقول ملخصها إن القوة آخذة في التحول من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب، ومن القصور الرئاسية إلى الساحات العامة، ومن الجيوش الكبيرة المستقرة إلى العصابات المتمردة الفضفاضة، ومن الشركات العملاقة إلى الشركات الصغيرة النشطة، ومن الرجال إلى النساء.
الغرب الآن منزعج، وقيادات القطاع أكثر انزعاجاً وأغزر دموعاً إذا فشل مخططهم في التحدث باسم «المهمشين» في كل السودان، بينما البروفيسور غندور يقدم طرحاً موضوعياً للقضية، ومقترحاً عملياً للحل.. وأفريقيا في نهاية الأمر ستنتصر من أجل أبنائها.. في المنطقتين بقرارات صارمة.. وصادمة لعرمان ورفاقه.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]