في كل قصص التاريخ وبمجرد أن تكثر صور الحاكم في الشوارع، وبمجرد أن يرتفع صوته على الشعب، وبمجرد أن يلوح بيده مهدداً ومتوعداً وشاتماً.. أعلم تماماً أنه قد بدأ في وضع النهاية لقصته بين المواطنين.
الرئيس المخلوع البشير كثرت صوره في الشوارع، وأصبح يلوح مهدداً وشاتماً، وحين قال قولته الشهيرة (المزيكا لما تدق كل فأر بدخل جحره) كان يقصد بالفئران المواطنين لا غيرهم.
وقد سار هو على نهج كل رؤساء دول الربيع العربي، صور تمتلئ بها الساحات والشوارع، ثم مخاطبات شتائمية لشعوبهم، ثم المصير المحتوم انتفاضات وعزل وخلع وموت وخاتمة سوء.
والملاحظ الآن لما يحدث في السودان يدرك مثلاً أن لا أحد يسأل عن الفريق بكري حسن صالح، ولم يطالب أحد باعتقاله، بل أبعد من ذلك لا يذكرونه لا بالخير ولا بالشر، بالرغم من أنه أحد قيادات الصف الأول في الحزب الحاكم، وبالرغم من أنه من الشخصيات المؤثرة في قيادة الحزب وصناعة القرار، ولكن الرجل أمسك لسانه عن الشعب فأمسك الشعب لسانه عنه.
والآن قائد قوات الدعم السريع الفريق حميدتي، سرعان ما ارتدى طاقية الحاكم، والرجل بالرغم من أنه اكتفى طيلة فترة التظاهرات بالحديث عن أن قواته لحماية الشعب وليس بطشه، ومن ثم تحدث عن أن مطالب المواطنين مشروعة، وتحدث عن فساد ولاة الأمر، وحين جاءت الثورة أظهر نفسه بمواصفات البطل المنقذ للشعب والذي رفض أوامر الرئيس بقتل ثلث الشعب، فأصبح الرجل لدى الكثيرين أنموذجاً للصادق الأمين إلا أن الأمور بدأت تتبدل عند الرجل.
والشاهد أنه إن صدق حميدتي في روايته أو لم يصدق إلا أن تصريحه أول أمس بخصوص الإضراب لم يكن موفقاً البتة، وقد خصم الكثير من رصيده في عداد السياسة وحتى على مستوى المعجبين بقراراته.
ولم يكن الرجل موفقاً وهو يتحدى الثوار المضربين عن العمل بالفصل وتعيين مجموعة من العطالى مكانهم، فالتلويح بهذه الطريقة ونبرة التهديد البوليسية لا تتناسب مع عقلية هؤلاء الشباب.
فالشباب الذين لم يثنهم القتل والإرهاب والجلد والتشريد والتعذيب لن يثنيهم. تخويف بالفصل عن العمل.
خارج السور
العنتريات لا تجدي هنا.. هذه الخرطوم وليست صنعاء أو الحديدة أو تعز.
سهير عبد الرحيم
الانتباهة