يبدو أنّ العام الدراسي الحالي 2019 – 2020م سيدخُل التاريخ، ويُحكى بأحداثه طويلاً، فبدايته كانت بعد أربعة فُصُول من التّأجيل، وها هو الآن يتوقَّف بأمر المجلس العسكري إلى أجل غير مُسمّى، يحدث هذا قبل أن يدخل التلاميذ في (الفورمة)..!!
المُحيِّر في الأمر أنَّ وزارة التربية والتعليم التي ضربت بتحذيرات لجنة المُعلِّمين الداعية لعدم فتح أبواب المدارس في ظل الاحتقان السياسي الذي تشهده بلادنا الآن ما يُعرِّض حياة التلاميذ لمَخَاطِر مُحدقة؛ ضربت به عرض الحائط وأصرَّت على مَوقفها ببدء العام في الثامن من يوليو (فانصاع) التلاميذ لأوامر وزارتهم (مُرغمين) وذهبوا إلى مدارسهم ثُمّ هَا هُم وفي أقل من شهرٍ يعودون إلى منازلهم دون أن يدروا تاريخ رحلة العودة إلى مقاعد دروسهم!!
(الجيل الراكب راس)
سنبدأ موضوعنا هذا بالاستماع أولاً لأصحاب الشأن (التلاميذ)، حيث قال محمد حامد، طالب بمدرسة المملكة بسوبا، إنه لم يكن الوحيد الذي لم يصله خبر بيان التأجيل فذهب إلى المدرسة (الأربعاء) الماضي كعادته، وأضاف: القرار كان مُرتجلاً ومُربكاً ولذا ذهبنا إلى المدرسة كالعادة وكان الحضور ضعيفاً وقد وجدنا أبواب المدرسة مشرعة لكن الرفاق قلة والأساتذة كذلك، فعلمنا بالأمر من هنالك، لكن رغم الإغلاق جمعهم المدير وتحدث إليهم قائلاً: إنه غير مسؤول من أيِّ طالب بعد اليوم، وأضاف: الحمد لله تأجّلت المدارس (عشان ما تجيبوا لينا كفوة) وزاد: (كل زول عايز يطلع تظاهرات، يطلع لينا قميصنا دا ويمشي ).
ويلفت محمد في حديثه لـ(السوداني) إلى أنّهم كتلاميذ إذا لم تُغلق المدارس أو أُغلقت فالأمر بالنسبة لهم سيان، ففي أيِّ حَالٍ لن يتخلوا عن المواكب والخروج في التظاهرات حتى تَتَحَقّق الحكومة المدنية.
أولياء الأمور على الخط
“هذه الثورة رغم إيجابياتها الكثيرة إلا أنّها للأسف علَّمت أبناءنا التّمرُّد على الآباء والأمّهات”، بهذه الجملة ابتدرت علوية صالح ولي أمر طالب بأم درمان حديثها قائلةً: لـ(السوداني) بأن قرار تأجيل الدارسة إلى ما بعد العيد سيترتّب عليه فوضى عارمة، لأنّ المدارس كانت تخفف من تواجُد الطلاب في الشوارع حتى لا يستمعون لحديث الكبار عن الوضع الراهن وتحميسهم في انطلاق مواكب بالأحياء وإشعال إطارات السيارات مِمّا يؤدي إلى تواجد الجنجويد في الأحياء، الأمر الذي يجعل أنظارهم على أطفال الحي، فعندما يذهبون إلى المواكب يطلقون عليهم الرصاص الحيّ مثلما فعلوا بطلاب الأبيض الذي راحوا ضحية غدر مليشيات الدعم السريع!!
مسؤولية
مدير مدارس المجمع العلمي بنين وبنات ببحري نصر الدين سليمان سعيد قال لـ(السوداني)، إنّ خُرُوج الطلاب في تظاهرات سلمية تقع مسؤوليته على المدرسة، لذلك منع طلابها أمس الأول من الخروج في تظاهرات مع بقية المدارس الأخرى، مشيراً إلى أن الطلاب إذا حدث لهم شيء، فإنّه من يتحمّل المسؤولية، وقال إن عدد الطلاب في المجمع العلمي (700)، واعتبر نصر الدين سليمان تأجيل المدارس فيه ضرر كبير يقع على عاتق الطلاب، مُنوِّهاً إلى أنّ العام الدراسي فيه (164) يوماً، والمتبقي فيه (4) أشهر، مُضيفاً أنّ امتحانات الشهادة لن تتجاوز شهر أبريل إلا في حال تجميد العام الدراسي كاملاً، مُبيِّناً أنّ المشكلة الحقيقية أن هنالك دفعتين لم تدخلا الجامعة بعد، ولا بُدّ من حل المشكلة جذرياً وإذا امتحن الطلاب هذا العام لن يجدوا قاعات فارغة بالجامعات ويستحيل تدريس دفعتين أو ثلاث مع بعضها البعض حتى في الجامعات الخاصة.
إغلاق المدارس يؤثر على الطالب ولن تتم تكملة المنهج الدراسي، لأنّ الوقت قصيرٌ وهذا يُسبِّب مُشكلة للطالب الجامعي لأنّه ستُواجهه أشياء في الجامعة، والخيار الوحيد بأن ترجع الامتحانات لشهر مارس وأبريل.
طلاب يناقشون السياسة بالمدارس…
من جهته، قال الخبير التربوي صابر أحمد سليمان لـ(السوداني)، إنّ الدراسة في السودان أصبحت رهينة للتطوُّرات السِّياسيَّة والتقلبات نشهدها الآن وهذا بلا شك له انعكاسات سالبة جداً على العملية التعليمية، لأنّ التأجيل المُتكرِّر للدراسة يَتسبّب في خللٍ، بل شللٍ تامٍ للخُطة الدراسية المُبرمجة، وأكّد سليمان تراجُع المُستوى الأكاديمي لطلاب المدارس، مُشيراً إلى أنّه وأثناء وجودهم داخل سور المدرسة يتابعون الوضع السياسي وأصبحوا أكثر نضجاً بالشأن السياسي ويناقشون السياسة في الفصول، وقال صابر إنّ هنالك مدارس خاصة مازالت تعمل رغم القرار الذي صدر من وزارة التربية والتعليم بضرورة حماية وسلامة الطلاب، وهذا يُعَرِّضها لخُطُورة ويُجب مُحاسبتها، خَاصّةً في حال وُقُوع حادثة للطلاب، لأنّهم خالفوا قانون الوزارة ويجب إلغاء المدرسة وتسريح طلابها قبل أن يقع مثل حادثة طلاب الأبيض.
بيانٌ للناس
وفي التاسعة من مساء أمس الأول، ضجّت وسائل الإعلام ببيان المجلس العسكري القاضي بتعليق الدراسة الذي جاء مُعنوناً برئاسة الجمهورية والأمين العام لديوان الحكم الاتحادي:
جاء في نَصِّه: “أرجو أن أنقل لكم تَوجيه المجلس العسكري الانتقالي بتعطيل الدراسة بالمرحلة الثانوية ومرحلة الأساس ورياض الأطفال بجميع الولايات اعتباراً من يوم غدٍ الأربعاء 31 يوليو 2019م لأسبابٍ أمنية وذلك لحين إشعارٍ آخر وذلك للتكرُّم بالعلم واتخاذ ما يلزم”، وجاء البيان ممهوراً بتوقيع الفريق ركن محمد علي إبراهيم الأمين العام لرئاسة الجمهورية.
صوت المُعلِّمين
من ناحيتها، حمَّلت لجنة المُعلِّمين السودانيين وزارة التربية والتعليم مسؤولية قتل وتعنيف التلاميذ في الشوارع، وقالت رئيس اللجنة بالإنابة قمرية عمر لـ(السوداني)، إنّ قرار فتح المدارس وخُرُوج التلاميذ للدراسة في ظل الأوضاع الراهنة منذ البداية هو جناية بِحَقِّهم يتحمّلها المجلس العسكري ووزارة التربية، وكانت اللجنة قد طالبت في وقتٍ سابقٍ، وزارة التربية والتعليم بتعليق الدراسة في جميع المدارس بالسودان إلى حين إنجاز الحكومة المدنية وتَحقيق الاتّفاق بين المجلس العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير وذلك حفاظاً على أرواح التلاميذ، مُنوِّهةً إلى أن تكرار تفاعُل الطلاب مع مجريات الأحداث يُعرِّض حياتهم للخطر خَاصّةً في ظل الانفلات والسيولة الأمنية.
مَن هؤلاء؟
جاء قرار تعليق الدراسة مُفاجئاً للوزارة أكثر من التلاميذ، فوكيل وزارة التربية والتعليم حتى قبل إعلان تعليق الدراسة بساعتين قال لـ(السوداني) إنّه ليس هنالك تأجيلٌ.. أما مدير تعليم الأساس بالوزارة د. محمد عبد الرحمن مضى أبعد من ذلك وهَدّدَ – الثلاثاء – بمقاضاة أية جهة تُروِّج الأخبار الكاذبة لنسف استقرار العام الدراسي، وأشار عبد الرحمن في حديثه لـ(السوداني) أمس إلى أنّ الدراسة مُستمرة بجميع مدارس الولاية ولم تُصدر وزارته بياناً بإيقافها أو تعليقها، وقال إن قرار الإغلاق رغم أنه لم تتم مُشاورتنا فيه إلا أنّه يبدو منطقياً في ظل الأوضاع الراهنة، أمّا في كون أنه لم يؤخذ رأيهم في الأمر، يقول عبد الرحمن: هذا قرارٌ من سلطات عليا “أمرٌ واجب النفاذ دُون مُشاورة”، لأنّ دواعيه أمنٌ قوميٌّ وشأنٌ عامٌ، وبالنسبة لاحتمالية تأجيل الامتحانات للشهادتين الأساس والثانوي، قال إنّ هذا الأمر لم يتم حسمه بعد خَاصّةً أنّ فترة استئناف الدراسة غير مُحَدّدَة بعد والإغلاق “حتى إشعار آخر”.
المدارس الخاصّة
واعتبر الأمين العام لاتحاد المدارس الخاصة د. الشعراني الحاج، تعليق الدراسة بالخطوة غير المُناسبة، لأنّ من شأنها إحداث خللٍ وربكةٍ في التقويم الدراسي، لافتاً إلى أنّ هذا العام ناقصٌ وأيّام الدراسة فيه محددة بـ159 يوماً فقط، مضى منها الكثير حتى إذا تمّت إضافة السبت لأيّام الدراسة فلن يجدي نفعاً. وطالب الحاج، الوزارة بضرورة تعديل التقويم الدراسي للأعوام المُقبلة، على الأقل لتفادي الكوارث الطبيعية وفصل الخريف.
السودانى