بالرغم من تعدد الوسطاء في الأزمة السودانية الراهنة، إلا أن الوساطة الإثيوبية تبدو الأكثر وضوحاً من حيث التفاصيل، وبالرغم من نعتها بالفشل الذريع اخيراً، إثر مغادرة المبعوث الإثيوبي للخرطوم، إلا أن حظوظها عادت لتنتعش من جديد، على خلفية المقترحات الجديدة التي قدمتها، لاسيما أن قوى الحرية والتغيير أبدت موافقة مبدئية عليها، وأن لم يبد المجلس العسكري موقفه منها حتى الآن، فيما وجدت دعماً دولياً واضحاً. وتتضمن المبادرة الإثيوبية الجديدة تشكيل مجلس سيادة يكون فيه نصيب قوى الحرية سبعة أعضاء ومثلهم من المجلس العسكري، واختيار شخصية قومية مدنية لتمثل العضو الخامس عشر في المجلس، على أن يظل اتفاق العسكري وقوى التغيير ما قبل فض الاعتصام في الثالث من يونيو الماضي سارياً كما هو، وفيه أن تنال قوى التغيير (67%) من المجلس التشريعي، وإن تشكل المجلس الوزراء منفردة.
وأعلن القيادي بقوى الحرية رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير أن قوى الحرية والتغيير تتجه إلى قبول مقترحات مبادرة الوساطة الإثيوبية بشأن المجلس السيادي، وقال الدقير لـ (قناة الحدث) إنهم لم يناقشوا حتى الآن آلية اتخاذ القرار في المجلس السيادي المستقبلي، ونوه بأن الشخصية الـ (15) في المجلس السيادي سترشح من قبل الطرفين، وجدد الدقير الالتزام بعدم التعامل بعقلية الإقصاء مع جميع القوى السياسية في البلاد، وشدد على أن المبادرة الإفريقية تؤكد على إلزامية التفاهمات السابقة مع المجلس العسكري.
وكان وفد من قوى إعلان الحرية والتغيير، التقى الجمعة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا رئيس المفوضية الإفريقية موسى فكي، وفي حديث للأناضول، أفاد القيادي بقوى التغيير، وجدي صالح، أن اللقاء مع فكي جرى بحضور نائب الأخير ومبعوث الاتحاد الإفريقي إلى السودان حسن ليبات، دون تفاصيل إضافية، ومن جانبها قالت مريم المهدي القيادية في قوى التغيير ونائب رئيس حزب الامة القومي، إن الوفد الذي التقى المسؤول الإفريقي كان يضم أربعة أشخاص إلى جانبها، وهم: وجدي صالح، حسن عبد العاطي، منتصر الطيب ومعتز صالح.
وأوضحت المهدي في نص مكتوب ارسلته لـ (الإنتباهة) أنه كان من المتوقع انضمام كل من نائب رئيس الحركة الشعبية/ قطاع شمال ياسر عرمان ومِنّي أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، للوفد بأديس أبابا، لكنهما لم يتمكنا من ذلك، دون تفاصيل أخرى أيضاً.
ونقلت وكالة الأناضول عن بعض قيادات قوى التغيير، أن دريدي أرسل، خلال الأيام الماضية رؤية نهائية للاتفاق، للمجلس العسكري والمعارضة واوضح ان الرؤية تقوم على تشكيل مجلس السيادة بالمناصفة بين المدنيين والعسكريين، بواقع سبعة أعضاء لكل منهما، على أن يتوافقا الاثنان على اختيار رئيس مدني من خارج عضوية مجلس السيادة، لرئاسة المجلس خلال الفترة الانتقالية، كما تضمنت الرؤية تشكيل الحرية والتغيير الحكومة التنفيذية منفردة، إلى جانب حصولها على 67% من مقاعد البرلمان، وهو ما توصل إليه الطرفان عبر مفاوضاتهما المباشرة سابقاً.
