أخيراً أُسدل الستار على قضية المُفاوضات التي جَرَت بين “قِوى الحُرية والتّغيير” و”المجلس العسكري” بعد عمليات شدٍ وجذبٍ، باتفاقٍ وقّع عليه الطرفان عقب دخول الوساطة الأفريقية الإثيوبية، إضافة لمبادارات الداخل من القوى السياسية المختلفة. ونص الاتفاق على تشكيل مجلس سيادي من العسكريين والمدنيين بنسبة (5+5+1 شخصية مدنية عسكرية)، فيما وجد الاتفاق ردود فعل مُتباينة وسط القِوى السِّياسيَّة التي رأت فيه بعض الجوانب والرؤى السّلبية، كما رأت فيه الكثير من المَواقف الإيجابية.. وكان منصب رئيس الوزراء هو الذي وَجَدَ من الجدل الكثيف، ما جعل من أمر الحكومة القادمة كلها مرهونةً بمقدرته ورؤيته للكيفية التي يُمكن أن يُقاد بها السودان في ظل المُتغيِّرات والمُنعطفات الخطيرة مِمّا يدفعنا لفتح أبواب التساؤل كثيراً للمعايير التي يتم اتّباعها في اختيار شَخصية رئيس الوزراء صاحب المهام الكبيرة، التي يقف عليها إخراج السودان من أزمته الراهنة عبر قيادته لحكومة المهام، التي تجرى مُباحثات ومُفاكرات جَادّة ومُهمّة حول اختياره خلال هذه (السويعات) قبل أن يتم الإعلان عنه.. فما هي هذه الصفات والمَعايير التي يَجب أن تتوفّر في رئيس الوزراء القادم لقيادة حكومة الكفاءات المُتّفق بشأنها مُؤخّراً؟
القدرة على القيادة
ويرى القيادي بالمؤتمر الشعبي د. أبو بكر عبد الرازق، إنّ المَهَام الرئيسة والأساسية لرئيس الوزراء القادم بجانب مَعايير اختياره، أنّه يعتبر في المقام الأول رئيساً لإدارة مجلس الوزراء، ومُهمّته أن يقود حركة التخطيط ومُبادراته بالتّضامُن مع مجلس الوزراء وقضية المُتابعة والرقابة والإشراف والتّنسيق والتّخطيط والاتّصال الإداري وكل العمليات الإدارية من أجل أن يؤدي مجلس الوزراء المهام المُنوطة به توصيفاً وظيفياً على أتمّ وأحسن حَالٍ بما يفضي إليه مَصلحة المُواطن وخَير البلد، باعتبار أنّ ذلك إنّما يكون بمُواصفات ناطق يَستطيع أن يُعبِّر عن مَجلس الوزراء وعن الدولة السودانية، وله القدرة على مقابلة الدبلوماسيين والسفراء والرؤساء والقدرة على التطواف في البلاد وتلمُّس احتياجات الناس.
الإدارة والسياسة
وقال أبو بكر، إنه وفي الفترة الانتقالية، فإنّ مجلس الوزراء كله يُعتبر مجلساً لتنسيق الأعمال والتسيير، مُهمّته أن يقوم باحتياجات الناس وخدماتهم وأمنهم ومُعالجة الأزمات السِّياسيَّة والأمنية، وأن يرسي السَّلام، وأن يُخَطِّط المَلعب السِّياسي للتّحوُّل الدِّيمقراطي الكَامِل مِن حَيث إرساء حُقُوق الإنسان والحُريات وتَعديل القَوانين المُقيّدة للحُريات والتّوافُق مع القوى السياسية على قانون الانتخابات العادل النزيه وعلى مفوضية الانتخابات وكيفية إدارة الانتخابات وإنجاحها بما يفضي إلى حكومةٍ ديمقراطيةٍ ومُنتخبة تتسلّم البلاد وتقودها خلال الفترة القادمة. ولذلك كله يرى أبو بكر أنّ منصب رئيس الوزراء للفترة الانتقالية يجمع ما بين الإدارة والسياسة، ولكن تظل العملية الإدارية هي الأهم، وحتى إن كان مُتَخصِّصاً تخصُّصاً فنياً ما لا ينبغي أن يصرف همّه إلا على حُدُود 10% من التّخصُّص الفني، وأن ينفق بقية الـ90% على بقية العمل الإداري بالتّفاصيل التي ذَكرتها حتى تؤدي مهامها بكفاءةٍ.
ويرى عضو الشعبي أنّ الاتّفاق بالنسبة لهم وفي واحدة من الصفات الأساسية أن يكون رئيس الوزراء وكل الوزراء من ذوي الكفاءات والخبرات من غير ذوي الانتماء السِّياسي مُستقلين غير حزبيين، وقال انّ هذا ما تجمع عليه جميع القوى السياسية.
