أول امرأة مرشحة لرئاسة تونس .. البلطجة عنوان المرحلة

انطلاقا من إيمانها بدور المرأة في القيادة، وأحقيتها في خوض غمار تجربة الرئاسة، وبعد حقبة طويلة من النضال والكفاح النسوي، أعلنت الدكتورة ليلى الهمامي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن، إحدى أبرز الناشطات الفاعلات في الساحة السياسية التونسية، ترشحها إلى منصب الرئاسة التونسية في الاستحقاقات المقبلة.

الهمامي أول امرأة مرشحة لرئاسة تونس، قالت في حوار مع “سبوتنيك” إنها تراهن على الحركة النسائية كقوة محركة للنضال من أجل كسب معركة الحرية، والحصن الحصين لمنع التيار الإخواني من التمدد والسيطرة على المجتمع”.

وأشارت إلى أن تونس تعاني من فوضى وارتباك في ظل ممارسات حركة “النهضة”، وسعيها لإقصاء المنافسين السياسيين عن طريق التعديلات التي أدخلتها على قانون الانتخابات.

سبوتنيك: بداية… كيف تقيمين الوضع السياسي في تونس قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؟

من أهم ملامح الوضع السياسي في تونس الفوضى والارتباك وهيمنة ثقافة الإقصاء والبلطجة السياسية، مناخات مسمومة لا تخلو من العنف في مستوى الخطاب والتشريع، وأدركت الأشكال المادية في أكثر من مناسبة، وتعرضت شخصيا لهذا الشكل من العنف.

سبوتنيك: من برأيك سمم المناخ السياسي في تونس؟

الائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة، حيث يسعى إلى فرض استمراره في الحكم بكل الوسائل والوسائط، فحركة النهضة تعتبر نفسها مقياسا للديمقراطية، وهي ترفض المرور إلى المعارضة وتعطل بذلك إحدى آليات الديمقراطية وهي التداول السلمي على الحكم.

هذا على الرغم من النتائج الكارثية اقتصاديًا واجتماعيًا، لذلك ومن منطلق المبدأ حددت ترشحي للانتخابات الرئاسية على الرغم من الضغوطات والتهديدات التي تعرضت لها؛ وذلك لغاية النضال ضد استبداد يلتحف غطاء الديمقراطية.

سبوتنيك: وكيف تقود حركة “النهضة” المشهد الحالي؟

أكدت التطورات الأخيرة أن النهضة من خلال يوسف الشاهد يسعى إلى تصفية كل القوى والشخصيات السياسية المنافسة لها، والتنقيحات الأخيرة التي أدخلتها على القانون الانتخابي يعد إثباتًا ماديًا للاستبداد الجديد التي تسعى حركة النهضة إلى إرسائه بتواطئ مفضوح مع حكومة يوسف الشاهد والأحزاب المتحالفة معها.

سبوتنيك: إذا ما السيناريو الأقرب للانتخابات المقبلة؟

لن تكون الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس 2019 نزيهة ولا شفافة، مادامت التشريعات والممارسات السياسية تحت سيطرة حركة النهضة الإخوانية التي عطلت تشيكل المحكمة الدستورية من أجل الإبقاء على هيئة مؤقتة لمراقبة دستورية القوانين قامت بتنصيبها منذ حكمها الأول الممتد من 2011 إلى 2013.

ولا أذيع سرًا لو قلت بإن الانتخابات التشريعية تحولت في مستوى تشكيل القائمات إلى سوق يحكمه قانون العرض والطلب، ويتحكم فيها المال السياسي، هذا المال الذي كان القوة المرجحة خلال انتخابات 2014، والذي على الرغم من تقارير دائرة المحاسبات لم يخضع لمتابعة قضائية وإدارية، بل الطعون المسجلة خلال انتخابات 2014، لم تفض إلى أية نتيجة.

وهذا ما يفسر أزمة الثقة المتسعة بين المجتمع والطبقة السياسية الحاكمة، قطيعة تراهن عليها حركة النهضة الإخوانية من أجل كسب الاستحقاق الانتخابي دون انشغال بأزمة المشروعية التي يمكن أن تترتب عن عزوف أغلبية الجسد الانتخابي على التصويت.

سبوتنيك: كيف ترين التعديلات التي جرت مؤخرًا على قانون الانتخابات؟

بمقياس الأخلاق والدستور والأعراف السياسية الديمقراطية هذه التعديلات ليست إلا إجراءً فاشيًا للسطو على الحكم بإقصاء المنافسين السياسين، فكيف يمكن أن يقبل العقل بتغيير قواعد اللعبة بضعة أشهر قبل موعد الانتخابات، وذلك إثر تحول في اتجاه الرأي وتأكد القطيعة بين الشارع ومنظومة الحكم التي تقودها حركة النهضة الإخوانية.

سبوتنيك: وما الهدف منها إذًا؟

من أغرب التخريجات التشرعية التي ابتدعتها حركة “النهضة” والائتلاف المحيط بها تحويل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى محكمة للتفتيش في الأفكار والتصريحات لإسقاط ترشح من يتهم بتمجيد الاستبداد أو انتهاك حقوق الإنسان وفق الرؤية السياسية والأيديولوجية لحركة النهضة بالطبع، والمعلوم أن كل خبراء القانون الدستوري في تونس أجمعوا على عدم دستورية هذه التنقيحات، لكن تؤكد كل المعطيات أن النهضة تتحكم في القرار السياسي، وتستثمر تفكك وتشتت الجبهة الديمقراطية من أجل فرض تشريعات على مقاسها.

وأنا أجزم بأن الحد الأدني من الحيادية يقود ضرورة إلى أقصاء حركة النهضة عبر تطبيق هذه التعديلات التي قامت بإدخالها هي نفسها على القانون الانتخابي.

سبوتنيك: هل كان هناك آمال أخرى عقدت على هذه التعديلات؟

كنا ننتظر منع السياحة البرلمانية ولم يحصل ذلك، وتجديد العقوبات المتعلقة بحصول الأطراف السياسية المتنافسة على مال سياسي من جهات أجنبية ولم يحصل ذلك، والسبب واضح أن النهضة في هذه الحالة ستكون الخاسر الأول.

أما عن تمجيد الاستبداد وانتهاك حقوق الانسان فأدبيات النهضة ومواقفها تذخر بطروحات فاشية معادية لمبادئ الديمقراطية والحرية هذا مع أن آفة المال السياسي الأجنبي الذي أغرق الساحة السياسية التونسية لا يخص فقط حركة النهضة؛ بل يتعلق كذلك بأحزاب تشكلت مؤخرا بإمكانات غير طيبيعة، لا يمكن أن تكون نتاجًا لجهد منتسبي هذه الأحزاب، بما يفيد وجود تفاهمات سرية بين النهضة وأطراف تبدو في ظاهرها معادية للإسلام السياسي، ولكنها في الحقيقة متحالفة معها.

سبوتنيك: تحدثتي من قبل على النظام الانتخابي الأنسب لتونس… ما هو برأيك؟

جزء من الأزمة السياسية الراهنة تكمن في النظام الانتخابي دونما اعتبار للمفارقات الهكيلية التي جسدها النظام السياسي للجمهورية الثانية، حيث تميز النظام الانتخابي الراهن بتثقيف الأغلبية البرلمانية، وإقحام نظام النسبية إضافة إلى أكبر الفواضل، وهو ما أبرز فوسيفساء برلمانية استفادت منها حركة النهضة باعتبار تماسكها العقدي كجماعة متخفية وراء حزب سياسي؛ وهو ما مكنها من المشاركة في كل الحكومات المتعاقبة منذ سقوط نظام بن علي، ووضع يدها على مفاصل الدولة من خلال فرض التوافق الذي يجيبه القانون الانتخابي دون أن تظهر كمسئول رئيس عن الإفلاس الاقتصادي والاجتماعي لسياسات الحكومات.

سبوتنيك: وما التعديلات المطلوبة على النظام الانتخابي؟

المفروض أن نراجع النظام الانتخابي في مستويين على الأقل؛ أولًا منع السياحة الحزبية بمعنى أنه من حق نائب أن ينسلخ عن حزبه وهو أمر وارد وممكن، لكنه يستوجب معه انسحابه من البرلمان كونه انتخب على قائمة حزب معين وبرنامج محدد، فالانتخابات عقد سياسي بين الناخب والنائب لا يمكن فسخه من طرف واحد.

وثانيا تعديل القانون الانتخابي في اتجاه فرض نظام مشترك يجمع بين أغلبية (50+1)، تشكل الحكومة ونظام النسبية لغاية تمثيل الأقليات السياسية المعارضة، وهو نظام يضمن الاستقرار للتشكيلة الحكومية، كما أنه يحمل حزب الأغلبية المسؤولية الكاملة في حالة فشله في إدارة الشأن العام، وهذه إصلاحات تحتاج إلى شجاعة سياسية لا تملكها حركة النهضة وشركاؤها في الحكم”.

سبوتنيك: بعد ثورة الياسمين… كيف تصدرت المرأة المشهد السياسي بهذه القوة؟

المرأة التونسية كانت منذ الحركة الوطنية وبناء دولة الاستقلال فاعلا مؤثرا في مجريات الحياة العامة، وعنوانًا من عناوين الفعل السياسي، على الرغم من كونها كانت تمثل أقلية في تلك الفترة لاعتبارات ثقافية واجتماعية، وبرزت بالفعل بصفة استثنائية خلال ثورة الياسمين وخلال مختلف رداهات مسار الانتقال الديمقراطي فكانت في مستوى الساحة السياسية وجمعيات المجتمع المدني والفضاء الإعلامي، وقوى محركة في اتجاه التقدم والحرية.

وعلى الرغم من أنها كانت حاسمة في انتصار الباجي قائد السبسي على حليف حركة النهضة المنصف المرزوقي خلال انتخابات 2014 بمليون صوت، إلا أنها لا تزال تناضل من أجل توسيع حضورها في مراكز القرار السياسي والإداري، والارتقاء إلى المهام القيادية العليا للدولة.

سبوتنيك: وما الأزمة إذا في مسألة قيادة المرأة؟

ليس الإشكال الكامل كما يعتقد البعض في مجتمع يرفض قيادة المراة بقدر ما يتعلق بطبقة سياسية لا تزال تحكمها الثقافة الرجعية، ترفض قيادة المرأة وتسعى لتوظيفها كأداة بروباغندا دون أن تعترف لها بحقها الفعلي في أن تكون البديل الممكن لقيادات لم تفلح إلا في إعادة إنتاج أسباب الأزمة، بل وعمقتها.

وأنا لست من أنصار التقسيم الجنساني للمجتمع والمشهد السياسي، لكنني على يقين بأن المرأة تبذل أضعاف جهد الرجل في مواقع القيادة السياسية؛ من أجل الإقناع وهو أمر جرب فصدق، لذلك أناصره وأنخرط فيه.

سبوتنيك: لكن المرأة التونسية حصدت مكاسب عدة مثل قانون الميراث والمجلس التأسيسي؟

نضال المرأة من أجل حماية حقوقها وتحصين مكاسبها ودعمها، صراع ونضال مستمرين لوجود التهديد الرجعي الملازم لوجود الإخوان ولمشروعهم الثقافي الذي يراهنون على تثبيته ولو على المدى البعيد، انطلاقا من المراهنة على أسلمة النظم التعليمية بصفة تدريجية، وليس من المصادفة أن يبقى مشروع إصلاح التعليم مؤجلا إلى حين استكمال النهضة لبسط نفوذها على أجهزة الدولة.

فمسألة الهوية في قراءة الإخوان تمر عبر الحد من دور المرأة وطموحها وحقيقة النهضة برزت في مشروع الدستور الأول الذي صاغه المجلس التأسيسي، والذي برزت فيع عبارة لافتة وهي “المرأة متمم للرجل”، فالأمر لم يكن ذلة قلم أو سوء صياغة بقدر ما كان انفلاتا لمكبوت أيديولجي سيعاود الظهور في أول مناسبة تتراجع فيه المرأة التونسية في دفاعها عن حقوقها ومكاسبها، وهذه إحدى الدوافع التي جعتلني أصر على الترشح لرئاسة الجمهورية.

