قطع الانترنت لم يخرس المحتجين في السودان

ضمن سلسلة التقارير التي تنشرها بي بي سي من صحفيين أفارقة، تصف زينب محمد صالح وضع الناشطين والمحتجين في السودان بعد أن قطعت السلطات الاتصال بالانترنت.

ما زال العديد من السودانيين يشعرون بالصدمة عقب قيام قوات الأمن بتفريق الاعتصام الذي كان ناشطون يشاركون فيه عند مقر الجيش في الثالث من حزيران / يونيو الحالي.

وتقول المعارضة السودانية إن أكثر من مئة من المعتصمين قتلوا في العاصمة الخرطوم في ذلك اليوم، بينما يقول أطباء إن جثث أربعين من القتلى ألقيت في النيل.

عقب تلك المذبحة، عمد المجلس العسكري الانتقالي الحاكم إلى قطع الاتصال بالانترنت، قائلا إن الخطوة ضرورية لضمان “الأمن الوطني”.

في الأيام الأولى للاحتجاجات الجماهيرية التي دفعت بالجيش إلى عزل الرئيس عمر حسن البشير، كان كل سكان الخرطوم تقريبا مشدودين الى هواتفهم المحمولة.

وكانت الجهة الرئيسية التي نظمت تلك الاحتجاجات والمظاهرات – تجمع المهنيين السودانيين – تنشر بياناتها عبر صفحتها في فيسبوك الذي يتبعه أكثر من ثمانمئة ألف شخص.

وكان الآلاف يستخدمون تويتر وفيسبوك لتعزيز جهودهم المطالبة بالعودة للحكم المدني في السودان.

ولكن، وبعد فض الاعتصام الكبير الذي جرى في مساحة شاسعة تمتد من مقر القوات المسلحة إلى حرم جامعة الخرطوم إلى النيل شمالا يسود شعور كبير بالعزلة والوحدانية.

فالمحتجون ليس بمقدورهم أن يتجمعوا فحسب، بل يواجهون أيضا صعوبات في الاتصال ببعضهم البعض للتعبير عن خيبة أملهم وغضبهم والاحباط الذي يشعرون به.
“تكلفة بالملايين”

كما عزلت هذه الخطوة السودانيين عن العالم الخارجي، خصوصا في الأيام التي تلت قمع المحتجين، إذ كان السودانيون المقيمون في الخارج يستقتلون من أجل الاطمئنان على ذويهم واصدقائهم في الداخل.

ويتسبب قطع الانترنت في خسائر للشركات تقدر بملايين الدولارات، حسبما أوردت الصحافة السودانية المحلية، وهي خسائر السودان في غنى عنها خصوصا اذا تذكرنا أن تردي الأوضاع الاقتصادية كان السبب الرئيسي لاندلاع الاحتجاجات في كانون الأول / ديسمبر.

وبالنسبة لي شخصيا، خلق قطع الانترنت صعوبات كبيرة لعملي الصحفي، ففي أول الأمر، اضطررت لاستخدام الرسائل النصية لارسال تقاريري إلى لندن – التي لم تصل كلها إلى الجهة المستلمة.

استمر الوضع على هذا المنوال حتى أسر لي صديق بوجود فندق في الخرطوم لديه اتصال جيد بالانترنت عن طريق خط هاتف ارضي.

ولكن الوصول إلى ذلك الفندق لم يكن سهلا.

فمعظم شوارع الخرطوم كانت مليئة بالحواجز التي أقامها المحتجون والناشطون الغاضبون على قتل رفاقهم، ولذا كان السكان مضطرين إلى التنقل مشيا على الأقدام، خصوصا في الأيام الأولى التي تلت قمع المعتصمين.

وفي مشاهد اتسمت بالغرابة كان الناشطون يقومون بعملهم عند الحواجز بصمت مطبق، وذلك في تناقض واضح مع الأصوات العالية التي تواصلت لشهرين في مكان الاعتصام.

وكانت بعض المكاتب مزودة هي الأخرى بوسائل اتصال بالانترنت عن طريق خطوط الهواتف الأرضية، وكان على شقيقتي أن تمشي لثلاث ساعات من أجل الوصول إلى المكتب الذي تعمل فيه في شرق الخرطوم للاطلاع على رسالة ألكترونية وصلتها من جامعة في الولايات المتحدة تأمل في الالتحاق بها.

وشوهد الكثير من الذين أجبروا على المشي وهم يحملون السكاكين والعصي لحماية أنفسهم، وخصوصا في أم درمان،

بدأ تجمع المهنيين السودانيين مؤخرا بحشد الجماهير عن طريق الرسائل النصية، ولكن انتشار هذه الخدمة ليس متاحا للجميع – فلم أستلم أنا شخصيا أيا من هذه الرسائل – كما يخشى البعض من أن تتمكن السلطات من اعتراضها والتعرف على هوية مستلميها.

ولذا لجأ معظم الناس إلى استخدام المكالمات الهاتفية من أجل تبادل المعلومات، فقد تحدثت هاتفيا في الأسابيع الماضية مع عدد أكبر من الأصدقاء والمعارف مما فعلت في العام الماضي بأسره.

ولكن ما زالت المخاوف تساور السودانيين من امكانية تعقب هذه المكالمات، ولكن ثمة شعور بأن السلطات لا يمكنها مراقبة كل شيء.
التواصل شفويا

بغياب الانترنت، وجد العديد من الناشطين من أجل الديمقراطية أنفسهم مقطوعين عن مصادر الأخبار التي يثقون بها.

ويتجاهل السودانيون على نطاق واسع ما يرد في التلفزيون الحكومي الذي يعتبرونه بوقا للمجلس العسكري.

ولعل قناة الحدث السعودية هي الأكثر متابعة من جانب الجمهور السوداني. ورغم النظرة إلى السعوديين على أنهم من مؤيدي وداعمي المجلس العسكري الانتقالي، تغطي قناة الحدث التطورات في السودان بشكل موسع ولذا نجحت في استقطاب العديد من المشاهدين.

أما حركة المعارضة، فهي بصدد اعادة استثارة عواطف الجماهير ببطء عن طريق ايصال رسالتها شفهيا.

فما لبثت تجمعات الاحتجاج تقام ليلا في ضواحي العاصمة والمدن القريبة.

وتزداد هذه التجمعات حجما مع ذياع صيتها، رغم أن شهودا يقولون إنهم يضطرون إلى عقدها في شوارع ضيقة لوجود قوات الأمن الكثيف في الشوارع الرئيسية.

مع ذلك، يبرهن انتشار هذه التجمعات على مرونة المحتجين وقابليتهم للتكيف، كما يبرهن على أنهم ما زالوا يأملون في أن مطالبهم ستلبى في نهاية المطاف.

BBC

Exit mobile version