* تمنيت أن تخسف بي الأرض وأنا استمع للمتحرى يتلو أقوال المخلوع في المحكمة أول أمس، بأن الاموال التي ضبطت بحوزته ملك له وليست للدولة، ومنها 25 مليون دولار هدية من الامير محمد بن سلمان تسلمها من مدير مكتبه (طه عثمان)، ومليون دولار هدية من الأمير محمد بن زايد اعطاها له في ظرف .. !!
* تخيلوا كان هذا هو الرئيس الذى ظل يحكمنا طيلة ثلاثين عاما ويهين كرامتنا أمام رؤساء الدول، وعندما خُلع من منصبه وقُبض عليه وفى حيازته ملايين الدولارات بينما الشعب يموت من الجوع والمرض والغلاء الطاحن، لم يتورع عن فضح نفسه والاعتراف بدون أي حياء او خجل بمهانته ورخصه ودناوته، معتقدا انه سينجو بذلك من السجن الذى سيدخله إذا اعترف بسرقة المال العام !!
* قارنوا بالله عليكم بين هذا المرتزق الرخيص وبين الرجال الاشاوس الذين كانوا يحمون العرين ويمثلون الجندي السوداني والشرف السوداني وعزة النفس السودانية، في يوم من الايام !!
* في عام 1961 عندما حشد الرئيس العراقي (عبدالكريم قاسم) قواته وهدد باجتياح دولة الكويت الشقيقة، أرسلت الجامعة العربية قوة عربية مشتركة ضمت كتيبة من الجيش السوداني لحماية الكويت، وعندما انتهت المهمة واصطفوا في المطار ليركبوا طائرتهم عائدين، تقدم أحد أمراء أسرة الصباح وسلم كل عسكري ظرفاً ضخماً محشواً بالمال والساعات الفاخرة، وما ان انتهى من ذلك حتى تقدم قائد القوة اللواء (صديق الزيبق)، وصاح بأعلى صوته موجهاً النداء لضباطه وجنوده:
“طابور صفا … انتباااااه”
“أرضا ظرف” ..
ونفذ جميعهم الأمر ووضعوا الظروف على الأرض بدون أي تذمر.
“معتددددددل مارش”
* ثم تحركوا وركبوا طائرتهم تاركين الظروف والساعات على الأرض، ووقف كل من حضر هذا الموقف العجيب مشدوهاً!!
* كانت الرسالة التي أراد قائد القوة السودانية أن ينقلها للأشقاء الكويتيين (لا شكر على واجب، نحن لسنا مرتزقة .)
* بسبب ذلك الموقف العظيم ولما عرف به الجندي السوداني من بسالة واقتدار، استعانت دولة الكويت فيما بعد بعدد من الضباط السودانيين لإنشاء أول كلية حربية بالدولة الكويتية، وكان أمير الكويت يستقبلهم بنفسه أثناء فترة عملهم إذا دعت الحاجة، بدون أي حواجز أو قيود وفي أي وقت من الأوقات!!
* ذلك الموقف الرائع تم إنتاجه في فيلم سينمائي قصير بواسطة الأستاذ (عباس أحمد الحاج) بطلب من سفيرنا وقتذاك في دولة الكويت، وتسليمه الى وزير الخارجية الكويتي الذي بكى عند مشاهدته له وقد كان وقتها شابا يقف بجوار والده الأمير الذى اتصل بوزير الدفاع الكويتي وطلب حضوره، وعرض عليه الفيلم فبكى أيضاً وأمر بتجهيز خمسة آلاف نسخة وتوزيعها على جميع الوحدات في الجيش الكويتي.
* بعد سنوات طويلة من تلك الواقعة، كان وفد سوداني من النظام المخلوع في زيارة لوزير الخارجية الكويتي لشرح اتفاقية سلام بين النظام ومتمردي شرق السودان، فاستأذن الوزير بضعة دقائق ثم حضر وفى معيته الفيلم واستأذن الوفد لمشاهدته والذى فوجئ به، وعندما انتهى الفيلم أشار الوزير الكويتي للشاشة، وقال من أجل هؤلاء تتبرع الكويت بأربعة مليار دولار لدعم الشرق !!
* هؤلاء هم الرجال الحقيقيون الذين خدموا السودان وهم أحياء، وخدموه وهم في رحاب الله، رحمهم الله.
* لو كنت مكانك أيها المخلوع لفضلتُ الشنق على الحياة يوما واحدا بهذه الفضيحة، ولكن .. “لا يُراضِ الذلَ أن ينزل به ابداً * إلا الجبان وضيع النفسِ والشيمِ”!!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة