* توقعتُ اعتذار الرئيس المصري عن حضور حفل التوقيع على الوثيقة الدستورية وبداية الفترة الانتقالية فلم يخذلني، رغم انه كان من المفروض ان يكون اول الحاضرين في مناسبة كبيرة مثل هذه ليست مجرد احتفال بروتوكولي تقليدي، وانما مولد شعب من جديد .. شعب جار وشقيق تربطه أواصر التاريخ والجغرافيا والنيل والدين واللغة والدم بشعب مصر.. إلخ كما ظل المصريون والاعلام المصري يرددون كلما حلا لهم تخديرنا بالكلام المعسول، رغم انهم يدركون تمام الإدراك أننا نعرف نواياهم الحقيقية، ونشاطرهم نفس المشاعر ونفس الرأي.
* كما أنه رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي الذى رعى المفاوضات بين الأطراف السودانية، وبذل فيها المندوب الأفريقي ورفيقه الإثيوبي كل الجهد وسكبوا عصارة خبرتهم ومحبتهم لشعب السودان حتى وصلت الى نهايتها السعيدة بالاتفاق، في وقت صعب جدا كان من الممكن ان ينحدر فيه السودان الى هاوية سحيقة من العنف والفوضى لا يتوقف ضررها عند حدوده فقط، بل تتمدد الى كل الاقليم والدول المجاورة وعلى رأسها مصر لو لم تتفق الاطراف السودانية، وهذه وحدها ميزة كان يجب أن تستدعى حضور الرئيس المصري للتعبير عن دعمه للاتفاق والدولة السودانية، إن لم يكن يرغب في مشاركة الشعب السوداني فرحته في حدوث التغيير الذى قدم من أجله أغلى التضحيات، وهى مشاركة كنا سنقدرها ونحفظها له في الضمير الرسمي إن لم يكن في الضمير الشعبي المتورم من الاستعلاء المصري!!
* غير أن الرئيس المصري آثر الغياب واكد نهج الاستعلاء الذى ظل المصريون يمارسونه على السودان منذ وقت طويل، ولا يرون فيه غير جزء من دولتهم تمرد عليهم وانشق عنهم بمؤازرة الاستعمار البريطاني ولا بد من استعادته بالقوة يوما ما، أو فناء خلفي يلجؤون إليه عند الحاجة وانسداد الدنيا في وجوههم، أو خزان لحفظ الماء، أو مورد للخدم والبوابين الذين يقفون امام ابواب مساكنهم، يحرسونهم ويخدمونهم ويسبحون بحمدهم، كما ظلت السينما المصرية تصور السودانيين وتسخر منهم منذ مولدها وحتى اليوم !!
* لعلم الرئيس المصري، فإن المتضرر من هذا الغياب واستمرار حملة الاستهتار والاستعلاء على الشعب السوداني، ليس السودان أو شعب السودان، وإنما النظام المصري والدولة المصرية التي تفقد كل يوم عددا لا يستهان به من السودانيين الذين ظلوا يحملون راية الدفاع عنها في المحافل السودانية المختلفة، وانضمامهم الى معسكر ناقديها وكارهيها الذى يغديه سلوكها الجائر وسياساتها الخاطئة ضد السودان وشعبه والاستهانة به واحد النماذج هو غياب الرئيس المصري غير المبرر عن اهم حدث سوداني منذ الاستقلال، ومحاولاتها المستمرة لفرض إراداتها عليه والاستهانة بسيادته باستمرار احتلال حلايب ورفض كل المقترحات لإيجاد حل مقبول بما في ذلك اللجوء الى التحكيم الدولي الذى قبلت به مصر لحل مشكلة (طابا) مع إسرائيل، بينما رفضته لحل مشكلة (حلايب) مع (الشقيق) السوداني واستمرار الاحتلال اعتمادا على قانون القوة، وهو جرح غائر لن يندمل في الضمير السوداني وسيظل يغذى الكراهية في نفوس السودانيين الى ان تعود الارض المغتصبة الى الوطن، أو تجد المشكلة حلا عادلا يرتضيه الجميع!!
* يكفينا فخرا اننا شاركنا مصر في كل حروبها ضد العدو الإسرائيلي، وفتحنا أبوابنا واسعة لاستضافة جيشها وكليتها الحربية خلال فترة العدوان، ودعمنا رئيسها المهزوم في عام 1967 بما اعاد اليه الروح من جديد بينما كان كل الشعب العربي يطالب بإعدامه، وصالحناه بالزعماء العرب وعلى رأسهم العاهل السعودي الملك فيصل فمنحوا مصر مليارات الدولارات لإعادة بناء دولتها وجيشها من جديد، وكنا الوحيدين الذين ساندوها عندما قاطعتها كل الدول العربية وقطعت علاقتها معها بعد اتفاقية الصلح مع اسرائيل، ووفرنا لها المعلومات والوثائق التي أثبتت حقها في (طابا) فعادت الى حضنها .. ولا نمن عليها بذلك ولا ننكر بعض افضالها علينا، ولكن لماذا تصر على الاستهانة بنا والتعالي علينا وكأننا عبيدها؟!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة