الهندي عزالدين: كنتُ أرى سقوط النظام رأي العين، غير أنني كنتُ أريد الهبوط الآمن للوطن وليس للرئيس

الوطن .. خطنا الإستراتيجي
كتبتُ هنا قبل أيام .. لا خيار أمام المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير سوى الوصول لاتفاق دستوري نهائي يُنهي حالة عدم الاستقرار واللاوعي التي اجتاحت الساحة السياسية خلال الأسابيع الماضية ، ما هدّد بلادنا بانهيار كامل لا يُبقي ولا يَذر.
لقد دعونا هنا بإلحاح منذ فترة للاتفاق بين الطرفين – والأرشيف موجود على الشبكة العنكبوتية – حيث حذّرنا المجلس العسكري أكثر من مرة من الاغترار بما دانت له من سلطة مؤقتة ، كما حذرنا كثيراً قوى الحرية والتغيير ، وسنظل نراقبها ونحذِّرها ، ما دمنا نمتلك أقلامنا وحريتنا ، ننافح بها من أجل الحق والإصلاح ، تماماً كما كنا نفعل في سنوات النظام السابق ، علِم بذلك مَنْ كان له بصر وبصيرة وقرأ لنا سنواتٍ من المناصحة ، وزايد علينا مَنْ زايد وأنكر من أنكر وحسبنا في مَنْ حسبنا وفق تقديرات وتصنيفات كل فرد أو جماعة أو حزب ، لا يهمنا لا هؤلاء .. ولا أولئك ، بل يهمنا العقلاء والحكماء وأصحاب البصر والبصيرة من أبناء شعبنا العزيز العظيم.
كنا نريد للرئيس السابق أن يقود هو التغيير ، وأن يفعل بنفسه أفضل مما فعله اليوم المجلس العسكري و(قحت) ، ليمنع عن بلادنا وشعبنا شبح المخاطر والفوضى واحتمالات تلاشي الدولة ، وكان بإمكانه أن يفعل ،

وقد طرحتُ عليه في هذه المساحة وعبر الأسافير مبادرة مقروءة ومعلومة لقطاعات واسعة ، وشرعتُ في تطبيقها عملياً بلقاء غير صحفي وغير مُعلن مع زعيم حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي” مع ثلاثة من قيادات المؤتمر الوطني بحضور نجله الرجل المحترم الأمير “عبدالرحمن الصادق” ، واستمر اللقاء في داره بالملازمين لأكثر من ساعتين ، وتم تبليغ مخرجاته لقيادة حزب المؤتمر الوطني عبر جلسة أخرى مع رئيس الحزب المكلف مولانا “أحمد هارون” في شهر فبراير الماضي ، قبل أقل من شهرين من الإطاحة بالنظام ، وكنتُ أرى سقوط النظام رأي العين ، غير أنني كنتُ أريد الهبوط الآمن للوطن وليس للرئيس.

كان يمكن أن تمضي الأمور إلى نهاياتها السعيدة بإعلان الرئيس “البشير” عدم ترشحه في الانتخابات المقبلة في 2020م ، وتعيين رئيس وزراء قومي من خارج عضوية المؤتمر الوطني ، وتشكيل حكومة انتقالية تكون مسؤولة عن قيام انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ، وكانت تلك عناصر المبادرة .

لكن الرئيس بإيعاز من متآمرين ومُغفلين حوله ، باغتنا بتعيين “محمد طاهر أيلا” رئيساً للوزراء ، فاختار بالتنسيق مع رجال حول الرئيس أضعف حكومة في تاريخ (الإنقاذ) ، ثم بدلاً من أن يساعد الرئيس في الخروج من الأزمة المستغلقة ، أخذ يُصفِّي في حساباته الشخصية ، منشغلاً بإقالة عدد كبير من وكلاء الوزارات وموظفي الخدمة المدنية ومدير هيئة الموانئ !! البلد على شفا الهاوية والنظام على وشك السقوط و”أيلا” مُنصرف عن كل ذلك برفت “جلال شليّة” !!

وأخذ الانتهازيون في صحافتنا يمدحون في “أيلا” ويحدثون الناس عن قدراته التي لم تتجاوز مهرجانات سياحة هزيلة ، حيث لا تسوق في “مدني” و”بورتسودان” ، وبناء بضعة كيلومترات من الإسفلت و(الإنترلوك) !!

و فقد الرئيس السابق البوصلة في آخر شهور حكمه ، وضلّله مَن ضلّله مِن رجال في دائرته القريبة ، غباءً أو مؤامرة ، فحدث ما حدث وكان متوقعاً لكل ذي حاسة سياسية (تذكرون أنني نبهت الرئيس للإبقاء على الفريق أول “بكري حسن صالح” في منصب النائب الأول ،رغم إخفاقاته في موقع رئيس الوزراء و ذلك لرمزيته في الجيش ، فأطاح به الرئيس ، فانكشف فوراً ظهره في الجيش) . جملة من القرارات المرتبكة دفع ثمنها غالياً جداً .

يجب أن يفهم الجميع أن الانقلاب على الرئيس من داخل المؤسسة العسكرية والأمنية كان هو العامل الأهم والقرار الفصل في الإطاحة به ، وليس المظاهرات التي توسلت بها اللجنة الأمنية واستدعتها إلى القيادة العامة للجيش في (6) أبريل بعد أن ضعفت وتقطعت بنهاية مارس ، توسلوا بالاعتصام المصنوع المدعوم لتنفيذ الانقلاب .. وقد كان !! هذه هي الحقيقة المُرة كما هي ، دون إدعاءات أو بطولات زائفة .

لقد مضت (الإنقاذ) بخيرها وشرها ، وعلينا أن ندعم كل وطني غيور ساعٍ من أجل استقرار بلادنا ، عسكرياً كان أم مدنياً .
لقد دعمنا المجلس العسكري إعلامياً ليكون هذا الاتفاق ، وليس للانفراد بالسلطة فتكون (عسكرية) صرفة .. كان ذلك خطنا الإستراتيجي في هذه الصحيفة ، وسيظل خطنا قوياً ومتوازناً لأجل السودان ،

لن نصفق للباطل ولن نتودد لـ(قحت) ، سندعم رئيس الوزراء إن أحسن ، وسنقارعه إن مال عن الحق والعدل وأخطأ في أداء مهامه التنفيذية وجارى التصفويين والإقصائيين والفاشلين ، ولن يستطيع كائنٌ مَن كان أن يخمد جذوة هذا القلم بإذن الواحد القهار.
إن الله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الهندي عزالدين
المجهر

Exit mobile version