غندور يتناول إفطاره الصباحي أمس بمطعم ريدسون، وفي خاطره قليل من السرور، للتطور النسبي الذي حدث ليلة البارحة في اجتماع الساعات الست بينهم ووفد الحركة في غياب الوسطاء.
عرمان جاء للمطعم وألقى التحية على غندور، لكنها كانت باردة وفاترة. الأخير شعر أن أمراً ما وراء هذا الفتور !
بعد نصف ساعة من هذا المشهد المتوتر، عقد اجتماع مشترك بين الوفدين، الانفعال كان بادياً على عرمان الذي عاد يتحدث بذات اللغة الفصالية الحادة معلناً تمسكه بكل المواقف التي طرحها في أول يوم للتفاوض، مغلقاً الباب أمام أي احتمال لتقديم تنازلات.
عرمان كان على استعداد لسماع تعليق الوفد الحكومي على ما قال، وهيأ بعض أعضاء وفده للحديث، لكن غندور قرر بحسم إنهاء الجلسة، طالما أن عرمان تراجع عن تفاهمات الاجتماع السابق، وأحال غندور الأمر للوسطاء، الذين ظلوا طوال أيام المفاوضات يتجنبون التدخلات المباشرة.
لم يستغرق ذلك الاجتماع عشر دقائق، وعادت عربة المفاوضات مرة أخرى إلى الوحل، وانهارت الهدنة الإعلامية، وسطت تكشيرة صارمة على وجه ثامبو أمبيكي، وتلاشت ابتسامته الدبلوماسية، التي كان يغازل بها كاميرات الإعلاميين !
السؤال الذي حيرنا جميعاً: ماذا حدث منذ الاجتماع الناجح الذي تم بين الوفدين ليلة أول البارحة إلى لحظة المقابلة الصباحية، التي تمت بين غندور وعرمان بمطعم ريدسون، ما الذي أغضب عرمان وجعله يقلب ظهر المجن؟!
الراجح أن عرمان انزعج جداً من تصريحات مني أركو مناوي حليفه في الجبهة الثورية، تلك التصريحات التي أعرب فيها مناوي عن عدم رضاه عن قبول الحركة الشعبية قطاع الشمال الدخول في تفاوض مع الحكومة، بمعزل عن بقية قوى الجبهة الثورية!
عرمان سياسي يجيد لعبة التحالفات، وربما توصل لقناعة بعد تصريحات أركو أن اقتراب الحركة الشعبية من الحكومة، ولو لسنتمترات قليلة؛ سيترتب عليه تلقائياً ابتعادها أميالاً فارقة من حركات الجبهة الثورية.. فهو لا يريد إطلاق عصفور اليد قبل أن يضمن البديل التعويضي.
عرمان ووفده المفاوض في موقف بالغ التعقيد، فالتقدم في المفاوضات مع الحكومة سيباعد بينهم وحلفاء الميدان، والانسحاب منها سيجعل حركته في مواجهة المجتمع الدولي، الذي أعلن ممثله أمبيكي أنها مفاوضات الفرصة الأخيرة.
لم يكن أمام عرمان سوى استخدام طريقته القديمة في حرق الشطة داخل غرفة التفاوض، لتشتعل نوبات العطاس، ليهرب وفد الحكومة بحثاً عن الأوكسجين، فكان إعلان تمسك الحركة باتفاق نافع عقار !
ما تفاجأ به عرمان، أن الوفد الحكومي أعد نفسه لهذا السيناريو، فقد كان يحمل معه كمامات واقية!.
اختفى عرمان لعدة ساعات من بهو فندق ريدسون، وفي الثامنة مساءً جاء المبعوث الأمريكي وسكرتيرته الجميلة السمراء، ليلتقي بغندور وما دار بينهما ستظهر نتائجه العملية صباح اليوم.
وكل شيء وارد! .
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني