إتفاق الأمة والعدل والمساواة تحت المجهر

اتفاق حزب الأمة القومي مع حركة العدل والمساواة مثَّل مفاجأة لدى البعض، فيما كان آخرون يتوقعونه لأسباب ومبررات مختلفة، (الرأى العام) تلقي هنا مزيداً من الأضواء على مواقف القوى السياسية من الاتفاق.
—-
الاتفاق بالنسبة لفاروق أبو عيسى القيادي بالتجمع الوطني ليس غريباً أو مفاجئاً، بل هو جدير بالتحية، فالطرفان تجمع بينهما معارضة النظام، رغم أن لكل منهما وسائله لتحقيق أهدافه، خاصة وأن تصريحات حزب الأمة في الفترة الأخيرة مضت في اتجاه اتهام الوطني بعدم الالتزام باتفاق التراضي، ويلفت أبو عيسى لما يعتبره توجهاً عاماً لقوى المعارضة صوب التوحد إزاء المخاطر العديدة التي تواجه البلاد، مثل اقتراب موعد الاستفتاء على الوحدة أو الانفصال، وقضية المحكمة الجنائية الدولية التي لا تزال تشكل تهديداً، وأزمة دارفور، ويضيف إلى ذلك ما يعتبره فشل في إدارة الملف الإقتصادي ومعالجة الغلاء الفاحش في أسعار السلع الأساسية، وعدم انتظام خدمة الماء والكهرباء، كعوامل تقود القوى السياسية المختلفة للإلتقاء عندها، ويبدي ترحيبه بالاتفاق ويحمله على أنه امتداد لتحالف الأحزاب المعارضة لكون الأمة القومي أحد أبرز مكونات التحالف، إضافة إلى أن أجندة الاتفاق بين الأمة والعدل والمساواة هي أجندة المعارضة، كرفض أن تقام الانتخابات المقبلة على أساس نتائج التعداد السكاني الأخير، والمناداة بتشكيل حكومة قومية تتولى إجراء الانتخابات، ويرى أن اجتماع الأحزاب المعارضة المزمع عقده في جوبا مثله مثل اتفاق العدل والأمة يصب في خانة توحيد المواقف والرؤى، ويدعو أبو عيسى بقية الحركات الدارفورية للانضمام إلى خط التحالف، ويرى أن الاتفاق يزعج المؤتمر الوطني بسبب أن الأخير يعتبره خصماً عليه، ويمضي أبو عيسى إلى أن العدل والمساواة ليست بحاجة إلى أن يعترف طرف ما بشرعية ممارستها للعمل المسلح. لكن الاتفاق يمكن النظر إليه في إطار جهود القوى المعارضة للالتقاء على موقف استراتيجي يتفق عليه الجميع، مع احتفاظ كل حزب بالعمل على طريقته وحرية عقد اتفاقات (جانبية).
نظرة صديق يوسف القيادي بالحزب الشيوعي للاتفاق لا تبدو بعيدة عن الاتفاقات الجانبية، فهو بحسبه اتفاق سياسي بين قوتين سياسيتين، لا جديد فيه، ولم يخرج عن المطالب العامة للمعارضة كحل قضية دارفور ووقف الحرب، ودعم جهود الإغاثة، ويضيف يوسف أن حزب الأمة لم يغير من مواقفه السابقة، ويقول إنهم متفقون حول الأجندة التي أتت في اتفاق الأمة مع العدل والمساواة لكنه يضيف أن ذلك لا يعني أنهم يتفقون مع حركة العدل والمساواة في غير هذه الأجندة، ويلفت إلى أن ما أورده الاتفاق في حد ذاته لا يزعج الوطني فهو لم يخرج عن مواقف الأمة القديمة لكن الانزعاج لدى الوطني مبعثه اقتراب الأمة من حركة العدل والمساواة.
وفي إفادته لـ (الرأي العام) يقول أتيم قرنق القيادي بالحركة الشعبية إن حزبه لم يصدر بعد موقفه من الإتفاق الأخير غير انه ووفقاً لرؤيته الشخصية أبدى قرنق إندهاشه من إتفاق القاهرة وأضاف: كان الإتفاق مفاجأة سياسية وأيدولوجية بالنسبة لي وأضاف: وتنبع دهشتي لتباين مفهوم الإسلام لدى كل من الأمة القومي والعدل والمساواة، فبينما يتبنى الأمة منهج الإسلام الصوفي نجد أن العدل والمساواة تنطلق من مبدأ الإسلام السياسي وبالتالي تختلف رؤية كل منهما خاصة لغير المسلمين وهو الأمر الذي يجعل من موقفهما الموحد مفاجأة بكل المقاييس.
ويرى قرنق إمكانية عد الإتفاق ضمن خانة الإيجاب حال كان الغرض منه تحقيق السلام أو تعضيد سلام موجود سلفاً. وقال: لو عمل الإتفاق على تحقيق تلك الإغراض (تحقيق السلام وتعضيده) فإنه سيكون مصدر إجماع من الشعب السوداني غير أنه وبالضفة الأخرى من الإحتمالات شدد قرنق على رفضهم الإتفاق حال عمل على إطالة أمد الحرب.
ويشير قرنق الى فرضية بالغة الأهمية وهي أن يكون الإمام الصادق المهدي أقنع خليلاً بالسلام وذلك لإستحالة قيام الإنتخابات في ظل أجواء الحرب.
وفيما نصت الإتفاقية على إنتهاء أجل الحكومة القائمة في التاسع من يوليو المقبل يلفت قرنق الى أهمية جلوس الشريكين حول منضدة الحوار ومن ثم إستصدار بيان يوضح دواعي إستمراريتهما في إدارة شئون البلاد إستناداً إلى دستور السودان الإنتقالي وإلا فإنه ومن حق أي حزب الإعتقاد بوجود خطأ إجرائي في صيغة الحكم القائمة بعد التاريخ المعلن.
ويقول محمد المعتصم حاكم القيادي بالحركة الشعبية إنه من حيث المبدأ فإن أي إتفاق لحزب سياسي في السودان مع أي فصيل من فصائل دارفور يساعد على حوار يقود في النهاية إلى سلام، وان ذلك يعتبر في حد ذاته خطوة إيجابية وليس امرًا مضراً، خاصة إذا توسعت اللقاءات الثنائية وأشركت الأطراف كافة وصولاً لحل سياسي شامل. واضاف ان تفاقم أزمة دارفور والتطور الذي أصابها يجعل كثيراً من القوى السياسية تبحث عن حل منفرد، لكنه قال نحن في النهاية ندعو كل القوى السياسية للمشاركة مع حكومة الوحدة الوطنية والمؤتمر الوطني مشاركة كاملة برؤية متفق عليها وصولا لحل سلمي للقضية الدارفورية، ويستدرك حاكم: وفي نفس الوقت ندعو القوى السياسية والعسكرية لتوحيد رؤيتها التفاوضية، ويضيف: الذي يحدث الآن غير مفيد، يجب توحيد رؤى الحركات ومواقفها، وقبل ذلك يجب أن يتم اتفاق فوري لوقف إطلاق النار.
ويرى حاكم أن الإتفاق حمل كثيرا من النقاط الإيجابية، وقال إنه اثار قضايا تحتاج لمعالجات، مثل قضية التعداد السكاني والإتفاق على معالجات لأنه يكاد يكون هنالك ملاحظات عليه من كافة القوى عدا المؤتمر الوطني، وأضاف يجب أن يكون عليه إجماع وطني.
لكن حاكم يقول أيضا ان لديهم تحفظات على بعض النقاط التي وردت في الإتفاق، ويثير نقطة تحديد زمن لنهاية الحكومة الحالية، ويستطرد: أنا انتقد تحديد زمن، فالفترة الإنتقالية برنامج وليس زمناً، وهو مربوط بانجاز الحكومة لمهامها، ويتساءل: هل انجزت الحكومة مهامها؟.. يجب أن يتم انجاز المهام، ومنها ينطلق الناس للقضايا الأخرى، لقد جربنا إنهاء الفترة الإنتقالية قبل إنتهاء مهامها من قبل وفشلنا..
ويشدد عبد الجليل الباشا الأمين العام لحزب الأمة الإصلاح والتجديد على حق الأحزاب كافة في عقد الإتفاقات مع الجهات المتماشية ومبادئها وخطوطها السياسية وفي ذات المنحى يشير الباشا الى توافق رؤاهم وما طرحه إتفاق القاهرة، غير أنه يبدي إمتعاضه من الصيغة الثنائية التي دمغته ويقول : وصلت أزمة البلاد لمرحلة هي أكبر من أي إتفاق ثنائي والمطلوب جلوس القوى السياسية والحركات المسلحة إضافة لقوى المجتمع المدني والتواضع والإتفاق على أمهات القضايا السودانية ومن ثم يلي ذلك الخروج بآليات يتم عبرها إنفاذ ما تم التوافق عليه.
ويعتبر الباشا أن بنود الإتفاق الموقع بالقاهرة تتطابق وما تمخض عنه إجتماع رؤساء الأحزاب السياسية بدار المؤتمر الشعبي (القضايا القومية والإنتخابات).
وفي السياق ذاته يشير الباشا الى إنتهاء أجل صيغة الحكم القائمة بتاريخ التاسع من يوليو وذلك وفقاً لدستور السودان الإنتقالي. وقال لا بد من قيام حكومة قومية تعمل على إدارة الإنتخابات المقبلة بصورة حرة ونزيهة.
