تتطور الأحداث في السودان بشكل دراماتيكي، وسط مخاوف داخلية وضغوط خارجية من عملية انزلاق الأوضاع إلى نفق مظلم يصعب الخروج منه.
تسارع الأحداث والاتهامات المتبادلة بين الثوار والمجلس العسكري وتأخر تسليم السلطة للمدنيين والفراغ السياسي والتدخلات الخارجية والضغوط الداخلية، كل تلك المعوقات قد تكون نواة للخلاف والشقاق إن لم تصل الأطراف إلى توافق وبشكل سريع.
جاءت زيارة نائب رئيس المجلس العسكري “حميدتي” للسعودية، وزيارة رئيس المجلس العسكري لمصر والإمارات تؤجج الشارع حول الصفقة القانونية والدستورية التي يتحدث بها العسكري نيابة عن الشعب السوداني بالإضافة إلى رسم السياسة الخارجية، ويرى المحللون أن تلك الزيارات المتزامنة مع وقف التفاوض وعوات التصعيد من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير يمكن أن تعصف بكل المكتسبات التي حققها الشعب السوداني إن لم يتم تدارك الأمور قبل وصولها لمرحلة الانفجار.
الخطأ الأكبر
قال خضر عطا المنان الناشط والإعلامي السوداني بالدانمارك لـ”سبوتنيك”، إن زيارة البرهان إلى مصر وحميدتي إلى الرياض بها تجني كبير جدا على صلاحيات غير ممنوحة لهم، وهم غير مخولين بأن يمارسوا مثل هذه الصلاحيات.
وأضاف المنان، إن السلطة المدنية والتي قامت الثورة من أجلها لم تأت بعد، فمن البديهيات التي قامت من أجلها الثورة حكومة مدنية، وقد تحثنا في ساحة الإعتصام أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة وعدد كبير من الثوار حول تلك الزيارات، والتي تعرضت للإنتقاد.
وتابع المنان، التسويف والمماطلة التي يمارسها المجلس العسكري أو سلطات المجلس، أعطت لهذين الشخصين صلاحيات ليست لهما في الأصل، عملية التسويف التي يمارسها المجلس من خلال التفاوض مع قوى الحرية والتغيير وبقية المكونات الأخرى، اعطت فرصة للمجلس العسكري أن يتمدد ويمارس أمور ليست من صلاحياته.
وأشار الناشط والإعلامي إلى أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته فوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين هو قيامهم بفتح جبهة للتفاوض مع المجلس العسكري، وقد كنت من الرافضين لمبدأ التفاوض من الأساس، لأن المجلس العسكري ليست من صلاحياته أن يمارس هذه السلطة وأن يقوم بتعيين كبار الموظفين في الدولة، هذا ليس من اختصاصه، هذه الأمور يجب أن تتم في ظل حكومة مدنية منتخبة بعد الفترة الانتقالية أو خلالها، لكن بممارسة مدنية.
وأكد المنان، أن الإنعكاسات التي قد تحدث، ربما يحصل المجلس العسكري على نوع من الشرعية لأنهما الآن السلطات الحاكمة بحكم الأمر الواقع، وهو انتزاع لحقوق غير مستحقة وحصلوا عليه بطريقة غير شرعية، وبالتالي لا يحق لهم ممارسة تلك السلطات والقيام بزيارات باسم الشعب سواء في المنطقة أو خارجها.
وأوضح الإعلامي اليمني، المجلس العسكري هو امتداد طبيعي لحكم البشير نظرا لأن جميعهم نشأ في ظل حكم البشير والآن يسعون لإعادة الحكم البائد مرة أخرى من الشباك وليس من الباب، وهذا هو سر التسويف والمماطلة التي تحدث.
علاقات غير متكافئة
قال بكري عبد العزيز مؤسس حملة خروج السودان من الجامعة العربية لـ”سبوتنيك”، إن الزيارات التي يقوم بها رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق حميدتي، تمثل نوع من الإذلال للشعب لأنها تقتصر على ثلاث دول فقط والتي أعلنت تقديم مساعدات للسودان.
وأضاف عبد العزيز، نحن في حملة الخروج من الجامعة العربية وضعنا نصب أعيننا أن تكون علاقاتنا مع الخارج مبنية على المصالح العليا للبلاد وليست مصالح أفراد، كما أننا نرفض التصريحات العنترية التي صدرت عن نائب رئيس المجلس العسكري بعد زيارته للسعودية حول القوات المتواجدة باليمن.