ذات كفاءة ومُستقلة
الاستراتيجي والمُحلِّل السياسي البروفيسور عبده مختار موسى قال لـ(الصيحة)، إنّ معايير رئيس الوزراء القادم لرئاسة مجلس الوزراء الانتقالي هو أن يكون شخصية ذات كفاءة ومُستقلة بدون انتماءٍ لحزب سياسي، وأن يتمتّع بالقُبُول لدى كل الأطراف قُبُولاً نسبياً وليس مُطلقاً، لأنّه لا يتوقّع الإجماع وسط كل الناس على شخصٍ بعينه، وإنّما على أقل درجةٍ أن يجد القبول وسط القوى السياسية بالقدر المطلوب، وأن يجيد العمل على روح الفريق في المرحلة المقبلة ليعيد للمؤسسات قُدرتها وحَيويتها التي فقدتها، لأنه من أزماتنا إضعاف المؤسسات في الفترة الماضية، واختيار الكوادر المُساعدة له مع المُكوِّنات الأخرى، ويشمل ذلك اختيار حكام الولايات والمحليات ومديري الجامعات والسفراء، كلها يجب أن تكون على معايير الكفاءة والمقدرة من الخصائص التي يجب أن تكون من المعايير التي يجب أن يتبع في اختياره هو واختيار حكومته.
الاضطلاع بالقضايا
ويقول مختار، إنّ من مسؤوليات مجلس الوزراء هو أن يضطلع بكل القضايا التي يرى أنّها قد تُعيق مسار الحكومة المُقبلة عبر الأدوات التي يمتلكها وفقاً للكفاءة المهنية والعلمية التي أهّلته للعب هذا الدور، في وقتٍ يشهد فيه السودان أزمةً حقيقيّةً تتطلّب هيكلة اقتصادية بعيدة المدى لحل مُشكلة السودان الاقتصادية، والعمل على تَمهيد الطريق لذلك عبر إنهاء الأزمة السياسية مع الحركات المُسَلّحَة وإبداء الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية المُتكاملة. وكان قد رشح قبل أسابيع أن طرحت قِوى الحُرية والتّغيير على طاولة المجلس، العديد من الأسماء لشغل منصب رئاسة مجلس وزراء الحكومة في فترة ما قبل الفترة الانتقالية، الأمر الذي ربما يجعل من هذا الطرح قائماً في ظل التحديات الكبيرة التي لازمت هذا الملف، وقالت المصادر وقتها إنّ المجلس العسكري ربط الخيارات بثلاثة أسماء فقط هي التي تمّ طرحها بشدةٍ وسط اتفاق الأطراف المخُتلفة لاختيار رئيس الوزراء منهم لحين الوصول الى صيغةٍ مُرضيةٍ والاتّفاق حول الحكومة الانتقالية وإجراء الانتخابات. وقد برز في قائمة المُرشّحين الأبرز اسم السيد رئيس حزب المؤتمر السُّوداني السَّابق ورجل الأعمال المعروف إبراهيم الشيخ والبروفيسور ﻫﻨـﻮد أﺑﻴﺎ كدوف، أستاذ القانون بجامعة الخرطوم سابقاً، عميد ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن العالمية باﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻴﺔ (ﻣﺎﻟﻴﺰﻳﺎ) الآن، وهو أحد السودانيين والطيور المُهاجرة، فيما رشحت مصادر أخرى رفيعة من أن الحرية والتغيير وقع اختيارها بالكامل على تعيين الخبير الأممي عبد الله حمدوك.
من الأنسب
ورغم أنّ الأسماء التي رُفعت، وجدت اهتماماً من قِبل كل الأطراف للمواقف القوية التي لعبتها في الراهن السياسي، إلا أنّ حُظُوظ تولي مقعد رئاسة مجلس وزراء حكومة المهام المُنتظرة ما زالت تنحصر بين أسماءٍ مُحَدّدَةٍ ربما لم تجد طريقها للنشر بعد. فهل القادم سيكون على قدر تحدي المرحلة المقبلة أم أنّ المعايير الموضوعة يستعصي توافرها في السّاحة السِّياسية الآن؟ ثم ليبرز السؤال الأهم حول مَن هو الرجل الأنسب لقيادة حكومة وزراء وأعمال الفترة الانتقالية؟ وهذا ما سوف تجيب عليه الساعات القادمة.
تقرير: عبد الله عبد الرحيم
الخرطوم (صحيفة الصيحة)