في ١١ فبراير ٢٠١١ أعلن اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية تنحي الرئيس حسني مبارك في بيان مقتضب..ترك الناس فحوى الخطاب التاريخي وركزوا على الرجل العابس والذي كان يقف من وراء اللواء سليمان اثناء تلاوة البيان الأهم ..خرجت أساطير ان العابس ليس سوى ضابط عظيم كانت مهمته التأكد ان اللواء سليمان لم يخرج على النص المكتوب..بعد انقشاع ريح الثورة اكتشف الناس ان الضابط الغامض لم يكن سوى العميد شريف حسين والذي يشغل منصب مدير مكتب اللواء سليمان..وان الحارس الوفي اصر ان يرافق رئيسه في الاستديو من باب توفير التأمين .
منذ ان اعتلى الفريق عبد الفتاح البرهان سدة رئاسة المجلس الانتقالي استغرب السودانيون في صمت الرجل وقلة طلته الإعلامية..البرهان ظهر في البيان الاول (مكرر)..ثم غاب ليظهر في بيان الغضب والذي علق فيه الحوار مع قوى الحرية والتغيير..حتى مساحة الحركة السياسية للرجل بدت وكأنها محدودة..حيث لم يزر الفريق البرهان وحداته العسكرية جَهْرًا ..كما كان تواصله مع القوى السياسية في أضيق مدى ممكن..في ذات الوقت تحرك نائبه الفريق حميدتي في كل المساحات الشاغرة.
في تقديري ان قلة الطلّة الإعلامية مقصودة في حد ذاتها..الغموض عند رجال المخابرات يضيف بعدا لقوة متوهمة..كما ان منتوج صمت الرجل افرز نتائج باهرة في سرقة الثورة..استخدم البرهان تكتيك الإيحاء بالاستسلام للمدنيين حتى يبدد مخزون الطاقة الثورة التي تولدت في مناخ العداء للعسكر..كما ان المجلس العسكري وضع تفاحة السلطة على طاولة المفاوضات وبدأ وكأنه من الزاهدين..هذا المشهد الإغرائي جعل القوى المدنية تتنكب الطريق..ومنهم من هرول عاريا لاصابة السلطة..كل هذه التكتيكات المدروسة كان اثرها واضحا في شق الصف الثوري..لن نذيع سرا ان العسكر بداوا في التواصل خفية مع بعض رموز القوة الثائرة.
في الجانب الاخر سعى مجلس البرهان لصناعة مركز قوة جديد عماده أنصار النظام المباد..الحركة الاسلامية التي فقدت السلطة وفي كل تاريخها كانت تحتقر الحركات السلفية اضطرت ان تقف من ورائها في تحالف تيار نصرة الشريعة..التيار الوليد يناهض قسمة السلطة الثنائية بين العسكر وتحالف الحرية والتغيير..لكنه في نهاية المطاف يقدم سندا للمجلس العسكري في عراكه حول مدنية السلطة..هنالك تيارات جديدة خرجت واُخرى ستخرج في مقبل الايام يجمع بينها موالاتها للمجلس العسكري في حربه وسلمه.
في تقديري بعد ان لوح المجلس العسكري بانتخابات مبكرة لحسم الصراع على السلطة تأكد لي ان وراء البرهان عقل سياسي يجيد التكتيك..الانتخابات المبكرة ستحيد المجتمع الدولي عبر الإيحاء ان عسكر السودان يرغبون في مغادرة المشهد السياسي بأسرع فرصة ممكنة..كما انها ستزيد من تصدعات حلف الثورة..حيث ان هنالك احزاب تعتقد انها في كمال الجاهزية مثل حزب الأمة..واخري تعتقد ان الريح تهب في أشرعتها في هذه اللحظة كما المؤتمر السوداني ..والطبع هنالك قوى اخري تحتاج ان تصفي الدولة ثم تصفها من خلفها في انتخابات بعد حين..هنا سيقع طلاق بائن بينونة كبري في صفوف تحالف الحرية والتغيير.
بصراحة..لا احد على وجه التاكيد يعرف من يقف من وراء البرهان في معاركه السياسية.،هل جنرال بخلفية سياسية..ام مستشارون من وراء الحدود..لكن المصيبة ستكون اكبر ان اكتشفنا ان البرهان هو مستشار نفسه..لان ذلك يعني اننا امام دكتاتور جديد (حمده في بطنه ) كما يقول السودانيون.
عبد الباقي الظافر