وتابع مؤسس حملة خروج السودان من الجامعة العربية، ضمن بنود الحملة التي يجري اليوم حملة تدشين توقيعات “سحب القوات السودانية من المحاور العربية بما فيها اليمن”.
وأشار عبد العزيز، إلى أن بعد جمع التوقيعات الشعبية المؤيدة للحملة سوف يتم تقديم مذكرة تشمل تلك التوقيعات إلى الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي وإلى الجامعة العربية ذاتها، والتي يقول ميثاقها أنه من حق أي دولة الخروج وفق الضوابط المنصوص عليها.
ضرورة التواصل
أما الفريق جلال تاور الخبير الأمني والعسكري السوداني فقد قال لـ “سبوتنيك”، الزيارات التي قام بها حميدتي للسعودية والبرهان إلى مصر وقد يزور الإمارات اليوم الأحد أوغدا، تلك الزيارات تتجه إلى طريق واحد وهو الدول التي دعمت المجلس العسكرى منذ سقوط حكم البشير وحتى الآن.
وأكد ياور أن الخلافات بين مكونات قوى الحرية والتغيير وعدم التوافق على بنود التفاوض مع المجلس العسكري هى التي أدت إلى تأخر تسليم السلطة، المجلس كان جادا في عملية نقل السلطة للمدنيين.
وأضاف الخبير الأمني والعسكري، أن الزيارات التي يقوم بها رئيس المجلس ونائبه من أجل إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والمالية بالإضافة للمشاكل الجغرافية مع الدول الأخرى، والدول التي قاموا بزيارتها هى الدول الداعمة للاستقرار في السودان.
أضف إلى ذلك أن السودان مشارك بقوات عسكرية في الحرب الدائرة باليمن منذ 5 سنوات، لذا بالتواصل كان ضروريا جدا، والخطر الخارجي الذي ظهر ضد السودان هو تهديدات عبد الملك الحوثي بضرب السدود.
عدم التفاؤل
وتابع تاور، المجلس العسكري في وضع لا يحسد عليه لأنه يتعرض لضغوط من الداخل من جانب قوى التغيير والتي لم تتوافق مع المجلس وتقوم بعملية تصعيد ودعوات للعصيان المدني والإضراب العام بالإضافة للضغوط الخارجية ، وكلها تضع أعباء على المجلس التي يتحمل المسؤولية للخروج بالبلاد من تلك المرحلة التاريخية الحساسة.
وشدد تاور على أن هناك شعور بعدم التفاؤل بدأ يسود في الأوساط السودانية تخوفا من الأحداث القادمة المتوقعة حال استمرار تلك الحالة، ونتمنى أن تنتهي تلك الحالة بأسرع ما يمكن وتسلم الحكومة لحكومة مدنية متفق عليها من جميع الأطراف بما فيها الحركات المسلحة حتى لا تحدث صراعات جدبدة ودون أن ينفرد طرف أو عدة أطراف بها ويترك الأطراف الأخرى.
ويشهد السودان، حالياً، مرحلة انتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، الشهر الماضي، إثر حراك شعبي ضد الأوضاع الاقتصادية، وتولى مجلس عسكري انتقالي مقاليد الحكم لفترة انتقالية، برئاسة وزير الدفاع السابق عوض بن عوف، الذي لم يلق قبولا من مكونات الحراك الشعبي، ما اضطره بعد ساعات لمغادرة موقعه مع نائب رئيس المجلس، رئيس الأركان السابق كمال عبد الرؤوف الماحي، ليتولى قيادة المجلس المفتش العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان.
وتطالب قوى إعلان الحرية والتغيير التي تتزعم الاحتجاجات بنقل السلطة الانتقالية للمدنيين، فيما يصر المجلس العسكري على قيادة الهيئة الانتقالية بمشاركة قوى الاحتجاج.
كان المجلس العسكري الانتقالي قد أشار إلى أن نقطة الخلاف الأساسية عالقة بين قوي الحرية والتغيير والمجلس العسكري حول نسب التمثيل ورئاسة المجلس السيادي بين المدنيين والعسكريين.
وكان كلا الجانبين قد أشارا إلى أنهما على وشك التوصل لاتفاق بشأن فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، كما كان من المتوقع أيضا أن تتمخض المحادثات الأخيرة عن اتفاق، لكن هذا تعذر بعد مفاوضات في قصر الرئاسة بالخرطوم.
غرفة اخبار السودان