قال لقمان الحكيم: (حملت الجندل والحديد و كل شيء ثقيل فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء، و ذقت المرار فلم أذق شيئاً أمر من الفقر).
(الفقر اسوأ أشكال العنف) مقولة قوية تحمل عدة معاني استخلصها (المهاتما غاندي) من تجاربه المختلفة في الحياة، مؤكداً أن الفقر يمكن أن تتولد منه اسوأ المشكلات لأن حاجة المريض للمال تتمثل في مأكله و مشربه وعلاجه لا طموح فوق ذلك وهو يسعي بشتى الطرق لإيجاد المال الذي يمكن أن يحقق له تلك المتطلبات البسيطة.
في الوقت الذي كان قد أفاد فيه صندوق الأمم المتحدة للطفولة أن 22 ألف طفل يموتون يومياً بسبب الفقر المدقع، نجد غول الغلاء الحالي وبطشه الشديد يلحق بكل من لا يملك قوت يومه بسبب فوضى الأسعار وانحسار سوق العمل وتفشي البطالة.
بعد سقوط النظام السابق الذي كان له القدح المعلى في تفشي كثير من حالات الفقر في السودان، توقع الكثيرون أن تزول الأسباب التي تؤدي للفقر وعودة الأمور لنصابها الطبيعي.
(كوكتيل) استطلعت عدداً من الأشخاص لمعرفة الأسباب المؤدية للفقر وما يترتب عليه من آثار نفسية واجتماعية.
(1)
تحدث الفنان سيف الجامعة قائلاً : (الأسباب الرئيسية التي تؤدي للخروج إلى الشارع الفقر الشديد وتدني الأوضاع الاقتصادية التي تكون قد حاقت بالأسر لتجعل بعض الأطفال لا يجدون بديلاً آخر غير التسول الذي يؤدي إلى شعور الأطفال بالقلق لعدم القدرة على تأمين احتياجاتهم الأساسية فيتسولون ولكن بداخلهم غبن شديد من واقع الحال والفقر يُحاصرهم داخل دائرته المغلقة فتتولد السلبيات من جرائم مختلفة و إدمان وأمراض ويكفي قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته).
(2)
اتفقت معه الناشطة في مجال الأسرة والطفل آفاق حيدر قائلة: (الفقر والحاجة الشديدة للمال تجعل البعض منهم يلجأ إلى (الشحدة) وبعضهم لارتكاب الجرائم وبعض النساء يلجأن إلى الحرام مثل الدعارة والقوادة من أجل الحصول على مال ليواجهن الغلاء من أجل المأكل والمشرب والبعض من الأفراد لا يحتمل الفقر فيفكر كثيراً و يزداد الضغط عليه بالتفكير لتكون النتيجة عدد من الأمراض النفسية التي يصعب على الأسرة علاجها حتى يستفحل الأمر فتكون النتيجة مشرداً آخر في الشارع ومجرماً وموموساً بسبب الفقر والحاجة والضحايا على الدوام الأطفال.
(3)
من جانبه قال الفنان عامر الجوهري : ( المال من العوامل الضرورية لحياة الإنسان إلا أن الظروف الاقتصادية الحالية الضاغطة وقفت حجر عثرة في عدم تحقيق ولو جزء يسير من مطالبهم الأساسية ،الأمر الذي جعل الغالبية يخرجون إلى الشارع متسولين بحثاً عن مال لشراء الطعام والبعض الآخر يبحث عن طعامه في صناديق القمامة والكثير منهم أصبحوا مشردين وهم يعانون من العقد النفسية ووصمة العار التي تلاحقهم علي الدوام وسط المجتمع فيحدث الكبت ومن ثم الانفجار الذي قد تكون نتيجته مرض عقلي أو نفسي ليزداد العبء أكثر على الأسرة التي غالباً ما تكون في حالة من اليأس لتتجاهل الأمر غصباً عنها.)
(4)ٍ
يرى علماء النفس أن السبب الأول للأمراض النفسية والعقلية هو الفقر، باعتراف أعلى هيئة متخصصة ومسؤولة عن الصحة النفسية في العالم أنه المسؤول الأول عن الأمراض النفسية والعقلية لتكون أكثر انتشاراً بين الفقراء وهذا يزيد من معاناة الأسر خاصة الطبقات الفقيرة في ظل عدم وجود أنظمة صحية جيدة للعناية بالمرضى النفسيين والعقليين بصورة مجانية وعدم قدرة الأسر الفقيرة على علاج مرضاهم في العيادات الخاصة وغلاء أسعار الأدوية النفسية تجد الأسرة الفقيرة نفسها بين مطرقة الإهمال لمريضهم العقلي والنفسي ما يترتب على عدم علاج هذا المريض وسندان الاستدانة والقروض من البنوك أو عن طريق شركات، وبذلك يرزحون تحت وطأة الديون التي تعقّد حياتهم المعقدة أصلاً بالفقر وإصابة أحد أفراد الأسرة بمرض عقلي أو نفسي. فالشخص المريض النفسي أو العقلي في الأسرة يجعلها تبحث عن أي مخرج نتيجة للضغوط النفسية التي ترزح الأسرة تحت وطأتها، والحل بالديون والقروض هو أيضاً يزيد الضغوط ضغوطاً وتصبح الأسرة في وضع متدنٍ من نواحٍ كثيرة، وهذه الضغوط النفسية الشديدة التي تعاني منها الأسر التي يصاب أحد أفرادها بمرض عقلي أو نفسي تؤثر سلباً على العلاقات بين أفراد الأسرة، ففي بعض الحالات تصل المشكلات إلى الطلاق أو التفسّخ والانحلال الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة نتيجة الضغوط التي ذكرناها والتي يسببها وجود مريض عقلي أو نفسي في الأسرة.
تقرير:محاسن أحمد عبدالله
صحيفة السوداني