المركز بالخرطوم يحتاج الى ترك خيارات تقديم ضحايا الدوائر العسكرية قربانا على نصب الحالة السياسية

في مسألة ما حدث ببورت سودان من نزاع رحم الله من قضى فيه وعجل بشفاء الجرحي يجب الملاحظ أن ثمة خلل يتعلق بترتيبات السلطة في شأن الضبط العام صارت تتجنب معه تفادي اي إحتكاكات تجرها الى مطاحن الراي العام وربما مخالب السياسة ؛ فصار الجيش يكتفي قدر الامكان بمسافة عدم (التكييس) في ازمة امنية تجر عليه نقمة الشارع بينما انتهجت قوات الدعم السريع اسلوب الإبتعاد حتى لا تتعرض لاوزار عملية معالجات امنية تحولها من فاعل موجب الى مدان مباشرة فيما قيد جهاز الامن نفسه بخانة المحايد إذ لو انه وجه بإعتقال متفلت فلن يعدم حملة تصفه باوصاف هو في غنى عنها واما الشرطة فهي حتما ادركت مبررات تلك المؤسسات في الحذر فتماهت مع الوضع الرمادي ! كل هذا سببه احساس تلك المؤسسات انها بلا غطاء وتفويض يرد عنها عواقب التكسب السياسي إن هي مارست دورها خاصة ان من سيدفع الثمن ستكون هي وقياداتها الميدانية إعفاء وتقريعا وهي وضعية ستجعل كل ازمة وتفلت او سلوك غاضب غض النظر عن مبرراته وصحته من عدمها يأت من جانب اي طرف سواء كان مواطن او مجموعة اهلية او سياسية متروك للتردد والتدخل غير الفاعل . ولتجاوز هذا فالامر يحتاج من المركز بالخرطوم الى ترك خيارات تقديم ضحايا الدوائر العسكرية قربانا على نصب الحالة السياسية رغم ان السبب الاول والاخير عجز دوائر مدنية واهلية ومحتمعية في لعب ادوارها بشكل صحيح وعاجل.

تحدثت حول أحداث بورت سودان عن حقيقة ظاهرة تجنب القوات الأمنية المختلفة للتدخل بشكل يجرها حال تفسير اي طرف بالنزاع لذاك التدخل وإحتسابه ضمن حالة الشيطنة المستمرة لتلك الأجهزة ؛ ففي وضع مماثل بما جرى بالبحر الاحمر حتمية مقاومة المتفلتين واردة وبشدة ومن المؤكد ان هذا كان سيسقط ضحايا او يجر مشتبه بهم الى الحبس ؛ وقتها سيتحول المخطئ الى مناضل خاصة اذا رفع تقية الوضع الثوري ومن ثم تندلع حرائق إعلامية وبيانات ومواقف سياسية ستتكتل ضد الجهة العسكرية المباشرة للتدخل ولن تمض ساعات إلا واعضاء لجنة الامن والوالي بين مطرود ومحال ومنقول في احسن الاحوال فيما قطعا سيساق صغار الضباط والجند للمحاكم ؛ تكرر هذا في اكثر من حادث وأزمة وتبعا لهذا وبشكل لا يقبل الشك تولدت حالة معنوية سيئة بشكل مؤكد وربما شعور بأن التغيير الذي تم باسمها ارتد على نحرها بواقع حالة الضغط المهينة وبروز خطاب سياسي كاره لها بل نجح في وضعها قيد الإقامة الجبرية مع العمل الجاد في تفكيك بعض المنظومات واقرب امثلته حالة هيئة العمليات بجهاز الامن والتي بعد ان قاتلت شرقا وغربا وجنوبا وجدت نفسها بين خيارات الطرد من الخدمة او الإستيعاب في حواضن نظامية اخرى رغم انها عملت بموجب امر قيادة تبعيته لمدير جهاز الامن والمخابرات وبتنسيق وإدارة وخطط اجيزت ربما من غالب العسكريين الذين يلون امر البلاد حاليا فما الذي يجعل الآمر مبجلا والجندي (البندقجي) شيطانا يجب ان يطرد من رحمة الدولة ! وما جرى سلبيته انه يعمم روح جمعية سالبة في كل المنظومة الامنية العاملة برسالة منحوتة في فراغات الحيرة ان الثور الاسود الذي اكل اليوم سيؤكل بعد الثور الابيض وبتخريج اخر سيتبدل فيه الاسم من (الهيئة) الى الدعم السريع او حتى الجيش ! وفي وضع مماثل ومع حالة التشنج السياسي لبعض القادمين الجدد من الحكام قطعا تولدت حالة من الاحباط العام والروح المعنوية المتدنية التي اخشى ان تستغلها جهات داخلية وخارجية لاثارة تخريب او عدوان صريح في ظل إخراج لجهاز الامن من وضعية القدرة على الاستباق بالعمل الوقائي وتركيز قوات الدعم السريع على اعمال الحماية الداخلية للوضع الجديد وتحت إنهاك للقوات المسلحة بتفاصيل ملاحقة حرائق النزاعات الاهلية فلا قدر الله ان وقع اي طارئ ستحتاج السلطات لتدابير مرهقة ومعقدة لشحذ محفزات النهوض والمواجهة والتي كذلك تتطلب خطاب لتوفير الإسناد المدني المعطلة آلياته القديمة من دفاع شعبي وخدمة وطنية ! هذه شواغل تحتاج الى مباحث جادة وإجراءات بناء ثقة بين الشارع وتلك المؤسسات وبين المنظومة السياسية وان لم يحدث هذا فلات حين مندم. القاعدة الاولى والاخيرة التي يجب ان تراعى ان المؤسسات والمنظومة العسكرية مجتمعة تبقى على مآخذ البعض وتصوراتهم القبة الحديدية للوطن وكسرها سيلحق الضرر بالجميع واخشى ان هذا الكسر قد تعمد البعض العمل عليه تعمدا او جهلا.

محمد حامد جمعة

Exit mobile version