ربما تكون الدوافع هي طبيعة الشخصية السُّودانية التي تميل إلى إقامة أيِّ شكلٍ من أشكال العلاقة مع الآخرين في كل المواقف حتى وإن كانت قصيرة الأمَـد تنتهي بانتهاء الوقت المُحَدّد لها، وقد تكون دوافع المعيشة وظُرُوف الحياة الصعبة هي ما يدفع سائق إحدى سيارات الأجرة للفضفضة مع (الزبون المسكين) في ذلك المشوار، حيث تبدأ رحلة الونسة منذ إبرام الاتفاق على السعر، مُروراً بالمكان قبيل بث حلقات ذلك المسلسل الذي تتكرّر حلقاته مع الكثيرين منا.
(1)
حول الموضوع تحدث لـ(السوداني) الشاب حاتم علي الذي روى لنا قصته مع – سائق أمجاد – تعرّف عليه أمام منزله وطلب منه أن يأخذه إلى مشوار، وبعد الاتّفاق بدأت رحلة الونسة بينهما، وكانت أطراف الحديث تَدُور حَول الأوضاع المَعيشيّة وبعض القِصَص والمَواقف الحَياتيّة، وفي مُنتصف الطَريق اكتشف الشاب حاتم أنّ هنالك (عِلاقة نَسب) تَربط بينه وبين سائق الأمجاد مِمّا جَعل سَائق الأمجاد (يحلف) ويُقـرِّر عَدم أخذ (حق المشوار)، ويختتم حاتم ضَاحكاً: (والله الونسة لو بقت كلها بالطريقة دي أحسن حاجة).
(2)
أما الشاب عثمان الوسيلة – صاحب محل عصائر بالسوق العربي – فيقول لـ(السوداني): (أنا بطبعي لا أتحمّل مثل هؤلاء الأشخاص ولم يحدث وأن تصادفت مع أحدٍ منهم، وإن حدث لي مثل هذا الأمر، فأبسط تصرف هو أن أوقف السيارة فوراً ولو كان ذلك في منتصف الطريق وأعطيه أجرته وأذهب للبحث عن سائق صامت)..!
(3)
الطالبة الجامعية هيبات علي قالت لـ(السوداني) بعد أن أطلقت ضَحكةً قَصيرةً: (مثل هذا النوع من الناس قد يُثير انتباهي ولا أتَردّد في تَجَاذُب أطراف الحَديث مَعهم وغالباً مَا يَكون السائق رجلاً في سِن والدي، لذلك تفرض عليّ أخلاقي احترامه)، وتواصل في الحديث: (قد لا تجمعني مَعه الحياة مَرّةً أُخرى، لذلك عليّ ترك صفات جميلة يُذكِّرني بها، فَأنَا ضد من يتضجّر من مثل هذه التّصرُّفات)، وتزيد: (إلى جانب كُلِّ هذا، فَأنَا أهتم بالمعلومات جداً، وسائقي سيارات الأجرة يمتلكون الكثير من المعلومات)، وتختتم: (هذا الأسلوب الذي اتّخذه لا يكون ثابتاً في كل الأحوال، فهناك بعض الونسات لا أفضِّل الخوض فيها إطلاقاً).
(4)
التاجر بالسوق المحلي خوجلي عبد الكريم قال – بعد أن وَضَعَ بعض البُضاعة المُتكَدِّسة أمَامَه جَانباً -: (شُوفوا.. الونسة مع سائق الأمجاد قد تكون ضرورية وذلك حسب المشوار ومسافته، وحسب شَكل الونسة نَفسها، وعلى الصّعيد الشخصي فأنا “رجل سوق” وقد تعلّمت الكثير من “السوق”، وقابلت أنواعاً مُتعدِّدة من البشر المُختلفين في طبائعهم وعاداتهم وهذا الأمر جعلني لا أخسر أحداً على الإطلاق).
أما الحاجة حياة حسين تقول لـ(السوداني): (هذا الأمر عاديٌّ جداً وغالباً عندما أخرج في مشاوير خَاصّة يصطحبني ابني الأصغر أو ابنة أخي التي تُقيم مَعي، وفي إحدى المَرّات استقلينا عربة أمجاد مع شَابٍ في مُقتبل العُمر ولم ينطق ذلك الشاب بكلمةٍ منذ أن ركبنا معه، وفي مُنتصف الطريق سألته أنا: (مالك يا ولدي ساكت من قبيل؟) فأجاب: (بَفَكِّر في ظُرُوف الحياة دِي يا أُمِّي)، وتختتم حياة: (بعدها دَارَ حِوارٌ طَويلٌ بيننا، وبعد وُصُولنا قدّمَت له الكثير من الدعوات وأحسست أنّني حملت منه أعباء التفكير وجعلته يُفارقني مبسوطاً ومُنشرح البال).
السودانى