وفق معلومات ومتابعات دقيقة فان الامر عندي يتجلي هكذا فبعد مقررات الحوار الوطني وتولي الفريق بكرى حسن صالح رئاسة مجلس للوزراء دب صراع خفي بينهما او قل نشأت مشاعر للغيرة والحسد من الاول تجاه الثاني وسعي لافشاله بوسائل مختلفة منها تكوين مجالس رئاسية كمقابل لمجلس الوزراء ورغم العلاقة الخاصة والمتجذرة بين البشير ونائبه ومنذ ان كان الاخير ملازما بمنطقة جبل الاولياء العسكرية وعبر سلاح المظلات وحتي تنفيذ الانقلاب1989بواسطة القوات المحمولة جوا واحتلال القيادة العامة عبر بوابة القاعدة الجوية. لم تشفع هذه العلاقة الخاصة للفريق بكرى للاستمرار في رئاسة مجلس الوزراء ذلك لانه وبطبعه لم يكن يتودد لعائلة الرئيس كما يفعل عبد الرحيم محمد حسين واخرون وهذا ما عجل الاطاحة والمجئ بمعتز موسي ليكون رئيسا للوزراء وهو من عائلة البشير والتي اصبحت مؤثرة جدا في اتخاذ القرار وتسعي للحفاظ علي مصالحها وتم الابقاء علي الفريق بكري نائبا للرئيس بعد وصمه بالفشل وهذا ماكان يردده الرئيس حتي امام السائقين.
تعجل البشير الخطة(أ) وهي التي اعقبت الحوار مباشرة من بعد ان انتابته الظنون والهواجس في ان يكون بكري بديلا له في ظل تحولات اقليمية تضغط علي البشير للتخلص من الاسلاميين ويعجز هو عن ذلك خوفا من ان يقوموا بتصفيته والتخلص منه لصالح مشروعهم الحضاري ومازالت تحوم وتحلق في ذاكرته طائرة الزبير وابراهيم شمس الدين.
قفز البشير مباشرة الي الخطة( ب) وذلك بالاتيان بقريبه معتز موسي رئيسا للوزراء والذي كان كالثور في مستودع الخزف حدثت في عهده ازمات الدقيق والقوعد وتصاعد الدولار بشكل جنوني والسيد رئيس وزراء اسرة البشير المحترم يغرد عبر التويتر بانه قد تأكد له انه يسير في الطريق الصحيح. في هذه الاثناء كان البشير قد ذهب الي القيادة العامة والتقي، بثمانية من الضباط طلب منهم ان يكونوا مستعدين لاستلام السلطة في حال فشل الخطة (ب) وتنفيذ الخطة (ج) وهي الاستيلاء الكامل للجيش علي السلطة وكنت قد التقيته مرة ورفعت صوتي عاليا قائلا انت ( ما تسلمها الجيش وتريحنا) فرد علي قائلا(الجيش) وقد انفرجت اساريره وتهلل وجهه ثم مالبث ان التفت الي مساعده التيجاني السيسى يخفي ما بدا عليه من ارتياح ويفضح مايدور في ذهنه ويعتمل في صدره في رغبته في تسليم السلطة للجيش من اجل التخلص من شركائه الاسلاميين باقل الخسائر ولكن من اجل ان يفعل ذلك فلا بد من ايجاد مبرر له وهو ان يتحرك الشارع وتمتلئ الطرقات بالمتظاهرين لذلك حينما كان والي الخرطوم الفريق عبد الرحيم محمد حسين يطوف بالمخابز لحل مشكلة شح الخبز صاح فيه (انت مالك بيهم خليها انشاء الله تولع) وفغر عبد الرحيم محمد حسين فاههه في بلاهة…
لم يكن البشير يسمح لنائبه الاول ورئيس مجلس وزرائه الفريق بكرى حسن صالح ان يسافر نيابة عنه في المؤتمرات الدولية والاقليمية الامرة واحدة لمؤتمر في لبنان ولكن هذه المرة كان من المفترض ان يسافر بكرى الي مؤتمر شرم الشيخ كرئيس للجمهورية وليس كنائب أول من بعد ان سبقه اليها وفد المقدمة برئاسة وزير الخارجية الديرديري محمد احمد ولكن من بعد ان يعلن الرئيس عن تنحيه او تفويض صلاحياته كرئيس للجمهورية لنائبه الاول من خلال الدعوة التي وجهها الي جهات مختلفة لحضور خطابه الهام بالقصر الحمهوري والذي ظل الشعب السوداني متسمرا قبالة شاشات التلفزيون ثم جاء مخيبا للأمال من بعد وصول المندوب القطرى الذي قلب الامور رأسا علي عقب.
