على الرغم من مرور عام واحد وشهور قليلة فقط على تولي آبي أحمد منصب رئيس وزراء إثيوبيا، فإن البلاد شهدت ثلاثة أحداث عنف ذات صبغة انقلابية تهدد أمن البلاد.
ومن المصادفات الغريبة وربما المدبرة أن كان أول انقلاب على آبي أحمد في 23 يونيو/حزيران 2018، عندما تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة بعد شهرين فقط من توليه المسؤولية بسبب قراراته الإصلاحية، وهو تقريبا التاريخ نفسه الذي شهد أحداث إقليم أمهرا الأخيرة التي وقعت مساء 22 يونيو/حزيران 2019.
وأما المحاولة الانقلابية الثانية فتجلت في اقتحام مجموعة من أفراد القوات الخاصة بالجيش مقر رئاسة الوزراء في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصفها حينها آبي أحمد بأنها كانت محاولة لتصفيته، واستهدفت إجهاض التغيير الذي تشهده البلاد.
وتعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها أمهرا شمالي البلاد في 22 يونيو/حزيران الماضي أخطرها، ففي تلك الليلة وقعت أحداث مؤسفة في أمهرا ثاني أكبر منطقة إثيوبية من حيث عدد السكان، حيث قامت مجموعة مسلحة باقتحام مكتب حاكم الإقليم أمباتشو مكونن، في حين اقتحمت مجموعة أخرى مكتب مستشاره أززي واسا.
وأعلنت الجهات الرسمية عن مقتل الجنرال المتقاعد غزاي أبرا، ورئيس الأركان سعري مكونن أثناء وجودهما في منزل الأخير بالعاصمة أديس أبابا على يد حارسه الشخصي، وهي عملية جاءت بعيدة عن مكان الانقلاب، إلا أنها تزامنت معه، وهو ما فسره مسؤولون بأنها ترتبط بالأحداث نظرا لأن الضابطين المقتولين كانا يخططان للرد الفوري على محاولة الانقلاب الفاشلة.
ولم يكن حاكم أمهرا ومستشاره الضحيتين الوحيدين للحادث، إذ بلغ عدد القتلى خمسة أشخاص، بينهم النائب العام بالإقليم ميغبارو كبدي، كما ساهمت أحداث عنف شهدتها مدينة بحر دار عاصمة أمهرا وكذلك ما حدث في أديس أبابا في وقوع عدد من القتلى والجرحى، وقد أعلن الحداد ونكست الأعلام حزنا.
ووصف مكتب رئيس الوزراء ما حدث بأنه محاولة انقلاب فاشلة، وكشف أن مدبرها هو رئيس جهاز الأمن في أمهرا بهدف التخلص من الحاكم المحلي للإقليم. واللافت هو الظهور الأول لرئيس الوزراء منذ توليه الحكم بالزي العسكري، وكان يلقي كلمة مقتضبة نقلها التلفزيوني الحكومي بشأن أحداث أمهرا، وقد عكس الشكل الذي ظهر به آبي الجدية والحزم في مواجهة أمر خطير تمر به البلاد.
اتهامات متبادلة
وفي بيان صادر في ختام اجتماعات اللجنة المركزية الأربعاء الماضي، وجّهت جبهة تحرير شعب تغراي (أحد أكبر الأحزاب المكون للائتلاف الحاكم) اتهاما لحزب أمهرا الديمقراطي (شريكها بالائتلاف) بالعمل على تسهيل انتشار القوى الشوفينية (الوطنية المفرطة) محملة الحزب مسؤولية الأزمة التي تعيشها إثيوبيا، وطالبته بتقديم الاعتذار للشعب.
ودعت الجبهة في البيان إلى إجراء تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين الأمنيين والسياسيين الذين لديهم معرفة مسبقة بعملية الاغتيال وتقديمهم للعدالة، وأشارت جبهة تحرير شعب تغراي إلى صعوبة العمل مع حزب أمهرا الديمقراطي.
بالمقابل، اتهم حزب أمهرا الديمقراطي الجبهة “بالعمل مع قوى خفية (لم يسمها) لزعزعة استقرار إثيوبيا” وحملها مسؤولية الاغتيالات التي وقعت في 22 من يونيو/حزيران الماضي، وراح ضحيتها عدد من كبار المسؤولين في إقليم أمهرا.
كما أشار بيان اللجنة التنفيذية لحزب أمهرا الديمقراطي إلى بيان جبهة تحرير تغراي، قائلا إن البيان الأخير فضح سياسة المؤامرة المخزية التي تنتهجها الجبهة، كما اتهمت اللجنة التنفيذية جبهة تحرير تغراي “بإيواء المجرمين الذين نهبوا البلاد وثروات الشعب”.
مقاومة الإصلاح
ويعتقد بعض المراقبين للأوضاع أن تكرار محاولات الانقلابية في فترة محدودة من حكم آبي أحمد ربما تنذر بمؤشرات خطيرة على وجود مقاومة كبيرة لجهود الإصلاح، وقفز على الشرعية الديمقراطية التي جاءت برئيس الوزراء للحكم، مما يعني أن النيل من هذه الشرعية يسبب تراجع البلاد إلى أجواء غير ديمقراطية عانى الشعب كثيرا من مرارتها.
ويرى مراقبون أن أحداث إقليم أمهرا الشهر الماضي تعكس حالة من الصراع العرقي الكامن والمحموم بين مختلف طوائف الشعب مما يفرض مهمة صعبة وثقيلة على رئيس الوزراء الذي ينتمي لأكبر القوميات “الأورومو” والتي عانت كثيرا من الاضطهاد في الماضي.
ويلقي هذا الوضع بأعباء جسام فيما يخص الحفاظ على التوازن بين الإجراءات الإصلاحية الديمقراطية، وبث روح الطمأنينة، واستعادة الثقة بين الشعب بمختلف أعراقه وبين الحكومة، والحفاظ على وحدة الدولة وهيبتها، والضرب بيد من حديد لأي محاولة تسعى للنيل من أمن البلاد.
الجزيرة