يبدو ان قوى الحرية والتغيير (قحت) قد لجأت للكرت الاخير في مفاوضاتها مع المجلس العسكري باعلانها العصيان المدني يومي الثلاثاء والاربعاء القادميين ، وقد ظلت تمارس الضغوط لمزيد من المكاسب والمجلس العسكري يستجيب ، وهى تتلقف تلك المكاسب ولسان حالها يقول هل من مزيد ، فبعد ان كسبت تمثيل في البرلمان بنسبة 67% وتفويض باختيار رئيس واعضاء مجلس الوزراء وتمثيل في المجلس السيادي ، ظلت تضغط على ان يكون المجلس السيادي برئاسة واغلبية مدنية ، وقد تمسكت بذلك حتى اخر اجتماع لها مع المجلس العسكري .والمجلس العسكري الذي يرى احقية ان يكون المجلس السيادي برئاسة واغلبية عسكرية ، يستند في ذلك بانه مشارك اساسي في التغيير الذي حدث بالسودان وازاحة النظام ، وانه لو لا دوره الذي قام به لما استطاع قوى التغيير ان يصل الى ما وصل اليه الان ، ويرى انه تنازل بنسبة كبيرة تصل الى (95%) بينما قوى التغيير ترفض التنازل 5% وظلت تتخدق في مواقفها بما جعل المفاوضات تصل الى طريق مسدود .
وقوى التغيير وهى تعلن العصيان المدني وتنوي تنفيذه قبل يومين من استئناف المفاوضات بينها والمجلس العسكري ، ترغب ان تأتي للتفاوض بموقف اقوى وهى تأمل ان ينجح العصيان المدني بالمؤسسات الحكومية والقطاعات المهنية ، الا ان ما تصبو اليه نسبة نجاحة ضعيفة جدا ، لاسباب عديدة اولها اهتزاز الثقة التي بدأت تظهر تجاه قوى التغيير من الشعب السوداني للخلافات التي ضربت كيانه ومحاولة كل كيان اقصاء الاخر ، ظهر ذلك في البيانات التي تصدر من كياناته كل على حده ، فالشيوعي يظل يسارع باصدار بيانات فور انتهاء جولة المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى التغيير ، تتناقض مع البيان الذي يصدره قوى التغيير ولا تتوافق معه ، وظهرت بعض التسريبات ان قوى التغيير ربما يطرد الشيوعيين من تجمعهم ، كذلك الكيانات الاخرى كحزب الامه الذي كثيرا ما يتنقد الاتجاه الذي يسير فيه قوى التغيير وابرزها الوثيقة التي قدمها قوى الحرية والتغيير ، وكذلك البيانات التي تصدر من نداء السودان والحركات المسلحة الموقعة على اعلان الحرية والتغيير التي تنتقد ما يتوصل اليه قوى التغيير في المفاوضات ، هذا بجانب الخلاف الواضح الذي برز الى السطح في تكوين مجلس قيادي يمثل قوى التغيير في المفاوضات او البقاء على المجلس التنسيقي .هذه الخلافات اسفرت عن الوجه الحقيقي لقوى الحرية والتغيير يشير الى انهم لا يزالون لم يبارحوا مربع ترتيب البيت الداخلي وتوحيد صفوفهم ، فهذا ربما يكون خصما على ثقة الشعب السوداني في قوى التغيير التي لم تنجح في لملمة خلافاتها الداخلية فكيف بها ان تنجح في تسيير دفة الحكم خلال المرحلة الانتقالية ،
وهى مرحلة حرجة جدا تحتاج الى حكمة وحنكة لتخرج البلاد من نفق الاحتقانات والمخاطر المحدقة بها ، بالتالي لا نتوقع ان تكون هناك استجابات للاضرب والعصيان .وثاني اسباب فشل العصيان ان المجلس العسكري يبدو انه وضع ترتيباته لمواجهة هذا الاضراب ، سيما في الخدمات الاساسية التي تؤثر على الحياة العامة في جانب تسيير المرافق الاستراتيجية ، بالتالي لن يؤثر الاضراب على ذلك ، ثالثا فان الفشل الذي واجهه العصيان السابق والذي حاول تجمع المهنيين تنفيذه في فترة ما قبل تغيير النظام سيكون له مردود سلبي الان ، خاصة اضراب الاطباء ، وقد واجهوا انتقادات لاذعة كون ان مهنة الطب هى مهنة انسانية لا تقبل التسييس ، واضرابهم يعرض المرضى الى خطر ربما يصل الى الوفاة ، وان اقدموا على تكرار ذلك فانها تعتبر قفزة في الظلام ،
فسيخسر تجمع المهنيين وقوى التغيير اكثر مما يكسب .اذن فخطوة تنفيذ الاضراب والعصيان المدني غير مجدية ، وانها ستخصم من المكاسب التي وجدها قوى التغيير كثيرا وربما افقدته تلك المكاسب ، ففشل العصان المدني سيظهر قوى الحرية والتغيير في اضعف حالاته خلال المفاوضات القادمة ، ربما يجعل المجلس العسكري يسحب تلك المكاسب ويعلن الانتخابات صراحة ، بما يجعل حال قوى التغيير ما ينطبق عليه المثل كأنك يا يزيد ما غزيت .
د.سامية علي
الراي العام الاحد 26/5/2019