كانت عدة جهات تتسارع للاطاحة بالبشير منها الحركة الاسلامية التي ضاقت به ذرعا واعتبرته حملا ثقيلا عليها وتعتقد ان تخلصها منه كمطلوب للعدالة الدولية لربما يتيح لها فرصا اخري كذلك فان الاتحاد الاروبي قد شعر بعظم الخطر والبشير يعطي الروس موطء قدم في معقل فرنسا والمانيا وذلك حينما سمح للروس بانشاء قاعدة عسكرية في قلب النفوذ الفرنسي في منطقة ام دافوق بدارفور كذلك فان تأرجح البشير مابين محور قطر من جهة السعودية الامارات من جهةاخري قد جعله هدف لكليهمامما عجل الاطاحة به عبر تخطيط محكم وموزون لعب فيه الاتحاد الاروبي دورا رئيسيا عبر عملائه في الداخل في عملية فنية عالية الدقة والتخطيط استثمرت كل معطيات الواقع والغبن المتراكم منذ سنين.
كان صلاح قوش يخطط عبر عشوائيته المعهودة لان يكون رئيسا للبلاد وهذا ماتمكن من قلبه وعشعش في لبه وجعله لايفكر الا فيه وهذا ماجعله يسعي لرضاء البشير باي ثمن وعمل علي قمع الثورة بكل السبل ولم يمكنها من قلب الخرطوم والاعتصام فرب القصر الجمهوري كما كان مخططا له
انطلقت الثورة السودانية وكانت فوق اي تخطيط واكبر من اي تدبيرا كان الثورة عارمة والغضب كبيرا وكانت مثل السيل الجارف حطمت كل السدود والمغالق وخرجت عن دائرة السيطرة والتوقع واستقرت عند مباني القبادة العامة تحتمي بالجيش من عصابات جهاز الامن وكتائب الظل ولاحقتهم كتائب الظل حتي القبادة فتصدت لهم قوات البحرية واجبرتهم علي الفرار وازداد التلاحم مابين الجيش والشعب.
لم يكن تجمع المهنيين قد حدد القيادة العامة مقرا للاعتصام وانما اراد الذهاب اليها لمجرد تسليم مذكرة للجيش ولكن الشعب كان هو الذي فرض هذا الخيار وجعل محيط القيادة العامة مقرا لاعتصامه.
في هذه الاثناء كان البشير قد قرر التنحي او اجبر عليه وتهيأت طائرته للاقلاع به خارج البلاد الي المملكة العربية السعودية التي لم تكن علي استعداد لاستقبال احد المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وهي لم تخرج بعد من معضلة الخاشقوجي وماتبعها من أثار وصمتت السعودية عن الرد وهذا يعني في العرف الدبلوماسي الرفض واسقط في يد البشير وكان قد دفع بنائبه عوض ابنعوف ليتولي مهام الفترة الانتقالية ليترشح البشير بعدها ولكن قيادة الجيش واعضاء المجلس الحالي رفضوا ابنعوف وكان خيار ارجاع الفريق اول مصطفي عبيد ابعشرة للخدمة وتوليه مهام الفترة الانتقالية خاصة وانه شخصية عسكرية فذة ويتمتع بحب الجنود الا انه استبعد لطبيعته الخشنة التي لاتصلح للحكم واقترح الفريق عدوي وطالبت قيادة الجيش وقتئذ والمجلس الحالي بالفريق بكرى حسن صالح ليتولي مهام الفترة الانتقالية وقد اغضب الوسطاء من قيادات للجيش سابقين ان بكرى لم يرد عليهم واعطاهم قائد حرسه لمخاطبتهم وكان البشير قد اجتمع ببكري لمدة اربع ساعات في منزل الاخير لايعلم احد مادار فيها ولعلها اعادت الامور الي مجاريها فيما قاله بكري من بعد(مهما يكون الزول دا انا مابتخلي عنو).
