نعم… فالشاهد أن التغيير المأمول يبدأ من داخلي وداخلك وداخله وداخلها ودواخلهم! وكل منا يساهم بقدر نسبي في إنزال أحلامنا المرجوة كشعب جبل على المعاناة إلى أرض واقع الرفاهية والتطور وعليه البدء في ترديد العبارة أعلاه بإلحاح وحماس وثقة.
فلا تعتقد ــ عزيزي القارئ ــ أن الأمر يقتصر على تلك الأسماء الرنانة والكيانات المعتبرة التي جلست وانفضت وشككت كل في الآخر وعلت أصواتها بهتافات التنديد والوعيد واقتتلت ثم عادت وجلست وعقدت الاتفاقيات وتصافحت وتبادلت الابتسام أمام الشاشات لتعلن لنا توافقها على البدء في منحنا حقنا المستحق في حياة كريمة ومستقبل واعد!!!
فبينما انقسم الناس ما بين عسكرية ومدنية كان هناك صوت ثالث خفيض وواهن يتساءل ببساطة عن كيفية حصوله على رغيف الخبز بسلاسة ودون اصطفاف وعن آلية توفير تيار كهربائي منتظم يجابه به حر الصيف القائظ !! فهل يعد ذلك التساؤل خروجاً عن ملة الثورة أم تسيباً عن حصة الوطن؟!!! هل هو خيانة تستوجب التجريم أم غيبوبة تستدعي الإشفاق؟!
والطريف أنني كنت أستقضي بعض اللوازم المنزلية التي أثقلت كاهل محفظتي المهترئة من متجر الحي صبيحة الاتفاق الميمون بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وإلى جواري زوجان وديعان يتشاركان اختيار احتياجاتهما ويتشاوران في ما هو ضروري وما يمكن الاستغناء عنه بحسب ميزانيتهما الهزيلة… وفجأة انقطع التيار الكهربائي كعادته… فعلقت الزوجة الشابة مخاطبة زوجها بصوت خفيض:(ما قالوا بقت مدنية… قاطعنها لييه)؟!! وعقدت بدوري حاجب الدهشة للعلاقة المفترضة بين الأمرين في خيالها…. ولكني انتبهت لكون الكثيرين يعتقدون أن المدنية هي العصا السحرية التي ستقلب موازين البلاد والعباد بشكل إيجابي في بضع ثوان قفزاً بسرعة الضوء فوق كل الأزمات المعقدة والديون المتراكمة والاقتصاد المتردي وقبل كل ذلك العقلية السودانية المتحجرة والنفوس الموبوءة بالأمراض والتي تمثل السواد الأعظم من أهل بلادي!!
أقول هذا… وأرجو أن نقتلع رؤوسنا المدفونة في رمال الوهم لننظر للأمور من حولنا بواقعية وتجرد… وحينها سيكتشف كل منا أنه ساهم بقدر ما في الوصول بنا لتلك الحال المزرية التي عرفنا بها واعتدناها ثم تمردنا عليها بشكل صوري يفتقر للعمق والشفافية والصدق مع الذات.
فأبداً لن يستقيم ظل الوطن ما دام عود المواطن أعوج ومنخوراً وقصيراً… فكيف ترانا سنخرج من عنق هذه الزجاجة المتسخة؟!
الإجابة ببساطة: علينا أولاً أن نتوقف عن التدافع الشرس نحو تلك الفوهة….ثم نتنهد بعمق لمرات عديدة حتى نخرج الهواء الساخن من صدورنا…ثم نشحذ أرواحنا بالإنسانية وقبول الآخر…ثم نضع خطة دقيقة لتفعيل إستراتيجية طموحنا بإيثار مطلق تكون فيه الـ(نحن) أهم من (الأنا).
حينها فقط يمكننا أن نُساهم بكل فخر في إحداث التغيير المنشود وخلق واقع مغاير لما هو كائن بحيث نعيش كما نستحق ويستحق الوطن.
فهل توقف أحدنا ليتساءل: ثم ماذا بعد كل البنود التي تم الإعلان عنها؟! ماذا بعد أن هللنا وكبرنا وخرجنا نجوب الطرقات مغتبطين وملوحين بالأعلام ونحن نطلق الزغاريد ونتبارى في العبث بأصوات أبواق السيارات والاحتشاد في الشوارع متبعين سياسة القطيع، وأنا أكاد أجزم أن عدداً مقدراً لم يتمعن في ما ذهب إليه الاتفاق ولا يفقه عن الأمر برمته الكثير!!!
عليه…. مخطئ من ظن أن التغيير معقود بنواصي الأحزاب أو رجال السياسة؛ أو مرهون لتوقيع أو تحاور أو وساطة…. فالتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل… حين نغير أنفسنا على أمل أن يغير الله ما بنا ويسبغ علينا رحمته وعطاياه وخيره العظيم بإذن الله.
تلويح:
قد تكون أنت اللبنة الأهم في جدار الوطن الجديد فلا تتهاون ولا تستهن.
داليا إلياس
صحيفة الصيحة