( أهنئ الشعب السوداني بانتصار ثورته وأتمنى أن تنعم بلادنا بالأمن والاستقرار).. عبارة نسبت للقيادي البارز في حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية إبراهيم غندور، حملتها مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع عقب سقوط البشير، بمثلما حملت الأسافير أمس بصورة أكثر كثافة نبأ اختياره رئيساً مكلفاً لحزب المؤتمر الوطني.
(السوداني) بحثت في تفاصيل عودة غندور لدائرة الضوء على خلفية اختياره لقيادة الوطني بمعية مكتب قيادي مصغر مكون من إبراهيم أحمد عمر، أحمد إبراهيم الطاهر، الحاج يوسف آدم، إبراهيم محمود، وجمال محمود.
نبوءة أمين
كثير من المراقبين رأوا في عودة غندور لواجهة الأحداث بعد اختفاء طوعي عن الساحة السياسية منذ أن قرر الرئيس المعزول إقالته من منصب وزير الخارجية، ترجمة حرفية لما قاله القيادي بالمؤتمر الوطني د. أمين حسن عمر في رسالة جاءت رداً على شائعة هروبه إلى خارج البلاد، حيث كتب(انتظرونا قريباً في الساحة السياسية) وهي الرسالة التي أخذتها قوى الحرية والتغيير على محمل الجد.. فانبرى كثير من قادتها يحذرون من سيناريو (الثورة المضادة) ليستعد الثوار بالهتاف ” إن عادوا عدنا للشوارع بالهتاف)..
عودة الإسلاميين فيما يبدو لم تكن عودة لاستعادة السلطة، بقدر ما أنها عملية اختيار البروفسور إبراهيم غندور رئيساً مكلفاً بمهام الحزب في محاولة جادة من قيادات الوطني والحركة الإسلامية للملمة أوراقهم المبعثرة، والانخراط في مراجعات عميقة لتجربتهم في السلطة التي امتدت لثلاثين عاماً.
الشباب سر الاختيار
أوردت صحيفة (آخر لحظة) الصادرة أمس الأول أن المؤتمر الوطني أجرى انقلاب داخل صفوفه وأطاح بقيادته السابقة واختار “البروفسور إبراهيم غندور رئيساً مكلفاً للحزب”.
غندور الذي اختير عبر لجنة خاصة مفوضة بإدارة المرحلة المقبلة، يمثل القاسم المشترك بين قيادات وقواعد الإسلاميين، الذين لطالما رأوا فيه أنه شخص وفاقي، دائم البحث عن مشتركات وطنية بينه والقوى السياسية الأخرى.
وكشف مصدر مطلع أن اختيار غندور من قبل اللجنة الخاصة المفوضة من المكتب القيادي، أتى بضغوط مكثفة مارسها شباب الإسلاميين بعد الانقسامات الحادة الداخلية بين تيار شبابي يرى ضرورة الانتقال لمنظومة سياسية جديدة تجمع الإسلاميين من خارج الوطني، عطفاً على الورقة المقدمة من قبل الشباب التي دعت صراحة لـ”دك” تجربة المؤتمر الوطني بعد أن شخصت الأزمة الأخيرة بأنها أزمة ثقة في الحزب من قبل الجماهير وحتى عضويته إلى جانب انهيار الثقة بين الوطني وجميع القوى السياسية الأخرى كنتيجة طبيعية لخروقات الوطني لالتزاماته السياسية التي كان آخرها انهيار مشروع الحوار الوطني الذي مثل آخر حائط صد له..
وطبقاً لمعلومات(السوداني) تأتي رؤية الشباب مغايرة لرؤى قواعد الحزب في الولايات والمحليات التي دعت لمراجعات فكرية وبرامجية وحددت خيارها الرافض لإنشاء منظومة بديلة للمؤتمر الوطني مطالبة بأفكار وبرامج حديثة.
تقييم الاختيار
ويذهب القيادي بالحركة الإسلامية د.أسامة بابكر سعيد في حديثه لـ(السوداني) إلى أن اختيار إبراهيم غندور في هذا التوقيت يعتبر اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، معتبراً إياه مؤهلاً للقيادة ويمتلك قدرات تنظيمية هائلة وعلاقات سياسية متزنة وشدد أسامة بابكر على ضرورة أن يعترف غندور رسمياً بأن الثورة أمر طبيعي بعد أن أغلقت القيادة مسار جريان الماء فطفا إلى السطح سيل جارف وأن يعترف رسمياً أيضاً بأن الوطني لا يحمي الفاسدين وأي فاسد بداخله أو خارجه يجب أن يقدم للمحاكمة وأن يكون لغندور القدح المعلى في محاربة الفساد، ثم تفريغ الساحة السياسية من العناصر التي تسببت في الأزمة سواء كانت من الوطني أو غيره وتصعيد الشباب والاتفاق على رؤية واضحة تجمع أهل القبلة.