وكان صلاح قوش قد رفع يديه عن قمع المتظاهرين اثر معلومات وردت اليه عن نية البشير مغادرة البلاد افاده بها حميدتي نقلا عن طه عثمان واستيقظ الناس علي اعلان ان القوات المسلحة سوف تذيع عليكم بيان هام وانتظره الناس وجاء مخيبا للامال واخطأ صلاح قوش خطأ جسيما حينما جعل الفريق كمال عبد المعروف نائبا للفريق ابنعوف وكان بالامكان عزل كمال ووضع حميدتي ولعل قوش كان يفكر ان يكون نائبا ومن ثم رئيس. وتإخر البيان ثم تأخر اداء القسم وهاج الشارع وماج يرفض ابنعوف ولم يكن هذا ليشغل ابنعوف كثيرا ولكنه سأل الاستخبارات عن نسبة عدم الرضا داخل الجيش فلما علم انها تجاوزت الخمسين في المئة صلي صلاة المغرب ثم قام واعلن عن تنحيه مجنبا البلاد اراقة المزيد من الدماء
وكان البشير قد بات ليلته تلك في قصره المنيف بالقيادة واستيقظ لاداء صلاة الفجر في مسجده الملحق بالقصر جاءه الفريقان البرهان وعمر زين العابدين واخبراه ان البلاد علي وشك الانزلاق نحو الفوضي وان الجيش قد قرر الاستيلاء علي السلطة اجابهم قائلا (قلتو كده علي بركة الله اوصيكم علي الاسلام والسودان) وكان وكأنه يسترجع القسم الذي اداه في ليلة الثلاثين من يونيو1989 مع بقية مجلس قيادة الثورة علي الاسلام والسودان ثم حنث به من بعد وانحرف.
قامت قيادة الجيش بسحب قوة الحراسة الخاصة به وتم استبدالها بقوة من القوات الخاصة قوامها سبعين رجلا. وهكذا ظل المشير عمر البشير مقيما في منزله كقائد اعلي للقوات المسلحة برتبة المشير وبكامل مخصصاته لذلك جاء في خطاب ابنعوف انه تم التحفظ عليه في مكان آمن.
لم تنزل المدرعات في الشوارع كما يحدث عادة في التحركات العسكرية وسري همس ان المدرعات وسلاح الطيران وبعض من الاستخبارات والمدفعية عطبرة ليسوا علي وفاق مع المجلس العسكرى ولربما هنالك بعض التحفظات ولم نلبث الاقليلا حتي سمعنا برئيس هيئة الاركان المشتركة مع قائد قوات الدعم السريع في لقاء بسلاح المدرعات هذا ماعزز الشك في ان امر ما يدور في سلاح المدرعات تمنع حساسية الوضع وسرية العمل العسكري البوح ولعل هذا ما أثر تأثيرا مباشرا علي الموقف التفاوضي للمجلس العسكرى مع قوي الحرية والتغيير.
الفريق ابوبكر دمبلاب هو في الاصل ضابط بالقوات المسلحة شغل موقع مدير مكتب الفريق بكرى حسن صالح حينما كان مديرا لجهاز الامن في بداية الانقاذ من موقعه كعضو بمجلس قيادة الثورة ولان الفريق بكرى كان هو المسؤول عن ملف الاسلاميين في الجيش والعمل الخاص والمجاهدين وما الي ذلك من تكوينات واشرافه علي الامن الشعبي لذلك لم تكن مهمة الفريق ابوبكر دمبلاب عسيرة في ان يضع الجهاز يده علي اي وجود عسكرى او أمني خارج اطار مؤسسات الدولة.
والفريق ابوبكر دمبلاب ليست له علاقة بتنظيم الاسلاميين من قريب او بعيد وكلنا ابناء مدينة كسلا الا ان الفريق شرطة بابكر نائب مدير الشرطة وعضو المجلس العسكري السابق واحد اعضاء مكتب بكرى حسن صالح حينما كان وزيرا للداخلية كان معنا في تنظيم الاخوان المسلمين في كسلا وهو من ابناء قبيلة الحلنقة.
ينتابنا شئ من الغموض والريبة في عملية اعتقال او التحفظ علي رموز النظام ومن الواضح ان انها لم تكن هدفا لذاتها وانما كانت من اجل امتصاص غضب الجماهير ولجم جماح الهياج الثورى ولايبدو انه في النية عقد محاكمات الا ان تكون صورية كمثل تلك التي سوف تدين البشير بحيازة اموال غير مشروعة والحكم عليه بالسجن مما يعقد عملية طلب تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.
عمار محمد ادم