أثارت زيارتا رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان لمصر، ومن قبله زيارة نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) للسعودية جدلا واسعا في أوساط المراقبين، ولا سيما أن الزيارتين هما أول اتصال مباشر للرجلين بالخارج.
وتأتي زيارة البرهان وحميدتي في توقيت عصيب بعد فشل المفاوضات بين المجلس وقوى إعلان الحرية والتغيير، وتهديد الأخيرة بسلاح الإضراب السياسي كردة فعل على إصرار المجلس العسكري على الرئاسة والأغلبية داخل مجلس السيادة.
ويتساءل مراقبون عن الأثر المباشر لزيارتي البرهان وحميدتي على مسار الثورة السودانية، وعلى علاقات السودان مع محيطيه الإقليمي والدولي، ومن المنتظر أن يزور البرهان الرياض بعد زيارته أبو ظبي، لحضور قمة عربية طارئة بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية إدريس الدومة أن زيارتي برهان وحميدتي لأكبر دولتين عربيتين تشيران إلى أن المجلس العسكري يستخدم أدوات حكومة الإنقاذ نفسها بالاستقواء بالخارج.
ويضيف الدومة أن زيارة رئيس المجلس العسكري الانتقالي لم يكن لها أي داع لأنه لبى دعوة مصرية قبل تشكيل الحكومة، أي قبل أن يقوم بترتيب بيته الداخلي.
حرب اليمن
ويضيف الأستاذ الجامعي أن نشاط قادة المجلس العسكري في الإقليم يؤكد بقاء السودان داخل تحالف الحرب في اليمن، مشيرا إلى أن مصر لا توافق بعض دول التحالف في مخطط حل الجيش السوداني وتحويله إلى مليشيات.
وبشأن إحاطة تفاصيل زيارة البرهان بالسرية، يقول رئيس القطاع السياسي في الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد سيد أحمد “من الطبيعي أن تكتنف السرية بعض تفاصيل الزيارة نظرا لخصوصية العلاقة بين البلدين، ولما تشهده المنطقة -خاصة في ليبيا- من توترات تؤثر بشكل مباشر على البلدين”.
ولم يتطرق البرهان في زيارته لمصر إلى الملفات الشائكة في علاقات القاهرة والخرطوم، لكنها ركزت على التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وأكدت عودة السودان لمحوره القديم، وليس غريبا -يقول سيد أحمد- أن تؤيد مصر التغيير في السودان، ولا سيما أنها كانت تحتضن قيادات التجمع المعارض لنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
تحركات حميدتي
ويلاحظ الكاتب السياسي عمر البكري أبو حراز أن تحركات حميدتي في الآونة الأخيرة كانت على نحو كثيف، وتوحي بأنه الحاكم الفعلي للسودان، خاصة بعد أن أصبحت قوات الدعم السريع -التي يقودها الرجل- قوة ضاربة تتنامى كل يوم بفعل التدريب وانخراط عناصر قتالية فيها.
ويضيف أبو حراز أن حميدتي يستطيع التمدد داخل المجلس العسكري لضرب نفوذ الإسلاميين.
ويتوقع الكاتب أن يتمكن نائب رئيس المجلس العسكري من وأد حلم الإسلاميين بالعودة إلى السلطة، معتمدا على دعم السعودية والإمارات المعروفتين بموقفهما الصارم تجاه حركات الإسلام السياسي بالمنطقة.
من جانب آخر، يستبعد القيادي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر أن يكون بمقدور الفريق حميدتي وضع حد لاعتصام الثوار أمام قيادة الجيش، ويضيف أن تفريغ ميدان الاعتصام لن يتم إلا بإرادة حكومة مدنية.
حراك السودانيين
ويرى عمر أن للعسكر مزاجا غير المزاج الشعبي السائد الآن، لكن تفريغ الثورة السودانية أمر عصي على المجلس وعلى كل النظم بالمنطقة، لأنها ثورة وطنية اندلعت بعيدا عن المحاور والتحالفات، وما نشاهده من أداء قادة المجلس العسكري يدل على أن السياسة القديمة لم تتغير، وبالتالي فإن زيارة البرهان وحميدتي السعودية ومصر هي تواصل مع حلفاء يجمعهم ميدان حرب اليمن.
من جهة أخرى، يقول الناشط السياسي صلاح شعيب إن قوى إعلان الحرية والتغيير تنشغل عن زيارتي البرهان وحميدتي بالتحضير للإضراب العام يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، وذلك حتى يستجيب العسكر الممسكون بالسلطة لمطلب تكوين حكومة كفاءات ومجلس سيادة بأغلبية مدنية.
ويرى المحلل السياسي عبد الله رزق في زيارة حميدتي المثيرة للجدل إلى السعودية سعيا من الرجل لتعزيز سلطته داخل تركيبة المجلس العسكري، وتقوية نفوذ العسكر في مواجهة قوى إعلان الحرية والتغيير.
ويشير رزق إلى أن زيارات قادة المجلس العسكري للسعودية ومصر والإمارات تبقي السودان ضمن لعبة المحاور، في مواجهة المحور القطري التركي من جهة وإيران من الجهة الأخرى، وأن استمرار مشاركة القوات السودانية باليمن يقابلها دعم مالي وسياسي للمجلس العسكري.
اختطاف الدولة
وتصف الصحفية والناشطة في ميدان الاعتصام درة قمبو تواصل المجلس العسكري بالمحيط الإقليمي بأنه يأتي في سياق محاولات اختطاف الدولة السودانية، لأن الزيارات توحي بأن هناك قوى خارجية تدعم موقف الجيش في الاستحواذ على السلطة، وعرقلة ترتيبات الانتقال للحكم المدني في المرحلة الانتقالية.
وتقول قمبو للجزيرة نت “الثورة السودانية أسقطت البشير لكنها لم تسقط دولته، وهذا الأمر واضح جدا في عدم التزام المجلس العسكري الحياد في علاقات السودان مع الدول الأخرى”.
وتضيف أن إصرار المجلس العسكري على نيل الأغلبية داخل المجلس السيادي يفضح نوايا قادته في استخدام السلطة على النحو الذي يؤزم علاقات السودان الخارجية بارتهانه لجهة على حساب أخرى ، وهو ما بدا في زيارة حميدتي للسعودية.
تقرير: عبد الله محمد
الخرطوم (الجزيرة نت)