إنّها مَلايين السِّنين

(1)
لن أنسى عاماً ضَاعَ من عُمري وأنا تلميذٌ في مرحلة التعليم الأولى، وذلك بسبب نظام ذات الرأسين الذي كَانَ مُتّبعاً، حيث كان التحاقنا في البداية بالمدارس الصُّغرى (المجلسية) ثُمّ نمتحن للمدرسة الأولية (مُش يَا جَلاكين؟).. بالطبع لم أشعر بضياع ذلك الزمن عندما كُنت طفلاً، ولكن مع مُـرُور الأيّام بدأت أحس بقيمة الزمن وألعن ذلك (الغبي) الذي وَضَع ذلك النظام (برضو تقول لي الزمن الجميل)..؟!
أمّا الآن وأنا في خَريف العُمر، أتمنّى لو أجد ذلك المسؤول لكي أشبع فيه (خنق) فالله لا كسّبه ولا غزّ فيه بركة، فقد أهدر من عُمرنا الكثير ونحن صغار يُفّـع لا نَدري (بمّا كَانَ الزّمن ضامر) – يا صديقي المُصَحِّح بالله لا تنصب ضامر هذه، فإنّها شَطرٌ من أغنية حقيبة.

 

(2)
مُناسبة هذه الرّمية، مَا نشهده الآن من الاقتراب من تجميد العام الدراسي لكل المراحل وعلى مُستوى كل السودان فلو تمّ ذلك – لا سمَحَ الله – فهَذا يعني أنّه قد ضَاعَ على مُجمل أبناء السودان ملايين السنين، فلكم أن تتخيّلوا فداحة هذه الخسارة بالنسبة للأُسر والوطن، لا سيما وأنّ التعليم، بما في ذلك التعليم المُسمى حكومي في هذا الزمن يُكلِّف الشئ الفلاني..!
الوقت ثروة والعُمر ثروة ناضبة، يعني الشغلانة خسارة مُرَكّبة.. فصبيان وشباب اليوم في مُختلف المراحل قد لا يشعر بعضهم الآن بأهمية الوقت، ولكن حَتماً سوف يأتي اليوم الذي سوف يَدركون فيه قيمة الوقت ويلعنون سنسفيل هذه الثورة والثُّوّار والحُكّام الذين أضاعوا عَامَاً مِن عُمرهم، لأنّه كَانَ بالإمكان إنجاح الثورة – وقد نجحت الحمد لله – وعدم ضياع العام الدراسي.

 

(3)
نعم، لا بُـدّ من تضحية في أيّة ثورة، فهذه الثورة المجيدة شَهدَت تضحيات بالروح والدم ومع ذلك كان يُمكن إنقاذ العام الدراسي في المراحل كَافّة، إذ كان يُمكن استثناء التلاميذ والطلاب من أيِّ فعلٍ ثوري بعد الحادي عشر من أبريل وتستمر مُقاومة المجلس العسكري بكل الوسائل الأخرى.. حتى أحداث الأبيض كَانَ الأمل كَبيراً، فتظاهرات التلاميذ هُناك كانت لأسبابٍ موضوعية ومَطالب مشروعة وليست سِياسيّة.. وهنا يُسأل الذين وجّهوا الاحتجاجات وجهة سياسية ضد العساكر، ويُسأل العساكر عن الدماء الذكية التي أُريقت..!

 

في الخرطوم, التضامُن مع شهداء الأبيض كان يُمكن أن يكون بشكلٍ مُختلفٍ كوقفة احتجاجية مثلاً، وهُنا يُسأل الذين أخرجوا التلاميذ للشوارع وكان يُمكن إغلاق المدارس لمُدةٍ مُحَدّدة في الخرطوم فقط، وهنا يُسأل المجلس العسكري الذي عَلّقَ الدراسة في كل السودان وجعل التعليق مفتوحاً في الخرطوم.

 

(4)
إذا ضاع هذا العام الدراسي سيكون بفعل السِّياسة، وهنا لا بُـدّ من تدخل السِّياسة، لا بُـدّ من إعلان مليونية لإنقاذ المُوسم الدراسي وذلك بإعلان ميثاق شَرَفٍ سِياسي برفع السِّياسَة من الجَامعات والمَدارس لمدة عامٍ، وأن يتّجه التلاميذ والطُّلاب والأساتذة وأولياء الأمور بكلِّ مَا يَملكون لإنقاذ العَام (لا نَسمع، لا نَرى إلا التّحصيل الأكاديمي) وبَعد العُبُور نرجع لسياسة الجن دي..!
أيُّها الناس إذا ضَاعَ هذا العام الدراسي سيكون سبة في وجه هذه الثورة المَجيدة..!

 

 

 

حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

 

السوداني

 

 

Exit mobile version