عبد الرحمن بشير: لا حياة بدون حرية

الحياة تكون جميلة ورائعة بالحرية ، ويبدع الإنسان فى ظل الحرية ، ويكتب بلا خوف ما يريد ، ويقول ما يشاء بلا سقف ، ويحترم ضميره ، والقانون العام ، والعرف السائد ، والذوق الإجتماعي ، ولكنه ينتقد بأدب ، ويضع أمام الناس خيارات متنوعة ، ولكنه لا يرى أنه فوق النقد ، ومع هذا يتمسك أفكاره ليدافع عنها لأنها جاءت إليه عبر رحلة طويلة من الفكر والبحث .

الحرية للحياة كالماء ، فلا حياة بدون حرية ، حين يسمع الإنسان أنه حر ينطلق كالصاروخ ، ويصبح بلا قيود ، ويقرأ الكتب بلا رقيب ، ويناقش أفكار الناس بلا خوف ، ويصبح دور الشرطة حفظ حياة الناس ، وليس حفظ الأنظمة السياسية ، فيصبح الشرطي زميلا للإنسان ، ومن العجيب أن تجد فى بلاد الكبت كثرة أماكن شرب القهوة للحديث عن الكرة ونجوم السينما فقط ، ولكن فى بلاد الحرية تجد فى كل حارة مكتبة عامرة ، ودارا للسينما ، وقاعة للمسرحيات ، وميادين خاصة لممارسة الرياضة ، وساحات جميلة لممارسة هواية المشي ، وساحات للجلوس وممارسة هواية الإسترخاء ، ومن هنا نجد الإنسان فى بلاد الحرية يبدع ، بينما الإنسان فى بلاد الكبت يحترق من الداخل ، والسبب ( الحرية ) .

الحرية عند الجامية السلفية خراب ، ولكن حرية الملك ، والرئيس عندهم مقدس ، فهو يشرب الخمر علنا فى التلفزيون إن شاء ، ويقتل ثلث الناس باسم المصلحة إن شاء ، ويضرب ظهور الناس ، ويأخذ أموال الناس بلا قانون إن شاء ، وما على الناس إلا الطاعة العمياء ، فهذا هو دين الجامية المدخلية فى عصر النهضة والحريّة .

الحرية عند بعض المتدينين الخروج من الدين ، ولكن من قال ذلك ؟ إن كلمة الحرية تعنى نقيض العبودية ، فالعبد ليس حرا ، وبالتالى ليس إنسانا لديه خيارات فى الحياة ، فهو مملوك لغيره ، والغير كان سابقا شخصا ، أو مجموعة أشخاص ، أما الآن فالغير هنا نظام سياسي وراءه شخص ، أو عائلة ، أو حزب سياسي .

الحرية عند العقلاء تعنى الكمال الإنساني ، فهي ضد الإكراه الديني والسياسي ، فالإنسان الحر يملك قراره ، ويعتقد ما يشاء من دين ، أو فكر ، ويمارس طقوسه حين يشاء ، وكيف يشاء وفق معتقداته وتصوراته ، ويمارس عقيدته حين يشاء ، وله حق الرفض والقبول ، وليست هناك سلطة سياسية تُمارس حقا علويا ، فتفرض عليه ما لا يريد ، وهذا ما قرره الإسلام قبل أربعة عشر قرنا حين قال القرآن ( لكم دينكم ولي دين ) بل وقرر بأسلوب آخر حين قال ( لكم أعمالكم ، ولنا أعمالنا ) ، وتأكدت تلك الحقيقة فى كثير من آياته ( فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ) وانبهرت أمام قوله تعالى ( تلك أمة قد خلت ، لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ، ولا تُسألون عما كانوا يفعلون ) .

لدينا آية فى كتاب الله تتناول الحرية الدينية بأسلوب رائع ، وتجعله قاعدة ، وليس أمرا قابلا للنسخ كما ادّعى كثير من العلماء ، فالقواعد والقوانين الحياتية غير قابلة للنسخ كما ذكر العلامة الدكتور طه جابر العلواني فى كتابه ( لا إكراه فى الدين ) ، فتقول الآية : لا إكراه فى الدين ، وتطرح أمام الناس علة لهذا ، فتقول : قد تبين الرشد من الغي ، وهذا يعنى أن البشرية وصلت إلى درجة ترفع عنها الوصاية ، فالإنسان قد رشد ، وهو أعلم بمصالحه ، فلا إكراه فى الدين ، فهذا المنطق القرآني محارب عند بعض المراهقين بنصوص لم يفهموها ، أو لم يستوعبوها ، أو لم يدركوا مراميها ، فجعلوا الدين إكراها ، والبشر بلا عقول ، وسحبوا من الإنسانية الرشد .

إن الحرية تعنى تأسيسا للحياة ، ومن هنا رفض عمر بن الخطاب رضي الله عنه سحب الحرية من الناس ، ودعا إلى دفاعها من المغتصبين ، فقال لعمرو بن العاص وولده : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحرارا ، فالحرية ليست هبة من أحد ، وليست منصوصة فى النصوص والدساتير فقط ، بل هي ذاتية فى الإنسان غير منفكة عنه ، فلا يمكن للإنسان أن يشعر بوجوده الحقيقي فى غيابها ، فهي معه ، لأنه ولد حرا ، ويجب أن يكون حرا ، ويجب أن يموت يوم أن يموت حرا ، ولكن الغريب هو أن يفهم بعض المتدينين من أتباع المداخلة والجامية أن الحرية إستثناء ، وليست قاعدة ، وهذا لا يعنى نقصا فى فهم الدين ، بل هو نقص فى الإنسانية .

فى الإسلام تعتبر الحرية تحقيقا للإنسانية ، وأينما يجد الإنسان هذه الحرية فقد حقق إنسانيته ، وأوجد لذاته كرامته ، فلا يكون الإنسان ذَا كرامة بدون تحقيق الإنسانية التى تكتمل بالحرية وتتأسس عليها ، ومن هنا رفض الإسلام كل معانى العبودية من عبودية القوة ، والمال ، وغيرهما ( تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، تعس عبد الخميصة ) ، فالإنسان يجب أن لا يكون خادما لأحد ، فهو عبد لله وحده ، لأنه اختار ذلك بحريته حين قال ( لا إله إلا الله ) فقد بدأ شهادته بالرفض لجميع المعبودات ، ومن هنا نجح بدون شك فى استرداد حريته من الجميع ، ولكنه أعطى لمن يستحق ، وهو الله العلي القدير .

عبد الرحمن بشير

Exit mobile version