فض الاعتصام، قطع الإنترنت، مسح الشعارات، منع ندوات وقمع المظاهرات المجلس العسكري .. هل بانت ملامح الانقلاب .. ؟

منذ اللحظة الأولى حين خرجت اللجنة الأمنية للنظام البائد وأعلنت انحيازها لمطالب الثورة وتحفظها على قادة المؤتمر الوطني ورأسه في مكان آمن، بدأت الشكوك تدور في أذهان البعض والتصنيف بأن ما تم هو انقلاب على السلطة القائمة آنذاك وقطع الطريق على الثورة الناشئة أكثر من كونه انحيازًا، واستدلوا حينها بعدة دلالات مثل إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال بالإضافة إلى أن غالبية الذين ظهروا كقيادات عسكرية كانوا يمثلون أركان للنظام السابق ومعروفون بانتماءاتهم الصريحة للحزب الحاكم، فضلاً عن أن ما عزز هذه الشكوك الذاكرة التنكرية لتجربة الجبهة الإسلامية وتاريخها في الاستيلاء على السلطة حيث ظن الكثيرون أن ما تم هو فصل جديد لمسرحية أخرى. ويبدو أن هذه الشكوك في النهاية قادت الفاعلين على الأرض لإنجاز الثورة في موجتها الثانية وسقوط (ابنعوف) وإجبار بعض القيادات بالتنحي، كذلك التراجع عن إعلان الطوارئ وحظر التجول.

وفي تلك الأثناء كانت (اللجنة الأمنية) أو المجلس العسكري الانتقالي يؤكد على الدوام بأنه أتى لتلبية مطالب الثوار واستعداده التام لتسليم السلطة للمدنيين وبدأ مسلسل التفاوض من أجل تنفيذ هذه المهمة الذي بدأت حلقاته خاطئة بطريقة خاطئة حيث تحرك المجلس نحو قوى سياسية ذات تاريخ متسخ وكانت حليفة للنظام المخلوع بل وشريكة معه في كثير من الجرائم، والظاهر أن المجلس كان يهدف منذ الوهلة الأولى بالمناورة عبر خلق اصتطاف لمدنيين آخرين وتقديمهم باعتبارهم قوى سياسية يجب أن تمثل في المرحلة المقبلة لقطع الطريق على القوى الفاعلة في الثورة وإرسال رسالة للتيارات الأخرى بأنهم ليسوا وحدهم، ولكن خاب ظنه لأن هذا التحرك لم يعجب الشارع الذي احشدت مجددًا واحتل ميدان الاعتصام بكثافة أكبر وتحت ضغط هذه الجموع أبعد المجلس العسكري بعض وجوهه وخرج معترفًا بدور قوى إعلان الحرية والتغيير في قيادة الثورة وأحقيتها في إدارة الفترة الانتقالية لتستمر بعد ذلك مسلسل التفاوض في الجزء الثاني الذي تم التوافق فيه على تشكيل تحالف الحرية والتغيير للحكومة وإعطائه نسبة (67%) في البرلمان وتعثر جلسات التدوال عند نقطة المجلس السيادي الذي تقاربت فيه وجهات النظر لحد كبير لكن المجلس العسكري أبى إلا أن يعيد الناس مرة أخرى إلى مربع (الانقلاب) الأول بعد أن قام بفض الاعتصام وإلغاء كل الاتفاقيات التي تمت بينه وبين قوى الحرية والتغيير وعودة الاعتقالات من جديد.

فض الاعتصام:
يرى مراقبون أن حادثة فض الاعتصام بطريقة بشعة من أمام القيادة العامة، والأحداث التي تلتها، تعتبر أكبر ردة على الثورة وتأكيدًا لشكوك الانقلاب رغم إنكار المجلس العسكري المتواصل أن ما تم كان يستهدف منطقة كولمبيا ثم كان هناك انفلات من القوة الأمنية (وحدث ما حدث!). ويوضح المراقبون أن الاعتصام كان الشرعية الأولى التي استمد منها ذات المجلس العسكري وجوده ودفعته نحو الانحيار كما يقول لمطالب الثورة، مشيرين إلى أن اكتمال ملامح الردة تمثل في استعانة المجلس العسكري بالحشود البديلة المكونة من قادات الإدارات الأهلية وبعض مشائخ الطرق الصوفية وثلة من سواقط النظام البائد؛ كل ذلك من أجل خلق هالة من القبول والتأييد بديلة لحالة الرفض التي كانت تتشكل ضده داخل ساحة الاعتصام.

قطع الإنترنت:
أعلن المجلس العسكري قبوله بالعودة للتفاوض من جديد بعد ضغوط دولية ومحلية، لكنه في ذات التوقيت قام بقطع الإنترنت باعتباره مهددًا للأمن القومي، في حين يرى فيه الطرف الآخر أن “الإنترنت” وسيط صنع الثورة، وأن قطعه تعدٍّ على الحقوق، ومحاولة لطمس بشاعة الجرم الذي ارتكب أثناء عملية الفض. وكان في المجلس في بادئة الأمر يربط عودته مع عودته التفاوض وفي آخر (تحديث) صرح ياسر العطا عضو المجلس الانتقالي في حوار له في أحدى الصحف أمس أن إرجاعه بعد إعلان الحكومة، رغم أن مدير الهيئة القومية للاتصالات قال – في ذات الصحفية – إنهم يرون أن الوضع الآن مستقر. 
وفي جزئية قطع الإنترنت أيضًا يقول متابعون إن الحديث قبل الثورة فيما يتعلق بحريات التعبير كان يدور حول فتح المنابر والإعلام إلا أن المطالب للغرابة بعد إنجاز التغيير ارتفعت لتشمل عودة الإنترنت الذي لم يتجرأ النظام السابق طيلة فترة المظاهرات على قطعه بشكل كامل.

