حق الأطفال في التظاهر !!

* على خلفية استشهاد خمسة طلاب في المرحلة الثانوية بإطلاق الرصاص عليهم بواسطة الأجهزة الأمنية خلال التظاهرات الطلابية السلمية التي شهدتها مدينة الأبيض يوم الاثنين الماضي (29 يوليو، 2019 ) للاحتجاج على الظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها المدينة والمطالبة بنقل السلطة الى المدنيين، أخذ البعض يروج لفكرة منع مشاركة الطلاب في المواكب والتظاهرات (التجمعات) السلمية، باعتبار انهم اطفال قد تعرضهم المشاركة للإجهاد أو العنف والقتل.

* مع تقديري للدوافع النبيلة التي دعت البعض لترديد هذه الفكرة، إلا أنها للأسف فكرة خاطئة تماما تتعارض مع حق الأطفال في التجمع السلمى والتعبير عن مطالبهم وآرائهم والمساهمة في المجتمع، باعتبار أنهم مثل الكبار لديهم مطالبات مشروعة ومصالح، ويجب ان يكون لهم الحق في التعبير عنها بالتجمع السلمى والحق في تكوين الجمعيات، ونصت على ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل (1989 ) التي صادقت عليها غالبية دول العالم ومن ضمنها السودان الذى انضم إليها في الثالث من اغسطس 1990، وصارت ملزمةً له.

* تنص المادة (15 ) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل على:
1 – تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات، وفى حرية التجمع السلمى.
2 – لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأية قيود غير القيود المفروضة طبقا للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة، أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم.

* لاحظوا أن الاتفاقية لا تكتفى بالنص على حق الاطفال في التجمع السلمى فقط، بل في تكوين الجمعيات (البند الأول). كما أن البند الثاني منع تقييد ممارسة هذه الحقوق بأية قيود إلا في حالات معينة تقتضيها الضرورة طبقا للقانون في مجتمع ديمقراطي (وأكرر: طبقا للقانون في مجتمع ديمقراطي) حتى لا ينبري أحد لتعطيلها أو تقييدها بدعوى حماية الأمن الوطني والسلامة العامة والصحة ..إلخ، بمزاجه أو برؤيته الشخصية، أو حتى بقانون جزافي ( مثل القوانين التي تصنعها الانظمة الشمولية والقمعية لخدمة اهدافها، وتفرضها على الناس).

* بناءً على هذه الاتفاقية وما سبقها وما تلاها من اتفاقيات وتشريعات ..إلخ سنت معظم الدول قوانين تحمى حقوق الأطفال ( الطفل هو الذى لم يكمل 18 عاما)، في تكوين الجمعيات والتجمع السلمى للتعبير عن مطالبهم ومصالحهم وآرائهم، وتعاقب من يعتدى عليها أو يحاول إعاقتها وعرقلتها. كما أجازت للكبار مساعدتهم في ممارسة هذا الحق، ولقد جاء في القانون الفنلندي (مثلا) أن ” بإمكان الأشخاص دون الأهلية القانونية (الأطفال) ترتيب التجمعات العامة برفقة الكبار، إذا لم يكونوا قادرين على الوفاء بالمتطلبات التي يفرضها القانون على منظمي التجمعات (المحافظة على السلامة العامة وعدم الاعتداء على حريات وحقوق الآخرين .. إلخ ).

* كما نصت القوانين على أن مسؤولية توفير الأمن والحماية لهذه التجمعات وغيرها تقع على عاتق الدولة وأجهزتها (كما في حالة الكبار)، وجاء في الفقرة (31 ) من الموجهات العامة بشأن حرية التجمع السلمى الذى أعده فريق من منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ومكتب المؤسسات والحقوق الديمقراطية (وارسو، 2010 ) ” يجب على الدولة حماية التجمعات السلمية بفعالية، وينبغي ذكر ذلك بشكل واضح في أي تشريعات محلية متعلقة بحرية التجمع والشرطة والقوى العسكرية، ويتطلب ذلك التزاما إيجابيا من الدولة لحماية المشاركين في التجمع السلمى من أي أشخاص أو مجموعات (بمن فيهم العملاء المحرضين والمتظاهرين المحرضين ) تحاول عرقلة أو منع التجمع بأي شكل من الأشكال”.

* إذن فالدولة هي التي تتحمل المسؤولية كاملة في حماية التجمع السلمى، بما في ذلك من المحرضين والمخربين، أو المندسين كما يحلو للمجلس العسكري وصف الذى يقتلون المتظاهرين والاعتداء عليهم لتبرئة نفسه، وبما أن مسؤولية الحماية تقع عليها، كذلك تقع عليها مسؤولية العجز عن توفير الحماية!!

* الأطفال لهم كامل الحق في تنظيم التجمعات السلمية والمشاركة فيها، وليس من حق احد منعهم او التحريض على منعهم من ممارسة هذا الحق بأي وسيلة من الوسائل، أو تحت أي دعاوى أو مزاعم مثل الخوف عليهم من التعرض للمتاعب والمشاكل أو حتى القتل. لا يجوز حرمان أي شخص من ممارسة حقه بذريعة توفير الحماية له، أو توجيه التهمة إليه إذا مارس هذا الحق وعجزت الدولة عن حمايته، بدلا من توجيه التهمة إليها. هذا منطق أعوج، دعك من أن تكون الدولة هي التي اعتدت عليه أثناء ممارسته لهذا الحق، أو قتلته!!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version