الباحث الاكاديمي والمحلل السياسي محمد التيجاني قال ان نقطة الخلاف الاساسية بين العسكري وقوى التغيير كانت حول رئاسة المجلس السيادي ونسب التمثيل، وطالما ان المقترح الاثيوبي لم يتطرق لهذه النقطة فهي لم تصل لمحل الخلاف بين الطرفين، واستبعد في حديثه لـ (الإنتباهة) ان يقبل العسكري المقترح الاثيوبي، بعد ان افقد قوى التغيير اهم الكروت التي تستند عليها في الضغط عليه وهي الاعتصام، كما انه فرض اجندة جديدة مفادها ان الانتخابات بعد تسعة اشهر، وان المفاوضات لن تكون حصرية مع قوى التغيير وحدها، فضلاً عن إلغائه اتفاقه السابق معها. وذهب محمد إلى ان نجاح المقترح الإثيوبي يحتاج لعمل سياسي ضاغط تنفذه قوى التغيير لتغيير المعادلة السياسية التي فرضها العسكري بعد فض الاعتصام، وذلك عبر العمل الجماهيري عبر الإضراب والعصيان المدني وتسيير المواكب الجماهيرية بصورة مكثفة، بجانب ضغوط تمارسها الولايات المتحدة الامريكية على العسكري وقوى التغيير، ولكنه عاد ليشير إلى ان امريكا تمارس ازدواجية المعايير، وأضاف أن الإدارة الأمريكية إذا كانت جادة في التغيير لطالبت حلفاءها في الاقليم (السعودية والامارات) برفع ايديهم عن السودان، فالعسكري يستمد قوته من تلكما الدولتين، من خلال الدعم الاقتصادي الذي ترفداه به، وإذا توقف ذلك الدعم فيسضطر للتعامل مع قوى التغيير. ويشير محمد إلى ان المجتمع الدولي خاصة الاوربي لديه اهتمام خاص بالاستقرار في السودان، فهو يخشى من انزلاقه للفوضى، مما يجعل الطريق من الصومال الى ليبيا ممهداً للهجرة غير الشرعية إلى اوروبا، وتعتبر الهجرة غير الشرعية احد هواجس الاتحاد الاوربي، واليها ينسب (البيركزت البريطاني) الذي يهدد بتفكك الاتحاد الاوروبي.
ومن ضمن اهتمامات المجتمع الدولي بالشأن السوداني اختتم بالعاصمة الألمانية برلين اول امس الجمعة اجتماع للشركاء الدوليين بمشاركة (الترويكا) والاتحادين الأوروبي والإفريقي و (إيقاد) بشأن الأوضاع في السودان. ووصف المدير العام لإفريقيا والشرق الأدنى والأوسط وأمريكا اللاتينية بالخارجية الألمانية فيليب أكرمان في البيان الختامي أحداث 3 يونيو بـالمأساة. وطالب البيان الذي نشرته الوكالات بعدم وقوع مزيد من أعمال العنف ضد الشعب السوداني ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال. وأكد البيان على أهمية جهود الوساطة الموحدة والمنسقة بدعم المفاوضات المؤدية لحكومة انتقالية بقيادة مدنية مقبولة للسودانيين. وقال البيان: (لاحظت المجموعة أن تشكيل حكومة بقيادة مدنية كنتيجة للمفاوضات سيكون خطوة أساسية في تسهيل تقديم الدعم الاقتصادي والتقني للسودان وضمان للاستقرار السياسي فيه).
وحتى الآن لم يرشح رد العسكرى على مقترح الوساطة الاثيوبية، ولكن تغيير الاوضاع ما بعد الثالث من يونيو يشير إلى صعوبة الابقاء على الاتفاق السابق بين العسكري وقوى التغيير، فقد ظهرت العديد من الكتل السياسية منها كتلة القوى الوطنية للتغيير، وتيار نصرة الشريعة والقانون الذي يضم اطيافاً شتى من الاسلاميين، فضلا عن تحالف النهضة، وبروز مكون الادارة الاهلية، وقد نشط العسكري بواسطة نائب رئيسه في اللقاء بكيان الادارة الاهلية والاجتماع بهم عدة مرات، كما قدمت إليه الاخيرة التفويض بحكم الفترة الانتقالية، وما يجمع بين هذه الكيانات الاربعة بعدها عن قوى التغيير التي يرونها مارست الاقصاء ضدهم، والقرب من العسكري بنسب متفاوتة.
تقرير : ندى محمد أحمد
الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)