طوال الشهر الجاري، سجلت محاضر أقسام الشرطة بالجيزة جرائم قتل عدة، وأكثرها بشاعة وقعت في يوم الجمعة وتحديدا في الساعات الأولى من الصباح، حتى إن خبر وقوع جريمة قتل بأحد مراكز المحافظة بات متكررا، وأبَى شهر يونيو ألا ينقضي دون إضافة واقعة جديدة في الجمعة الأخيرة.
شارع العامل المتفرع من شارع المستشفى بمنطقة العمرانية كان مسرحًا لجريمة قتل مؤسفة دارت أحداثها داخل شقة هجرها قاطنوها منذ عامين، بدأت باتفاق شابين مع ساقطة على إقامة علاقة شرغية معها مقابل مبلغ من المال وسجائر الحشيش بالتبغ وانتهت بجثة ذبيحة.
المكان: شارع الثلاثيني، الزمان: وقت متأخر من مساء الخميس، اتفق “مشمش” مع فتاة عشرينية على مرافقته وصديقه إلى شقة يمتلك مفتاحها لممارسة الرذيلة، وحظي العرض بقبول الفتاة التي أبدت إصرارًا على تناول المخدرات قبل العلاقة الجنسية.
فجر الجمعة توجه الثلاثة إلى الشقة المهجورة وغادر “مشمش” لشراء سجائر الحشيش وزجاجات بيرة لقضاء “سهرة حمراء” كما خيل له الشيطان، وانتهز صديقه الفرصة ليظفر بالفتاة.
عاد “مشمش” إلى الوكر الذي يحتضن تلك الأمسية وفوجئ بمغادرة صديقه، لكنه لم يعبأ بذلك، وراح يمهد الطريق لإقامة علاقة جنسية مع الفتاة كما خطط سلفا إلا أنه فوجئ برفضها القاطع بكلمات حملت قدرا من الاستهزاء بشخصه بقولها “أنا تعبت متقربش مني”.
كانت كلمات العشرينية بمثابة قرع لطبول الحرب، حاول “مشمش” ممارسة الجنس معها بالقوة إلا أنها قاومته، واعتدت عليه بقطعة زجاج “رقبة قزازة” محدثة إصابته بجرح في الساعد، فاشتاط الأخير غضبا، وأمسك الزجاجة منها ليكتب المشهد الأخير قبيل صلاة الفجر بوقت قصير، إذ سدد لها طعنتين بالرقبة، ولاذ بالهرب عاري الجسد “الجزء العلوي” تاركا إياها جثة هامدة في بركة من الدماء.
ظن “مشمش” أن هروبه من مسرح الجريمة سيحول دون كشف المستور، إلا أن شخصية ثانوية اقتحمت أحداث الرواية معلنة عن تحول خطير في مسار أحداثها لدى نزول أحد الجيران من العقار قاصدا مسجد قريب لأداء صلاة الفجر، إذ لاحظ آثار دماء تتوقف عند باب “الشقة المهجورة”.
لم يتردد الجار في إبلاغ شرطة النجدة التي أخطرت بدورها قسم شرطة العمرانية. الخامسة والنصف صباح الجمعة، امتلأت جنبات المنطقة برجال المباحث ما بين زي ميري ومدني مدعومين بنحو 6 سيارات شرطة وميكروباص يترأسهم العميد محمد نبيل مأمور القسم.
أسئلة عدة تلوح في الأفق عما يدور في الشارع الذي يمتاز بحالة الهدوء لاسيما يوم عطلة رسمية، وجاءت الإجابة صادمة للجميع، أخبرهم أحد رجال الشرطة بتلقيهم بلاغ بوجود جثة داخل شقة مغلقة دون الإفصاح عن أية تفاصيل أخرى تساعد في كشف النقاب عما وقع وراء جدران تلك الوحدة السكنية.
عقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن من النيابة العامة، كسر رجال الشرطة باب الشقة المقصودة، عثروا على جثة فتاة ملقاة على الأرض بها آثار جرحين قطعيين في الرقبة بينما يفحص رجال المعمل الجنائي الشقة جنبا إلى ضباط مباحث قسم العمرانية؛ بحثا عن إجابة للسؤال الأهم “ماذا حدث داخل تلك الشقة؟”.
عمد أحد الضباط إلى تتبع قطرات الدم التي شكلت خط سير أحد الأشخاص وكأنه يهرول لإنقاذ خياته ووقف النزيف، ليوجه المقدم محمد غراب وكيل فرقة الطالبية والعمرانية بتفريغ محتوى كاميرات المراقبة المُثبتة بمخبز مجاور للعقار محل الواقعة والتي رصدت خروج شاب في عجلة من أمره تعرف عليه بعض الأهالي “ده الواد مشمش.. عيل مش مظبوط يا بيه”.
بالانتقال إلى ديوان عام مديرية أمن الجيزة القريبة من مجرى نهر النيل، يتابع اللواء محمد الألفي نائب مدير مباحث الجيزة تطورات “الجريمة اللغز” موجها فريق البحث بتكثيف التحريات وتطوير سماع روايات الأهالي من شهود العيان وتضييق الخناق على المشتبه به الرئيسي “مشمش”.
6 ساعات من البحث والتحري للمقدم محمد غراب والمقدم مصطفى عبد الله رئيس مباحث الطالبية كانت كفيلة بفك طلاسم تلك الجريمة، والوقوف على ملابساتها، انطلقت مأمورية استهدفت المتهم في أحد الأماكن التي يتردد عليها، وتمكن الرائد محمد نجيب معاون أول مباحث العمرانية وأمين شرطة سامي عبد الله من ضبطه واقتياده إلى القسم.
أمام العقيد محمد أمين مفتش المباحث أقر المتهم بجريمته، لافتا إلى أنه لم ينوِ قتلها إلا أنها أهانته ورفضت الامتثال لطلبه بممارسة الجنس معه كما فعلت مع صديقه الذي تم ضبطه باعتباره شاهدا على الواقعة، لتسدل الشرطة الستار على القضية في أقل من 24 ساعة بعرض المتهمين على النيابة العامة للتحقيق.
مصراوي