وفيما يتعلق بنيل المرأة لحقوقها فأود أن أؤكد مسألة هامة، وهي أن حقوق المرأة لن تتأكد في بعدها السياسي، إلا إذا رأينا في رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية امرأة مقتدرة تتوفر على كفاءة عالية أكاديميا ومعرفيا، وخبرة في إدارة الشأن العام، هذا ما العلم أن المساواة في الميراث لم يتحول بعد إلى قانون وبقي مجرد مبادرة وورقة سياسية وظفها قائد السبسي لإعادة حشد العنصر النسائي خلفه.

سبوتنيك: برأيك هل نجح الرئيس السبسي في ذلك؟

لا.. لم ينجح في ذلك لأسباب أهمها شراكته مع حركة النهضة التي رفعت الفيتو ضد هذا المشروع واستنجدت بالشريعة الإسلامة كحجة لإسقاط هذا المشروع، فالنهضة متحولة سياسيا، تبدو ديمقراطية متى استوجب الأمر بالنسبة لها، وتعود إخوانية متى اقتدت الضرورة الأيديولوجية.

على الرغم من خيبة أمل النساء اللاتي دعمن الباجي قائد السبسي لتحالفه مع الإخوان إلا أنني لا أزال أراهن على الحركة النسوية كقوة محركة للنضال من أجل كسب معركة التقدم والحرية، وأكاد أجزم أن نساء تونس خلافا لما يتوقعه البعض سيشكلن الحصن الحصين خلال الانتخابات القادمة لمنع التيار الإخواني من التمدد والسيطرة على المجتمع.

سبوتنيك: هل تعرضتي لأي مضايقات بعد إعلانك الترشح للرئاسة؟

نعم، تعرضت لكل أشكال التشويه والضغط والتهجم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وعن طريق الملاحقات في الطريق العام، والسطو على سيارتي الخاصة، وإحراق مقر إقامتي، بعد أن نشرت حوارات عبرت فيها عن معارضتي لتيار الإخوان وتحميلي لهم مسؤولية ما تعانيه البلاد جراء سياساتهم التخريبة، وأنا لا أشك ولو للحظة في أن النهضة تتحمل مسؤولية العنف السياسي الذي عاشته البلاد منذ 14 جانفي 2011، وأنها على استعداد لإعادة سيناريو العنف إلى الساحة السياسية في حال تأكدها من هزيمة قد تلحقها خلال الاستحقاق القادم.

وتصريحات قياديها تدمر تهيدا واضحا بالعنف كخيار تمسك به الحركة، حتى أن راشد الغنوشي صرح في أحد حواراته بأن مغادرة النهضة الحكم يطرح إشكال أمن قومي، كما أن السبسي في تفسيره لأسباب إعادة النهضة إلى الحكم بعد انتخابات 2014 التي مكنت حزب نداء تونس من الأغلبية أكد أن إشراك النهضة في الحكومة جنبها مطبات العنف ويمكن مراجعة تصريحات نواب وأعضاء الحركة في الفترة الأخيرة.

سبوتنيك: كيف ترين باقي المرشحات في سباق الرئاسة التونسية؟

أعتبر أن كل مشاركة نسائية في الرهان الانتخابي هو دعم لحقوق المرأة وتحصين لمكاسبها، أما بالنسبة للرؤى وللتصورات مسألة أخرى ستفصل بين المرشحات وللشعب الكلمة الأخيرة.

سبوتنيك: ما هي أولى القرارات التي ستتخذيها حال فوزك بالرئاسة؟

تطوير العلاقات على المستوى العربي والأفريقي والبحث عن شراكات جديدة، وفتح حوار وطني حول النظام السياسي والانتخابي المناسب لتونس.

حوار: وائل مجدي
سبوتنك

Exit mobile version