بلا شك أنما حدث من عنف بالفاشر مرفوض ومؤسف ، وتتحمل مسؤوليته قوي الحرية والتغيير بالمركز والولاية ، لأنها ركزت في سباقها علي تضيبق الخناق علي جماعة الكفاح المسلح ، دون التركيز علي مخاطبة القضية الاساسية (السلام) ، ولذلك فشلت كافة محاولاتها ، فقد فشلت مهمة وفدها الأول بقيادة (سارة نقد الله ، صديق يوسف ، امين سعد) فشلت مهمتهم دون إقناع اهالي دارفور بان السلام يمضي بخطوات عملية ، فتكسرت حججهم وفشلت خطتهم تحت شعار (وينو السلام .. وينو؟!) .
تماما كما فشلت مهمة وفدها الثاني بقيادة (الدكتور محمد ناجي الأصم ، خالد سلك ، سارة نقدالله ، طه عثمان) فشلت مهمتهم دون مخاطبة ندوة بالفاشر ، لا ادري كيف يكون الحال إن ذهب هؤلاء لمخاطبة النازحين في المعسكرات ؟!، إعتقد أن هؤلاء قد أخطأوا التقدير إن كانوا يظنون انهم يستطيعون سحب البساط من تحت أقدام جماعة الكفاح المسلح بهذه الطريقة ، فإن خطتهم قد فشلت وتكسرت حججهم عند محطة ذات الشعار (وينو السلام .. وينو) .
مع الاسف سقط هؤلاء حتي في مؤتمرهم الصحفي الذي عقدوه في مكان قصي هناك دون أن يقولوها حقائق يسجلها لهم التاريخ ، لاسيما وان الأصم عضو بذات المفاوضات مع الجبهة الثورية بأديس ابابا ، فشل هؤلاء دون ان يقولونها لماذا تنكروا لجماعة الكفاح المسلح وهم اعضاء معهم في الحرية والتغيير، فإن كانت بسبب المحاصصات والتي سموها استحياء إستحقاقات فلماذا أصبح ذلك حلال عليهم وحرام علي الجبهة الثورية ؟ والتي طالبت بتضمين صريح تعلو فيه نتائج اتفاقيات المفاوضات مع جماعة الكفاح المسلح علي الوثيقة الدستورية في حالة التعارض كما في المادة (70) بالوثيقة الدستورية والتي تحتاج لاعادة صياغة ، وبل طالبت بأن تكون هنالك حكومة مهام لأجل السلام ، تعقبها حكومة إنتقالية يشارك فيها الجميع بلا إستثناء ، بلا شك ان الحرية والتغيير فشلت في ترميم بيتها الداخلي ، وفوتت فرصة ثمينة للسلام وستذهب لتبحث عنه بين (فكي الأسد) وحتما سيكون النزال هذه المرة شرسا وستكون الحسابات معقدة .
جاء بيان حزب الامة الاخير بشأن تشكيل حكومة حمدوك الإنتقالية والتي يواجه فيها الرجل صعوبات جمة ، جاء بمثابة ذر الرماد في العيون ، وربما أراد الحزب مداراة فشله في إستعادة جماهيريته في دارفور والتي جاءت استحقاقا طبيعيا للحركات المسلحة ، بعد أن كان يأتي حزب الأمة بالمرشح لدارفور من المركز وغيره بالتعليمات ولا أحد يجرؤ لأن يقول (أف) ، فالآن قد تبدلت المواقف وأصبح حزب الامة والشيوعي وكافة مكونات الحرية والتغيير ما هم إلا عصابة لسرقة الثورت ، ويرونهم قد سلبوا حقوقهم ويتاجرون بقضايا الهامش وعندهم جميعهم سيان .
مع الاسف الشديد فشلت الحرية والتغيير ولم تكن قضية السلام اولويتهم فذهبوا يتصارعون علي تقسيم الكيكة واللهث خلف كراسي السلطة ، وليس هؤلاء الشباب بالفاشرغرباء بل هم ذاتهم الذين جاءوا الخرطوم دعما للثورة ، وتشهد لهم ساحة الإعتصام ودماء الشهداء التي سقطت ارواحهم لأجل الثورة ، غير أن هؤلاء الشباب وجدوا أن ثورتهم قد أختطفت وتم بيعها بثمن بخس دراهم معدودة ، وسقطت معها كافة الشعارات التي رفعوها لأجل السلام ومن حقهم أن يسألوا (وينو السلام .. وينو؟!) ، ماعاد يا هؤلاء تعليق فشلكم علي شماعة النظام البائد تقنع رعاة الضأن في البادية ، ألاعيبكم أصبحت مكشوفة ، واجهوا فشلكم وحلوا خلافاتكم واختلافاتكم الداخلية فالشعب يكفيه ما هو فيه .
ولكننا نعتقد أيضا بان الولايات جميعها ماعادت تحكم بالوكالة والتبعية والطاعة العمياء من قبل المركز الذي اهملها ، وليست دارفور إلا نموذجا لبقية الولايات ، جميعها قد وقفت بشدة في وجه حكومة البشير وقالتها كثيرا لا للدكتاتورية وستقولها أيضا في وجه تحالف الحرية والتغيير لا للإقصاء ولا لتبديل نظام شمولي بآخر أكثر منه شمولية .
فلا أدري لماذا لم تتحسب الحرية والتغيير لذلك ؟، ولماذا تغافلت مكونات قحت وغضت الطرف عن الحقائق الواقعية والتي تؤكد وتثبت أن أهالي الولايات هم أساس وركيزة التغيير في السودان ومنهم أهل دارفور الذين ظلوا يدفعون الثمن غاليا بصورة تراكمية منذ استقلال السودان ، فإن كان قيادات تحالف الحرية والتغيير يعتقدون في تسابقهم هذا إنهم سيجدون ولاء وتأييد الولايات لهم بمجرد إختيار أحد كوادر مكوناتها ممثلا لتلكم الولايات بالمركز فإنها بلا شك تكون مخطئة ! .
ربما لا تدري قيادات الحرية والتغيير أن المفاهيم والتبعية العمياء يسارا ويمينا قد تغيرت في دارفور تماما كما تغيرت في بقية الولايات ، فما عادت ذات ولاءات الأسياد والإنقياد الأعمي والتمسح بالتراب وشرب مياه الوضوء ظنا بنيل البركة تراوح مكانها، فالشباب اليوم يختلف عن شباب الامس وقد ولي عهد الوصايا عليهم بلا رجعة ومن حقهم إختيار قياداتهم وممثليهم بكل شفافية ووضوح في الرؤية والهدف بلا دغمسة ولا غش وبلا خداع ، فما حدث مع قيادات الحرية والتغيير مجرد محطة البداية وبل غيض من فيض .
رغم استقبال اهالي دارفور لتلكم القيادات من الحرية والتغيير بالبشر والترحاب ، ورغم كل ذلكم الكرم الفياض في حقهم وهو ديدن وشيمة أهل دارفور ، ولكنهم حالما كشروا عن انيابهم لانها مواقف أصبحت لا تقبل (الألوان الرمادية) ، فوضعوا عدة رسائل في بريد تحالف قوي الحرية والتغيير ، قالوها علنا عبارات مقصودة لذاتها بكل وضوح وشفافية وهم يتساؤلون (وينو السلام وينو؟!) .. ولماذا لم تضمنوا ورقة السلام الشامل في الوثيقة ؟! قالوها إنها بلا شك خيانة للثورة .
بقلم : ابراهيم عربي
عمود الرادار .. الاثنين الثاني من سبتمبر 2019