بعد أشهر على اندلاع الحرب عام 2014 في دولة جنوب السودان، حديثة الاستقلال، فكر عدد من الناشطين بتأسيس جمعية تهتم بقضايا السلام والتعايش عبر الكوميديا، تستخدم كوسيلة لمعالجة الصدمات والضغوط النفسية التي يعيشها المواطنون في عموم البلاد.
بعد أشهر على اندلاع الحرب عام 2014 في دولة جنوب السودان، حديثة الاستقلال، فكر عدد من الناشطين بتأسيس جمعية تهتم بقضايا السلام والتعايش عبر الكوميديا، تستخدم كوسيلة لمعالجة الصدمات والضغوط النفسية التي يعيشها المواطنون في عموم البلاد.
أنشئت الجمعية رسميا في جنوب السودان، تحت مسمى “كيلكلو أنا”، المشتق من لفظة “كلكلة” التي تعني بعربية جوبا، الإضحاك عبر لمس منطقة البطن، وبدأت تقديم عروض أسبوعية للجمهور كل خميس بمركز “نياكورون” الثقافي، في قلب العاصمة، لتكون الوحيدة التي تحاول إضاءة ليالي المدينة المعتمة عن طريق الضحك والغناء والعروض الراقصة.
** حب، تعلم، عِش
يقول رئيس “كيلكلو أنا” الكوميديان ضيو لوال أكين، إن الهدف من تأسيس المنظمة تعزيز المحبة بين الجنوبيين، وتكريس قيمة التعلم واحترام الحياة عبر شعارها المعروف “حب، تعلم، عِش”، ومن ثم إخراج الناس من أجواء التوتر والصدمة.
ويضيف في حديث للأناضول: “تأسست المنظمة عام 2014، عمرها الآن خمس سنوات، استطاعت خلالها المساهمة في إشاعة ثقافة السلام والتعايش، ونبذ الحرب وخطاب الكراهية، عبر عروض يقدمها أكثر من 24 كوميديا أسبوعيا، إلى جانب مشاركة الأعضاء في عروض تقام بمختلف الولايات”.
يحضر العرض الأسبوعي للمجموعة أكثر من 1000 شاب وشابة من مختلف أنحاء البلاد، وحددت له قيمة رمزية تقدر بـ 200 جنيه جنوب سوداني (أقل من دولار).
ويقوم العرض على تقديم فكاهات ومشاهد مسرحية قصيرة، تتخللها مشاركات غنائية لمجموعة فنانين، يقدمون خلالها إصداراتهم الجديدة، إلى جانب استضافة فرق الرقص المنتشرة بالمدينة.
** الكوميديا وتحديات المجتمع
وفي كل أسبوع يعتلي خمسة كوميديين خشبة المسرح، 20 دقيقة لكل منهم، يتناولون خلالها في قالب من السخرية، قضايا الفساد المالي والأخلاقي المنتشرة في المجتمع، والمحسوبية والقبلية، إلى جانب معاناة المواطنين بسبب غياب السلام والاستقرار في البلاد.
يقول الكوميديان إيزاك لوميري، أحد الأعضاء المؤسسين، للأناضول: “استطعنا خلال السنوات الماضية تحقيق الوحدة بين الفنانين والمبدعين المنحدرين من مختلف المناطق، فالكوميديا تعد عاملا موحدا لكافة ألوان الطيف في جنوب السودان، والرسائل التي نقوم بإيصالها توطد دعائم السلام بين الجيل الجديد، الذي بات أكثر حرصا على حضور عروضنا”.
لم يتوقف نشاط “كيلكلو أنا” عند هذا الحد، بل أصبحت مشاركا أساسيا في جميع الحملات الوطنية للتضامن مع ضحايا الحرب، وتقديم التبرعات للمشردين من خلال المساهمة في حملة “عشان بلدنا”، التي كانت تقدم عروضا فنية يعود ريعها للمعوقين حركيا.
كما شاركت في عروض أقامتها بعثة الأمم المتحدة داخل معسكرات حماية المدنيين بالعاصمة جوبا، إضافة إلى تقديم أعضائها عروضا فردية في مختلف المناسبات الاجتماعية، مثل أعياد الميلاد وحفلات الزفاف، على مستوى العاصمة وبقية الولايات.
** منبر حقيقي لمحبي السلام
أما الكوميديان فيل فري، فإن “كيلكلو أنا” بالنسبة إليه ليست مجرد منظمة تهدف لنشر الفرح عبر الكوميديا، وإنما هي منبر حقيقي لمحبي السلام في جنوب السودان.
ويزيد بالقول: “كليلكو أنا، منبر لجميع محبي السلام والتغيير نحو الأفضل في جنوب السودان، كما أنها تعد مكانا لاكتشاف المواهب الكوميدية الجديدة في بلادنا”.
ومن أجل توسيع مساحة تأثيرها، قامت الجمعية مؤخرا بتوقيع مذكرات تفاهم مع إذاعتي “بخيتة” التابعة للكنيسة الكاثوليكية، و”مرايا إف إم” التابعة لبعثة الأمم المتحدة بدولة جنوب السودان، لنقل عروضها وبثها على امتداد أثيرهما في ولايات البلاد.
كما يقوم التلفزيون الرسمي بتصوير ونقل العروض التي تقدمها المجموعة، ليشاهدها المواطنون المقيمون خارج البلاد.
يقول شانتي مان، رئيس المجموعة: “خلال عملنا المتواصل في السنوات الخمس الماضية، استطعنا التأثير إيجابا في مواطني جنوب السودان، ففي جميع عروضنا نحرص أن يقدم أحد الكوميديين رسالة سلام للجمهور”.
ويتابع: “لاحظنا من خلال تفاعل الناس معنا، تأثير الكوميديا في حياة الناس العاديين، وما حققناه من شهرة دليل على ذلك التأثير الناتج عن خفض حالة الكبت التي كان يعيشها الناس قبل ظهورنا على الساحة الفنية”.
وتحرص “كيلكلو أنا” عبر عروضها الأسبوعية، على إطلاق حملة لحل إحدى القضايا التي تؤرق المجتمع في جنوب السودان، وذلك من خلال جمع تبرعات من الجمهور عبر وضع صندوق كبير أمام خشبة المسرح.
وفي الأسابيع الأخيرة، تركز اهتمام المجموعة على دعم قضية تعليم الفتيات، إذ تقدم التبرعات للمنظمات العاملة في مجال رعايتهن وتعليمهن على مستوى العاصمة والولايات.
تقول فيولا داريوس، (25 عاما) من متابعات عروض المجموعة، للأناضول: “أتابع العروض التي تقدمها المجموعة كل أسبوع، فهي تقدم عديد من الرسائل المشجعة والمحفزة اجتماعيا في قالب كوميدي ظريف وشيق”.
وتضيف: “إنه المكان الوحيد للترفيه داخل المدينة، حيث تشاهد فنانين جددا، ورقصات بديعة، وتخرج بعد العرض وأنت أقل توترا، تشعر بأنك تعيش في جنوب السودان بتعدد قومياته ولغاته”.
وتعاني دولة “الجنوب”، التي انفصلت عن السودان عبر استفتاء شعبي في 2011، من حرب أهلية بين القوات الحكومية والمعارضة، خلّفت حوالي عشرة آلاف قتيل، وشردت مئات الآلاف من المدنيين، وفي 5 سبتمبر/أيلول 2018، وقع الفرقاء اتفاقًا نهائيًا للسلام، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لكنه تنفيذ بنوده ما زال عالقًا.
وكالة الأناضول