مسح الشعارات:
الذين يرون أن المجلس العسكري كانت منذ البداية لديه تحفظات على الثورة أو طموحات مستقبلية بعدها، يستدلون كذلك بمسح الشعارات والرسومات التي كانت تزين جدران الحوائط المحيطة والقريبة من ساحة الاعتصام باعتبار أنه ليس من المنطق أن تقول أنك تنتمي للثورة وتقوم في نفس الوقت بمسح شعاراتها بشكل انتقامي، كذلك يستدل هؤلاء بأن فتح قنوات الإعلام الرسمية في تشويه الثوار وساحة الاعتصام هو ردة وتأكيد على نية مبيته مسبقًا.

الإجراءات القمعية:
من الإشارات التي تذهب في ذات الاتجاه وتقدمها المعارضة بأن المجلس يسعى إلى سرقة، الثورة هي الإجراءات القمعية التي ظل يتعامل بها من خلال منعه الندوات والتظاهرات التي يعتقدون أنها حقوق أصيلة اكتسبت بفغل نجاح الثورة وأن عودة الممارسات السابقة في المنع هي عودة للنظام القديم بوجهه الدميم. بالمقابل يقول المجلس العسكري إن منعه خاضع للوائح والقوانيين وأن الشرطة ستتعامل بحسم مع أي (تخريب!).

ترتيب دولي:
يقول الكاتب وعضو المكتب السياسي لحركة (حق) مجدي عبدالقيوم، إن ما قام به المجلس في (11 أبريل) هو انحياز للثورة الشعبية وليس انقلابًا بالمعنى المتعارف عليه، مشيرًا إلى أن ما يحدث الآن تنفيذ لإجندة دولية بما فيها عملية فض الاعتصام الذي أصبح بؤرة تعبر عن نبض الشارع وفرض أجندته التي قد تختلف مع أجندة القوى الدولية والإقليمية. ورأى مجدي أن ما يقوم به المجلس العسكري من حشد هو محاولة لخلق حواضن اجتماعية يستعين بها لفترات قادمة، جازمًا بأن المشهد لن يستمر بذات الحال نسبة لتدخلات ذات العوامل الخارجية. 
وفي ذات السياق يرى بعض المحللين أنه – من خلال الوقائع التي تحدث – يمكن القول إن الانقلاب الذي حدث في السودان على عمر البشير لم يكن انقلابًا بالمعنى وإنما تبديلا لرأس السلطة من خلال خطة سعودية إماراتية بإخراج مصري تعمل على إبعاد البشير عن السلطة بعلمه بعد اشتداد المظاهرات والسخط الشعبي ضده وتأكيد أجهزة استخبارات الدول الثلاثة أن المد الثوري ضد البشير لن يتوقف وسيستمر حتى الإطاحة به، كما أن تطور الأوضاع في السودان وتحول الثورة من سلمية إلى مسلحة سيستدعي إنقاص عدد الجنود السودانيين في اليمن وهو ما يؤثر على الأوضاع على الأرض عسكريا، وقد تم إبعاد البشير وإظهار وزير الدفاع، رئيس اللجنة الأمنية العليا سابقا، عوض ابن عوف، ليكون قائد التحرك ضد البشير، على أن يتقدم باستقالته بعد أيام بسبب وجود اسمه ضمن المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية على أن يتم سحب الموالين للسعودية والإمارات داخل الجيش إلى الواجهة ليتسلموا السلطة عبر المجلس العسكري، وقد تم تعيين عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي في منصب نائب رئيس المجلس العسكري، رغم وجود جنرالات آخرين يقودون قوات أكبر حجما وعتادا من قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي ليكون الاثنان من أنصار بقاء القوات السودانية في اليمن. قد يشير المحللون كذلك إلى أنه تم تطبيق السيناريو المصري في فض اعتصام ميدان رابعة في الخرطوم عبر فض ميدان الاعتصام بالقوة من أمام القيادة العامة بعد أن تحول إلى نموذج للثورة وشكل ضغطًا كبيرًا على المجلس العسكري لوجود الآلاف من المواطنين الثائرين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة. ويعتقد المراقبون أن إصرار المجلس العسكري على أن يكون رئيس المجلس السيادي عسكريًا يتعلق في المقام الأول بأن شاغل هذا المنصب سيكون هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي لا يريد المجلس العسكري أي تعديلات هيكيلة في صفوفها أو أي قرار سيادي يتعلق بسحب أو تقليص القوات السودانية في اليمن والتي من المتوقع إثارة موضوعها في البرلمان الانتقالي الذي تسيطر عليه أغلبيته القوى الثورية حسب نسبة 67% المتفق عليها.

أخيرًا:
عمومًا وفي الجانب الآخر مازال المجلس العسكري يؤكد أنه قد انحاز للهبة الشعبية وأنه الضامن لتحقيق أهدافها، بيد أن من أوْلى مطالب ثورة ديسمبرالمجيدة هو انتقال السلطة إلى حكومة مدنية، فهل ينفذ المجلس العسكري هذا المطلب؟ أم أنه سيركله لتبين ملامح انقلابه بصورة جلية؟.

محمد الأقرع
صحيفة الجريدة

Exit mobile version