ويشدد الباشا على أهمية تحديد الأمة القومي لمواقفه مما يدور في الساحة ويضيف إن على الأمة تحديد خطه السياسي بصورة واضحة، وأن للأمة إتفاقات مع المؤتمر الوطني (التراضي الوطني) وإتفاقات مع القوى السياسية، كما أنه يسير في الطريق لعقد إتفاقات والحركة الشعبية هذا كله بالإضافة لإتفاقه الأخير مع حركة العدل والمساواة يستدعي توضيح الرؤية والموقف، ويشدد الباشا على أهمية تناغم الرؤى والمواقف والإتفاقات.
ويقول د.الطيب زين العابدين المحلل السياسي تعليقاً على الاتفاق إن الصادق المهدي وبعض قادة حزب الأمة لم يكونوا راضين عن مستوى تنفيذ اتفاق التراضي واشتكوا من ذلك أكثر من مرة، وبالرجوع لاتفاق التراضي فإن فيه الكثير عن قضية دارفور، وتحدث الصادق عن (41) قانوناً طالب بتعديلها في التراضي لكنها لم تعدل، بل أهمل الاتفاق ولم تتم مشاورة حزب الأمة في قانون الصحافة، وتم على نحو مفاجئ عقد ملتقى كنانة فأصبح التراضي في حكم المنتهي، وبالتالي لجأ الصادق المهدي إلى جهات أخرى.
الاتفاقات الشبيهة بتلك التي وقعها الأمة وحركة العدل تدخل في حكم المسموح به، بل والمحمود في السياسة بالنسبة لزين العابدين، إذ يجوز بحسبه البحث عن حلفاء جدد، والمؤتمر الوطني نفسه يفعل ذلك ويبحث عن حلفاء جدد ويعقد اتفاقات، ويضيف أن ردة فعل الوطني إزاء الاتفاق مبالغ فيها، وأن الدعوة لحكومة قومية لا تعني اسقاط المؤتمر الوطني والحكومة، وأن مثل تلك الدعوة ليست من المحرمات خاصة وأن الحكومة لم تأت عبر الانتخابات، لكنها تشكلت عبر تسوية سياسية، كما أن الاتفاق لم ينص على اسقاطها بقوة السلاح أو المظاهرات والانتفاضة، إلى جانب أن تشكيل حكومة قومية يتطلب تسوية سياسية ما يعني أن المؤتمر الوطني سيكون مشاركاً فاعلاً فيها.
الجانب الإيجابي الآخر الذي يراه د.زين العابدين في اتفاق الأمة والعدل هو الوصول إلى قوة سياسية من الحركات المسلحة، ما يعتبر كسباً لاتجاه التغيير السلمي آخر الأمر، أما الحديث في الاتفاق عن التعاون مع الجنائية فليس جديداً، ويضيف أن المؤتمر الوطني يدفع الآن ثمن اهمال التراضي.
ما حمل الصادق على الاتفاق مع حركة العدل ليس فقدان الأمل في التراضي وتطبيقه فحسب، لكن د.صلاح الدومة المحلل السياسي يقول إن قواعد حزب الأمة توجد في منطقة دارفور، ما يجعل الصادق مطالب بالرضوخ للأمر الواقع ومراجعة مواقف الحزب هناك ولو عبر توقيع مثل هذا الاتفاق، أما بالنسبة لحركة العدل والمساواة فيرى الدومة أنها خرجت بالكثير من الاتفاق، فالحركة ربما كانت تعتبر الأمة عدواً للوطني وتتعامل بمبدأ عدو العدو هو صديق، إلى جانب كونها قد حظيت بعد الاتفاق بنوع من الإعتراف والندية.
مكاسب حركة العدل والمساواة من الاتفاق لا تقتصر على الاعتراف فقط، لكن د.عبده مختار أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية يرى أن الحركة كان ينظر إليها في السابق على أنها جهوية، ومنحها الاتفاق مسحة قومية ومقبولية، على الأقل في دارفور معقل الأنصار، أما لناحية حزب الأمة فإن د.عبده يقول إن الخطوة غير موفقة بالنسبة لحزب رائد أرسى مع الحزب الاتحادي دعائم الديمقراطية والحزبية، ويضيف أن الانقسامات والخلافات التي عانى منها حزب الأمة خلال المرحلة الأخيرة جعلته يسعى للإستقواء بالعدل على اعتبار أنها حركة مسلحة وقوية يطمح إلى تأكيد وجوده من خلالها، ويعتبر أن الخطوة كانت متسرعة وربما كانت نكسة لحزب الأمة الذي اختار التمترس مع حركة متمردة عوضاً عن تطوير نفسه مع معطيات الواقع السياسي.
المصدر :الراي العام

Exit mobile version