كان غيركم أشطر !!

* عادت قوات الدعم السريع لتنتشر بكثافة في شوارع الخرطوم، تمارس كل أنشطتها الاستفزازية ضد المواطنين بعد فترة هدوء مؤقتة، كان فيها الوجود العسكري الأبرز للقوات المسلحة بهيبتها وحضورها الجميل رغم إمكانياتها المتواضعة وتسليحها الضعيف. جاءت قوات الهجانة من الأبيض، والمدفعية من عطبرة، وفتحت لها الخرطوم أبوابها واستقبلها الناس بكل الفرح والسرور. رغم غلاء المعيشة ورقة الحال ظل سكان الأحياء يقومون بواجب الضيافة على أكمل وجه، وبادلهم رجال الجيش الكرم بالاحترام وحسن المعاملة. وفروا لهم الإحساس بالأمن الذي افتقدوه خلال الفترة الكالحة التي انتشرت فيها بعد ارتكاب جريمة فض الاعتصام المليشيات وكتائب الظل وأذيالها من المتفلتين المجرمين يعيثون في الخرطوم والمدن الأخرى فسادا وينشرون الخوف والرعب في قلوب الصغار والأطفال. لم يعبأ بهم الشباب الذي يقابل عنفهم ودمويتهم بالتظاهرات السلمية وهتافات الثورة المجيدة، فيزدادوا غيظا وعنفا، ويزداد الشعب العظيم إيمانا بثورته، وإصرارا على تحقيق أهدافها.

* عندما اكتشف انقلابيو المجلس العسكري أن (جنجويدهم) ودعمهم السريع في القتل والغدر وكتائب ظلهم وقوات أمنهم الملثمة لن تزيدهم إلا رغما ولن تدرك لهم وغما، ولن تخدمهم في شيء سوى تعميق مأساتهم وكراهيتهم في قلب الشعب، وتضاعف إصراره على السلمية والصمود في وجه الظلم، اضطروا لسحبها واستبدالها برجال الجيش العظيم الأوفياء لشعبهم، المتمسكين بعقيدتهم العسكرية التي تربوا ونشأوا عليها في الذود عن حياض الوطن وحماية المواطنين ــ لا قتل الشعب أو الارتزاق باسمه ــ فأعادوا الطمأنينة إلى النفوس، وبسطوا الأمن وأثبتوا للشعب أنه كان على حق عندما لجأ إليهم، وطلب منهم الانحياز لثورته التي هى ثورتهم، واقتلاع الظلم.. فكانوا عند حسن الظن، كالعهد بهم، قبل أن تتحرك قوى الغدر والخيانة وتفرض سيطرتها مؤقتا على المشهد متوهمةً أنها بمليشياتها وكتائبها ومؤامراتها وغدرها وشرائها للذمم الخربة وحشد النفوس المريضة المولعة بالسرقة والنهب وأكل المال الحرام، تستطيع سرقة الثورة وإجهاض الأحلام المخضبة بالدم، ولكن هيهات.. فهم لا يعلمون ولا يدركون أن الثورة تشتعل في النفوس قبل أن تتمدد إلى التروس، وأن موطن الاعتصام هو القلب، قبل أن يكون الأرض.. ولن يستطيع أحد مهما بلغ من قوة وجبروت، وتسلّح بأسلحة الباطل ورضع مال الارتزاق أن يطفئ اللهيب ويمنع الحجر الأصم من الامتثال لإرادة الثوار وتحوله إلى بركان.. الوحش يقتل ثائرا والأرض تنبت ألف ثائر، يا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر!!

* يظنون أن عودة الميلشيات إلى الشوارع، وإطلاق الرصاص وقنابل الغاز وتفريق التجمعات السلمية بالقوة وقطع النت وتكبيل الحريات، ومطاردة الأبرياء في البيوت الآمنة، ورفع السيطان في وجه الناس لاستفزازهم وإهانة كرامتهم، واستخدام كل وسائل العنف المتاحة لهم، سيجهض الثورة ويقهر الثوار، ويمنع الشعب من تحقيق إرادته.. ولا أدري كيف يفكرون، وماذا تصور لهم العقول الغبية؟!.. فإذا كان القتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وارتكاب أبشع الجرائم لم يمنع اشتعال الثورة، ولم ينجح في إخافة الناس من الخروج إلى الشوارع والوقوف في وجه الحاكم الظالم والطغمة الفاسدة بصدور مفتوحة أمام الرصاص وتحقيق التغيير المنشود، فأي مانع آخر سيمنعهم من مواصلة ثورتهم وتحقيق أهدافهم في الحياة الحرة الكريمة؟!.. والدولة المدنية الديمقراطية التي يتطلعون إليها، وقدموا من أجلها أغلى التضحيات ؟!.

* يخدعون أنفسهم بهتافات الذين يبيعون أنفسهم في سوق النخاسة البشرية لمن يدفع، ويطلقون عليها تفويضا شعبيا ليستمروا في تسلطهم وولوغهم في الحرام و بيع الدم السوداني في سوق النخاسة الإقليمية، وإهانة التاريخ المجيد للجندي السوداني والدوس على كرامة الشعب المعلم.. ومِن عجب فإنهم يصدقون أنفسهم ويعتقدون أن الشعب الذي علم الآخرين وحررهم من الجهل وأنار لهم طريق الحرية والمجد، يصدقهم وينخدع بأوهامهم ومسرحيات خيالهم المريض!!

* انسحَبوا من الشوارع والشعب فيها، وعادوا إليها والشعب فيها.. وسينسحبون منها مرة أخرى والشعب فيها، وسيظل فيها بثورته السلمية المجيدة يزلزل بها عرش الطغاة، ولن ينسحب منها إلا بعد اكتمال ثورته وتحقيق إرادته، وانسحابهم إلى الأبد من حياته التي لا مجال فيها للغدر والدغمسة والجغمسة والمجمجة والارتزاق !!

* إذا اعتقدوا أن الشعب ترهبه التاتشرات والمصفحات والدوشكات والرصاص وقنابل الغاز والهروات والسيطان، وتخدعه المسرحيات الهزلية، فعليهم أن يعيدوا حساباتهم.. وإلا كان غيرهم أشطر وأجدر بالبقاء!!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة

Exit mobile version