من ناحية أخرى يقول القيادي الشبابي بالمؤتمر الوطني محمد داؤود في تعليقه لـ(السوداني) إن لجنة كونت وتم التوافق على بروف غندور وأن الخطوات التالية بهذا الصدد ستظهر في الأيام المقبلة ويرى أن غندور كفاءة حقيقية وغير كونه طبيباً كان مديراً سابقاً لجامعة الخرطوم والاتحادات النقابية المحلية والدولية ووزير خارجية سابق وهو شخصية توافقية لديها مقبولية واسعة جداً في صفوف الإسلاميين والشعب السوداني وهي خطوة أولى في اتجاه بناء المؤسسات. ويرى أن المطلوب منه قيادة المرحلة لبناء مؤسسات الحزب وانتخابها بشكل ديمقراطي. ويشير إلى أن الكتلة التي تحركت في الشارع ضد الحكومة تحركت من أجل مطالب مشروعة وهي ذات الكتلة التي خرجت في مليونيات مؤيدة للإنقاذ لأن العقد بين أي حكومة وشعبها هو الخدمة وعندما قصرت الحكومة في الخدمة تجاه شعبها خرج عليها وطبيعي جداً يخرج على قوى الحرية أو أي تجمع حاكم سواء كان في الانتقالية أو عبر الانتخابات إن قصروا في خدمة الشعب وبالتالي هذه الكتلة لن تظل في حالة عداء دائم مع الإسلاميين، وقال إنهم لديهم المقدرة على التواصل مع قواعدهم وعموم السودانيين لطرح افكارهم ورؤاهم عقب إجراء المراجعات اللازمة وتقييم تجربتهم السابقة في الحكم.
المشهد والإطار
قلق قوى الحرية والتغيير مما اسمته عودة النظام القديم عبر الثورة المضادة، تنامى بقدر كبير لا سيما عقب بداية الفترة الانتقالية بتولي عبدالله حمدوك رسمياً لمنصب رئيس الحكومة، نظرياً يبدو أن اتهامات قوى الحرية والتغيير، وجدت ما يعززها ، بفرضية أنها كانت ترقب في أن يمهد المجلس العسكري لها الطريق، عبر تحقيق مطالبها باعتقال قيادات ورموز النظام السابق وتصفية وجوده وحل حزب المؤتمر الوطني، وتطهير الخدمة المدنية من عناصر الإسلاميين. لكن فيما يبدو أيضاً أن المجلس العسكري الانتقالي، حدد لنفسه بدقة قبل بداية الحكومة المدنية الانتقالية الجديدة الوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والمدنية في البلاد، حيث أكد رئيس المجلس العسكري السابق رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان أنه لا إقصاء لأحد مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة محاسبة كل من ارتكب جرماً أو فساداً بتقديمه لمحاكمة عادلة، وهو ما يعني أن المجلس العسكري الذي يبدو أنه خبر تجارب الانتقال في السودان ينأى بنفسه بعيداً عن الصراع السياسي، رغم أنه حقق جزءاً كبيراً من مطالب قيادات قوى الحرية والتغيير بالتحفظ على ممتلكات وأصول حزب المؤتمر الوطني. وهي ذات المعاني التي حملها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في أول مؤتمر صحفي له يوم أمس الأول، حيث أكد أنه سيكون رئيس وزراء لكل السودانيين، وتعهد بإقامة دولة العدل والقانون.
الإسلاميون في المشهد
أما من جهة الإسلاميين الذين يمتازون بخاصية القدرة على إدارة الصراع السياسي، يبدو أنهم تلقوا رسالة المؤسسة العسكرية بجدية، وبدأوا يتعاملون مع الواقع السياسي عقب سقوط نظامهم، على نحو يجنبهم الاصطدام بالمؤسسة العسكرية، حيث شرعوا من تلقاء أنفسهم سراً وعلانية في إزالة ” المتاريس” من أمام المجلس العسكري، فبحسب قراءاتهم الداخلية وتحليلهم للواقع، أدركوا خطورة الصراع السياسي على استقرار البلاد خلال الفترة الانتقالية، ومعرفتهم الدقيقة بفداحة الخسارة السياسية التي تعرضوا لها، ويبدو أن اختيار غندور لقيادة المؤتمر الوطني خلال المرحلة الراهنة، يستهدف تجنب المنزلقات التي قد يقدم عليها الإسلاميون، وسيحتفظ بما لديه من مقدرة على ضبط إيقاع الحزب وعضويته على نحو لا يعكر صفو الفترة الانتقالية.
الخرطوم: عبد الباسط إدريس
صحيفة السوداني