السودان: هل اقترب حُلم إسكات البنادق إلى الأبد

تلوح في أفق المشهد السوداني ملامح تسوية سياسية ربما تسكت البندقية نهائيا، بيد أن مجموعات مسلحة لا زالت تراقب ما يجري بصمت وأخرى وضعت اشتراطات محددة لتحقيقها اولا قبل العبور لمناقشة إنهاء الحرب في السودان.
ومنذ نجاح الثورة الشعبية في الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في 11 أبريل الماضي، انفتح الطريق أمام تحقيق أهداف شعارات الثورة ويأتي على رأسها السلام، حيث بدأ شركاء الفترة الانتقالية “المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير” في وضع الترتيبات اللازمة لمناقشة قضية الحرب والسلام.

 

وحسب الاتفاق السياسي الذي توصل إليه المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير الأيام الماضية، سيتم تخصيص الست أشهر الأولى من الفترة الانتقالية لتحقيق السلام في دارفور والمنطقتين من خلال التواصل مع حاملي السلاح هناك.

وتشير “سودان تربيون” إلى أن طرفي الاتفاق السياسي وقبل تشكيل الحكومة الانتقالية بدأوا تحركات فعلية للتواصل مع المسلحين، حيث استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اجتماعات بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية توجت بمسودة لتحقيق السلام ينتظر إدراجها في الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري.

كما التقى وفد مشترك من المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في العاصمة الجنوب سودانية جوبا، بوفد من الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة عبد العزيز الحلو، وهي ليست جزءاً من تحالف الجبهة الثورية وتسيطر على بعض المواقع في ولاية جنوب كردفان.

ولكن لم يتم التواصل حتى الآن مع حركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، المتمردة في دارفور، والتي كذلك ليست جزءاً من تحالفات المعارضة المسلحة.

اشتراطات السلام

وتضع هذه الحركة اشتراطات محددة تعتبر تحقيقها يجعل الجهود المرتقبة قادرة على إسكات البندقية إلى الأبد، لكن في حال التقاضي عنها فستكون اتفاقيات السلام المنتظرة كسابقاتها في عهد النظام المعزول.

ويقول محمد الناير، المتحدث باسم حركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، لـ “سودان تربيون” إن اي حديث عن السلام والاستقرار في السودان لابد ان يمر عبر مخاطبة جذور الأزمة التاريخية وايجاد المعالجات اللازمة لها وينتهي بالتغيير الشامل واعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفق اسس قومية جديدة.

 

ونبه إلى أهمية الاعتراف بالمظالم التاريخية للشعوب السودانية ومعالجة افرازاتها، والمساءلة والمحاسبة عن جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي وعدم الافلات من العقاب لضمان عدم تكرارها مستقبلا.

كما تشترط الحركة بحسب الناير حل قضايا النازحين واللاجئين والمتضررين من سياسات التمكين، وتعويضهم فرديا وجماعيا، وتفكيك المليشيات الحكومية ونزع سلاحها وإعادة المهجرين إلى قراهم ومناطقهم الأصلية بعد توفير الظروف الملائمة لعودتهم.

ولا يبدو المسؤول في الحركة المسلحة متفائلاً بما يجري من تحركات لتحقيق السلام، ويقول إن الاتفاقيات المرتقبة للسلام في السودان بدأت ملامحها بالمساومة الثنائية بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وهو ما يجعلها غير مخالفة للاتفاقيات الثنائية التي درجت الأنظمة الصفوية على توقيعها.

وأضاف “كما حدث في اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ واتفاقية نيفاشا ٢٠٠٥ واتفاقية ابوجا ٢٠٠٦ ووثيقة الدوحة ٢٠١١ وغيرها من عشرات الاتفاقيات التي تم توقيعها ولم تعالج أزمة الحرب والسلام في السودان بل عالجت قضايا الأشخاص وطموحات النخب”.

وتنطلق المفاوضات المباشرة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير الثلاثاء لمناقشة وثيقة الاعلان الدستوري وتضمين رؤية الجبهة الثورية لتحقيق السلام التي تم التوصل لها خلال اجتماعات أديس أبابا.

 

تحديات الإجابة على الأسئلة الصعبة

الدكتور عباس التجاني، الخبير المهتم بشأن النزاعات الأهلية، يقول لـ “سودان تربيون” إن كل اتفاقيات السلام التي وقعت في فترات سابقة بالسودان، حققت سلام سلبي اي أدت إلى انخفاض حدة الصراع ولكنها لم تعالج المشكلة لأنها في الأصل لم تخاطب جذور الأزمة.

