في صدر سورة الروم يخبر الله تعالى عن هذه الأمّة وهم أمّةُ ((أوروبا ))بمصطلح اليوم ؛ أنّهم رغم هزيمتهم النكراء أمام إمبراطورية الفرس سوف يستردون المبادرة ويحققون نصرا حاسما على أعدائهم في بضع سنين والبضع أقل من عشرة، وقد حدث ذلك كما أخبر الله تعالى ،وهنا يتبادر السؤال عن سِرِّ هذا التحول في ميزان القوى ياترى إلى ماذا يعود!!
(وَهُمّ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهم سَيَغْلِبُون)
♦️لقد يَسّر الله للروم الانتصار والتمكين لأنّ فيهم من الخصائص والصفات والسجايا والخلال ما يتوافق مع متطلبات سُنَن النصر والتمكين،فماهي تلكم المتطلبات والسُنَن؟
♦️روى مسلم في صحيحه
في كتاب الفتن وأشراط الساعة – باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس؛
قال : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ” تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ” ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : أَبْصِرْ مَا تَقُولُ ، قَالَ : أَقُولُ : مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لَئِنْ ، قُلْتَ : ” ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ ، وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ ” .
في هذا الحَديثِ بَيانُ عَلامةٍ من عَلاماتِ يومِ القيامةِ، وهي كثرةُ الرُّومِ عنْ غَيرِهم، فلمَّا سَمعَ عمرُو بنُ العاصِ هذا الحديثَ منَ المُستورِدِ بنِ شَدَّادٍ قالَ لَه: (أَبصرْ ما تَقولُ)، أي: تأكَّدْ ممَّا تقولُ، فلمَّا أكَّد لَه المُستورِدُ أنَّه سَمِعَه منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، علَّل عَمرُو بنُ العاصِ رَضي اللهُ عنهُ سببَ كَثرَتِهم آخرَ الزَّمانِ بهَذِه الصِّفاتِ، وهيَ:
♦️(أَحلمُ النَّاسِ عندَ فِتنةٍ)، أي: العقلُ والتَّثبيتُ عندَ وُقوعِ الفِتنِ،
♦️(وأَسرعُهم إفاقةً بعدَ مُصيبةٍ)، أي: أَخْبَرُهم بعِلاجِها والخُروجِ منها،
♦️(وأَوشكُهم كرَّةً بَعدَ فرَّةٍ)، أي: المُبادرةُ إلى القِتالِ بعدَ الهَزيمةِ،
♦️(وخَيرُهم لِمِسكينٍ ويَتيمٍ وضعيفٍ) في الإِحسانِ إليهمْ،
♦️(وأَمنعُهم مِن ظُلمِ المُلوكِ)، أي: مُلوكُهم لا يَظلِمونَهم، وهذه الخَصلةُ استَحْسَنَها عمرٌو رضِي اللهُ عنه، وقال عنها: حَسنةٌ وجميلةٌ .
♦️إنّ من ينظر بعين الإنصاف إلى أوربا وصفات أهلها سيلاحظ تلك الخصال التي ذكرها عمرو بن العاص .
فالأولى :هم أحلم الناس عند فتنة.. فلا تعرف بلادهم الفتن التى لا حَلّ لها أو الحروب والصراعات السياسية التى تجعل الحليم حيران..
يحسنون إدارة التنوع
فلا يفكر أحدهم فى أذى أحد أو مخالفة القوانين.. فكل فرد يعرف حقه فيطلبه ويلتزم واجبه فيؤديه.
والثانية :«وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة» فكم مرت على أوروبا من مصائب عامة ومتنوعة، ولكنها تفيق سريعا وتنهض من كبوتها وكأنّ شيئاً لم يكن بل وعادوا أقوى مما كانوا.
أمّا الثالثة : فهى «أوشكهم كرة بعد فرة» فما هزموا مَرّةً إلا وانتصروا بعدها.. وما انتكسوا مَرّةً إلا وانتفضوا بعدها.. لأنّ دولهم ومؤسساتهم إلتزمت مبدأ المراجعة والتصحيح والنقد الذاتى والتصويب للأخطاء.
أمّا الرابعة فهى: «وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف».. فترى فى أوروبا من صور الإنسانية مايُجَسِّد لك قول الله تعالى :(ولقد كرمنا بني آدم )
أمّا دُرّة الخصال جميعا ً فهى «وأمنعهم من ظلم الملوك» وهى أبرز صفات أوروبا الآن.
فالحاكم مثل الرعية لا يتكبر عليهم ولا يستطيل عليهم ولا يرى نفسه فوقهم بل هو خادم لهم جاء بإرادتهم ولتيسير حياتهم..
وهنا يحضرني قول الشاعر
ومن العجائب والعجائب جمة
قرب الدواء وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول.
رغم أنّ هذه الصفات كلها فرضها الإسلام على المسلمين وألزمهم بها إلا أنّ بلاد المسلمين بينها وبين هذه الصفات بعد المشرقين.
وهنا مكمن الداء وسبب البلاء وعلة التخلف والعناء
فسنن الله لا تحابى أحدا من خلقه..
فلا تجامل المؤمنين لإيمانهم ولا تظلم غيرهم لكفرهم.. فمن أخذ بأسباب النصر انتصر ولو كان كافرا.. ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم حتى لو كان مؤمنا..
إنّها“سُنّةُ الله ولن تجد لسنة الله تبديلا”… فهل نعي الدرس أم نكتفي بتوعد الحضارة الغربية بالزوال لنبرر عجزنا نحن عن إقامة الحضارة البديلة
سلامٌ على عمرو بن العاص.
كتبه ✍? مُدّثر أحمد الباهي