أخطر شائعات الإنترنت ما كان له أصل في الحقيقة … وأقلها خطورة ما كان بعيدا عن الواقع أو كان مناقضا للحقيقة تماما … أما ما يكون فيها جزء من الحقيقة فهي أيضا “قوية” كأن يكون الشخص غاضبا فتقول المواقع الإسفيرية أنه تمرد وخرج عن الصف تماما … أو يكون محبطا ومستاء فتقول إنه قرر إعتزال السياسة … أو يكون على خلاف مع شخص فتقول … شوهد فلان وعلان في مشادة كلامية انتهت بالاشتباك بالأيدي.
ويمكن نسج رواية ممتازة حول هذه “الشكلة” … كأن يقال أنها حدثت في منتصف النهار في القصر الجمهوري أو مجلس الوزراء وشهدها فلان عندما كان يهم بالخروج من مكتب المسئول الكبير أما مدير المكتب فقد اجتهد في تهدئة المسئول فانتهره وقال له … كدي اطلع برة وشوف شغلك.
ويمكن تدعيمها بالأمثال والحكم … كأن يقول المسئول … المراجعة القدمتها دي زي حساب النواتة … 100 جنيه دهن و100 جنيه زيت … طيب الفرق شنو؟!
أحيانا تنتشر الشائعة لأنها جيدة السبك ومدعمة بالقصص والأمثال.
وعلى ذلك قس في قضايا الفساد … إذا قرر ابن اخت وزير سابق أو حتى ابن ابن عمه أن يفتتح صيدلية بعد تخرجه وكافأته أمه ببيع قطعة أرض من ميراثها من أبيها في منطقة في جنوب الخرطوم ليسدد بها أقساط البداية في التعامل مع الشركات التي توفر الدواء على أسس ربحية تجارية … ويجتهد الولد بصعوبة في بيع سيارة قديمة ليكمل عليها مما تبقى من ثمن قطعة الأرض فإن الشائعة تكون كالآتي … ابن وزير إنقاذي شهير يضارب في بيع الأراضي والسيارات اتضح أنه يمتلك سلسلة الصيدليات الشهيرة في شارع الستين ومدينة النيل وجبرة بعد أن انهمرت عليه فجأة كونتينرات من الدواء بتسهيلات غير مسبوقة.
بالمناسبة التشكيك في الإنترنت لا يعني أنني أرفض قصص الفساد كلها ولكنني أتعامل معها مثلما أتعامل مع الإسرائيليات في ابن كثير … لا أصدقها ولا اكذبها حتى استوفي التفسير بأسباب النزول والنصوص واللغة وشواهد السيرة ومقالات السلف وعلماء التفسير ثم بعد ذلك يمكن أن توضع في سياق يجعلها كاذبة أو صادقة أو تبقى معلقة كما كانت. الإنترنت مصدر من مصادر الحقيقة والأكاذيب مثله مثل النهر في الدميرة يأتي بالمياه والطمي الخصب للجروف ويأتي بالجثث وجذوع الشجر والتماسيح.
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني