(1)
أمس السبت بعد أن عدت من صلاة الصبح، فتحت التلفاز فوجدته على حسب ما تركته عليه في (الجزيرة مباشر)، وكالعادة وجدت شبابا سودانيين متجمهرين في تظاهرة، ولكن الإيقاع كان مختلفا، وكذا الرقص والوجوه مستبشرة، فأدركت أن (الجماعة اتفقوا)، فطفرت الدموع من عيني بصورة لا إرادية، ولعل هذه المرة الأولى التي يحدث لي فيها ذلك.
نعم قد سعدت من قبل لاتفاق 15 مايو الذي اتفق فيه الطرفان على 95% كما قالوا بـ(عضمة لسانهم)، وفرحت لاتفاق الخامس من يوليو المنصرم الخاص بمجلس السيادة (5 + 5 + 1)، وانتشيت لاتفاق 17 يوليو الخاص بالإعلان السياسي، ولكن في الثلاثة أحوال كانت بدون دموع، لذلك بدا لي أن اتفاق الثالث من أغسطس والخاص بالوثيقة الدستورية مختلفا وربما يرجع لذلك لأن ترتيبه كان الأخير وطبعا الأمور بخواتيمها. لقد سبق لي أن ذرفت الدمع عند توقيع اتفاقية نيفاشا في يوليو 2005، وظننتها نهاية لمآسي السودان وبداية لانطلاقته طالما أنها أبكتني، ولكن للأسف التطبيق جعل منها (ماسورة) 72 بوصة شقت السودان وحرقت الشقين، ولم توقف الحرب، فأتمنى من كل قلبي أن يكون ودلباد مختلفا عن سيمبويا، والناس ديل مختلفين عن ديلاك.
(2)
(ألسنة الخلق أقلام الحق)، فأن تكون العاصمة كلها مساهرة في (ليلة السبت) التي طال انتظارها فهذا استفتاء أولى، ومما لحظته أن بعضهم حاول أن يحول تلك التظاهرت إلى من عفوية إلى تظاهرات بها تحفظ، إذ حاول الرجوع لهتافات الثورة الأولى، لكن الجماهير خذلته وواصلت إظهار الأفراح، وكان لسان حالها (يا اخي من فضلك خلينا نفرح الليلة وباكر نشوف تحفظاتك دي)، أي اليوم خمر وغدا أمر؛ فكما يقولون الشوارع لا تخون ولا تعرف النفاق فطالما أن الشارع قد ابتهج بهذا الذي تم في ليلة السبت، فهذا يعني أن البلاد موعودة بفجر صادق هذه المرة، ولكن بالطبع لن نستطيع أن نجزم بأن الأمور سوف تمضي إلى الأمام كما نشتهي فمن قبل عمت الأفراح الشوارع وضربت السيارات البواري (جمع بوري) (البنوت زغرتن والجنوي بشروا)، حدث هذا في صباح الاستقلال مطلع يناير 1956م، وفي أكتوبر 1964م، وفي أبريل 1985م، ولكن للأسف انتهت كل تلك البدايات المبشرة إلى نهايات مؤلمة، فدعونا نسأل الله أن تكون فرحة الأمس غير.
(3)
خرجت من المنزل صباحا متجها إلى قناة النيل الأزرق، حيث تقرر أن يعاود برنامج (سبت أخضر) الظهور بعد غيبة طويلة، فغشيت الجامعة، وكل من قابلته في الجامعة أو القناة أو كشك الجرائد كان يبادرني بالقول (مبروك الجماعة اتفقوا خلاص)، وأشهد الله حتى بوليس الحركة الذي كان في حالة تربص استوقفني في شارع القصر بين البلدية والجمهورية، وطلب مني الرخصة، فلما قرأ اسمي تهلَّلَت أساريره واقترب مني قائلا: (يا أستاذ إن شاء الجماعة ديل اتفقوا صحي صحي، وما تكون وهمة ساكت)؛ فأجبته بالإيجاب، وطبعا أنا سعيد لأني نفدت من غرامة الحزام، وكل هذا يشي بأن هذا الشعب قد سئم الانتظار، فمجرد إنهاء التفاوض كان مناسبة يباركها الناس (غداً إن شاء الله نواصل لأن أستاذ عطاف مدير التحرير وجه لنا إنذاراً بعدم تجاوز العمود حداً معيناً, فمعليش, اليوم عيد والعيد ما فيهو كشرة، كما يقول جدنا الخضر ود بليلة).
حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني
السوداني