وأضاف” القاسم المشترك بين قضايا الحرب والسلام في السودان هو كيف يحكم السودان، والإجابة على الأسئلة الصعبة في السودان نحو قضية الهوية، الاستعلاء العرقي والثقافي، تغيير النمط الاقتصادي التقليدي، اي تغير علاقات الانتاج التي تساهم في التنمية الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية”.

وتوقع التجاني أن تخاطب الاتفاقيات القادمة جذور الأزمات السودانية، التي ينبغي ان تتضمن في الوثيقة الدستورية، بجانب تضمين آليات تحمي الاتفاقيات من الانهيار. مضيفاً “لأن السودان يمر بمرحلة سياسية حرجة لا تقبل المزايدات السياسية، وحتى تجاوب الاتفاقيات على السؤال الحرج المتعلق بالهوية وطريقة حكم السودان التي تمنع قيام الحرب في اي جزء من اجزاء السودان”.

 

ونبه التجاني إلى ضرورة أن تخاطب الاتفاقيات التي سوف توقع القضايا الحساسة نحو، قضايا اللاجئين، النازحين والترتيبات الأمنية، لأنه إن لم تعالج هذه القضايا بشكل علمي ومنهجي، نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وغيرها من الاساليب، سيظل النزاع مستمراً في السودان.

وأضاف “لمنع الحرب مستقبلاً لابد من تطوير دستور دائم للبلاد مع تكوين مؤسسات دستورية تحمي الشعوب السودانية من الظلم، التهميش، وتمنحهم الفرص المتساوية في الخدمات، والحق في الحياة”.
وتابع “من المهم ان تعمل الاتفاقيات على إعادة هيكلة المؤسسات القومية، على سبيل المثال، المؤسسات العسكرية والأمنية، حتى يتم إدماج القوات من فصائل الكفاح المسلح في هذه المؤسسات، وتقيد هذه المؤسسات بالدستور، لضمان عدم عودتها إلى الحرب مرة أخرى.

وأوضح أن لدي السودانيين فرصة تاريخية لصناعة دولة مستقرة من خلال الوثائق والاتفاقيات المنتظر توقيعها، داعياً الفاعلين السياسيين إلى الابتعاد عن الكيد، والمصالح الحزبية الضيقة. مردفا “هناك فرص كبيرة لتحقيق مصالح الفئات السودانية المختلفة من خلال الانتقال السلمي والعمل على إدارة التنوع في السودان”.

 

ودعا التجاني اللاعبين السياسيين في المشهد السوداني لوضع الحراك الثوري في الاعتبار عند توقيع الاتفاقيات المنتظرة، وزاد “يجب ان تتضمن الاتفاقيات آليات لإدارة التغيير لصياغة عقد اجتماعي وسياسي في السودان حتى نمتع الحرب في المستقبل”.

تمثيل حقيقي

وعلى مدى السنوات الماضية ظلت قيادات الحركات المسلحة تطالب بضرورة منح الاقاليم التي تمرد أبنائها على حكومة المركز، تمثيل حقيقي في السلطة، وليست مشاركة على شاكلة “الترميز التضليلي” حسب تعبير القيادي بحركة تحرير السودان، قيادة عبد العزيز الحلو، أبكر آدم إسماعيل، في كتابه “جدلية المركز والهامش”.

ويعتبر الكثيرون أن النظام السابق ظل يعتمد نهج الايواء السياسي بواسطة منح بعض أبناء مناطق الحروب وظيفة سياسية في الدولة بمخصصاتها المالية، بينما يتم تغيبه على مستوى المشاركة الحقيقية في القرار السياسي للدولة.

 

وقال الرئيس السابق لحركة تحرير السودان ـ المجلس الانتقالي، نمر عبد الرحمن نمر، لـ “سودان تربيون” في وقت سابق إن السلام النهائي يتم تحقيقه بواسطة المفاوضات الجادة والحوار مع الجميع الذي يقود تسامح ومصالحات وسط الشعب السوداني، وعقد اجتماعي جديد، يساعد في وصول التغيير إلى غاياته النبيلة.

وأوضح أن أزمة الهامش كلها توجد في الخرطوم وعلى الجميع مخاطبة جذور الأزمة وليس انتهاج الحلول الفردية والجزئية.

سودان تربيون

Exit mobile version